- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
بيسان عدوان تكتب.. الضفة تنتفض: حين تحول الاحتلال إلى فريسة للمقاومة الفلسطينية
بيسان عدوان تكتب.. الضفة تنتفض: حين تحول الاحتلال إلى فريسة للمقاومة الفلسطينية
- 31 أغسطس 2024, 9:44:03 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تحولت الضفة الغربية إلى مسرح مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي بعد أن نجحت غزة في قلب معادلات القوة خلال حرب "طوفان الأقصى"، مما أدّى إلى توجيه الأنظار نحو الضفة كجبهة جديدة لا تقل أهمية عن الساحة الجنوبية. في خضمّ هذا التحول الجيوسياسي، يمكن تحليل الصراع في الضفة الغربية ضمن إطار أوسع من المقاومة التي تتحدى ليس فقط الآلة العسكرية الإسرائيلية، بل أيضاً المنظومة الاستعمارية التي تحاول إعادة إنتاج سيطرتها عبر العنف والإرهاب.
منذ اندلاع العمليات العسكرية في غزة وما تبعها من فشل ذريع لجيش الاحتلال في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، أصبحت الضفة الغربية ساحة للترقب، حيث تدرك إسرائيل أن قوة المقاومة المسلحة والشعبية فيها قد تتحول إلى كابوس جيوسياسي جديد يعمق من أزمتها. إن الفشل العسكري في غزة لم يكن مجرد إخفاق تقني أو تكتيكي، بل يعكس تآكل الهيمنة الإسرائيلية التي كانت تعتمد على قدرتها على فرض معادلات ردع وسيطرة مطلقة. هذا الفشل هو في الواقع جزء من أزمة أعمق تعيشها إسرائيل في مواجهة المقاومة المتجددة التي تستند إلى إرث طويل من الكفاح ضد الاستعمار، حيث لم تعد الأدوات العسكرية التقليدية قادرة على إخماد نار المقاومة التي تشتعل في كل مكان.
في هذا السياق، يمكن النظر إلى الضفة الغربية من خلال عدسة دراسات ما بعد الاستعمار التي تسلط الضوء على العلاقة الجدلية بين المستعمِر والمستعمَر. فالضفة، مثلها مثل غزة، لم تعد مجرد منطقة جغرافية تحت الاحتلال، بل أصبحت فضاءً للمقاومة يعيد فيه المستعمَر تعريف هويته ويقاوم محاولات محوه. هذا الصراع يتجاوز الأبعاد العسكرية ليتحول إلى مواجهة وجودية بين مشروع استعماري يسعى لفرض هيمنته وبين شعب يقاوم محاولات استعباده.
إن الحرب على الضفة الغربية بعد "طوفان الأقصى" تأتي في ظل معطيات جديدة تجعل من الصعب على جيش الاحتلال تحقيق انتصار حاسم. فالضفة لم تعد مجرد منطقة تخضع للاحتلال المباشر، بل تحولت إلى بؤرة متفجرة للمقاومة التي تتغذى على الإخفاقات الإسرائيلية وعلى الحراك الشعبي المتنامي. إن التنسيق المتزايد بين الفصائل المسلحة في الضفة والتمرد الشعبي ضد السلطة الفلسطينية المتهالكة، التي أصبحت بنظر الكثيرين جزءاً من آلة الاحتلال، يعزز من تعقيد المشهد ويجعل من الصعب على إسرائيل فرض سيطرتها.
هذا الوضع الجديد في الضفة يشير إلى تحول استراتيجي قد يكون مفصلياً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فالضفة اليوم تقف على حافة انتفاضة جديدة، قد تكون أعنف وأشمل من انتفاضات سابقة، وهي انتفاضة لا تستند فقط إلى المقاومة الشعبية التقليدية، بل تدمج بين العمل المسلح والحراك المدني لتشكل جبهة موحدة ضد الاحتلال. هذا التصاعد في الحراك المقاوم يضع إسرائيل أمام خيارات صعبة، حيث تواجه معادلة جديدة لم تعتد عليها؛ معادلة يقوم فيها الشعب الفلسطيني، الذي خضع لعقود طويلة من القمع والاضطهاد، بتحويل كل شبر من أرضه إلى ساحة مقاومة.
من الناحية الجيوسياسية، تعي إسرائيل أن استمرار التصعيد في الضفة قد يؤدي إلى انفتاح جبهات جديدة، ليس فقط في الداخل الفلسطيني، بل قد يمتد إلى مناطق أخرى، مما يهدد بانهيار كامل للسيطرة الإسرائيلية. هذا السيناريو هو ما تسعى إسرائيل لتجنبه عبر تصعيدها العسكري في الضفة، ولكن هذا التصعيد قد يأتي بنتائج عكسية. فبدلاً من إخماد المقاومة، قد يؤدي إلى توحيد الشعب الفلسطيني أكثر، وإلى تضامن دولي أوسع مع قضيته، خاصة في ظل تعاظم الإدانات الدولية لجرائم الحرب الإسرائيلية في غزة.
إن رؤية استشرافية لمستقبل الصراع في الضفة بعد "طوفان الأقصى" تتطلب النظر إلى ما هو أبعد من التكتيكات العسكرية. فالضفة اليوم ليست مجرد ساحة مواجهة عسكرية، بل هي رمز للكرامة الوطنية ولرفض الاستعمار. إن المقاومة التي تتشكل في الضفة، والتي تستلهم من صمود غزة، قد تكون بداية لتحول جذري في موازين القوى في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. هذا التحول يعتمد بشكل كبير على قدرة الشعب الفلسطيني على تحويل اللحظة الحالية إلى فرصة لتوحيد الصفوف وبناء جبهة مقاومة شاملة.
في ضوء كل هذا، يمكن القول إن الحرب على الضفة الغربية ليست مجرد امتداد للصراع في غزة، بل هي معركة جديدة تعيد تعريف ملامح المرحلة القادمة. إنها حرب ليست فقط ضد الاحتلال العسكري، بل ضد كل أشكال الاستعمار والاستعباد التي يسعى الاحتلال لفرضها. وفي هذا السياق، فإن الضفة، مثلها مثل غزة، ستظل رمزاً للمقاومة والصمود، وستبقى شوكة في حلق المشروع الاستعماري الإسرائيلي، حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من تحقيق حريته واستقلاله.