بين الهضيبى والسنهوري .. قصة طريفة

profile
طارق مهني كاتب صحفي
  • clock 4 مايو 2021, 2:56:15 م
  • eye 1027
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

فى بداية الأربعينات أعد "عبد الرازق السنهوري باشا" مشروع القانون المدني لمصر والذى اعتمد بعد ذلك عام 1948، لكن حدثت قصة طريفة قبل اعتماده .

فقدعرض هذا المشروع على مجلس الشيوخ الذى قرر تشكيل لجنة من المستشارين لسماع آرائهم حول القانون

وكان من بين هؤلاء المستشارين المستشار بمحكمة النقض حسن الهضيبي. وعندما سألته اللجنة عن رأيه في القانون

فوجئت بقوله: "إنه لم يقرأ القانون أصلاً"! فسأله أعضاء اللجنة: لماذا؟!

قال: لأن لي مبدأ أرجو أن ألقى الله عليه وهو أن "الحكم لله"، وأن الواجب هو تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وأن كل قانون لا يقوم على أساس الشريعة الإسلامية باطل وأنا أرفضه،

وسيان عندي أن يكون صحيحًا في عالم القانون الوضعي أو غير صحيح.
ثم قال : أنني لم أتعرض للقانون المدني باعتراض أو بنشر، وأنا لم أقل شيئًا يتعلق بمضمونه؛ لأن من رأيي ألا أناقشه أصلا.

 وقد جئت اليوم بناء على دعوتي؛ لأن زميلي "صادق فهمي بك" صحح المسألة بالنسبة إليَّ، 

فقد ألحق بالمحاضرة التي كان مزمعًا أن يلقيها كلمة تبين مركزي في هذا المقام. واعتقادي أن التشريع في بلادنا كلها وفي حياتنا جميعًا يجب أن يكون قائمًا على أحكام القرآن،

 وإذا قلت القرآن فإني أعني كذلك بطبيعة الحال سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن طاعته من طاعة الله.

ثم سأله الشيخ جمال الدين أباظة بك: هل تقصد القرآن، والحديث؟؟

قال حسن الهضيبي بك: نعم، يجب أن يكون هذان المصدران هما المصدران لكل تشريع؛ فإذا ما أردنا أن نأخذ شيئًا من التشريعات أو النظم الأجنبية فيجب أن نردها أولاً إلى هذين المصدرين: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]،

فإذا كان هذا التقنين صادرًا عن أحكام القرآن والسنة كان بها؛ وإلا فيجب أن نرفضه رفضًا باتاً، ونرد أنفسنا إلى الحدود التي أمر الله بها.

فقال له الشيخ جمال الدين أباظة بك: وإن سكت عنه؟

قال حسن الهضيبي بك: الأمور في الشريعة: أمر، ونهي، وعفو: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، أما العفو فهو من الأمور المباحة التي يمكن لولي الأمر أن يصرِّفها كما يشاء على ما تقضي به المصلحة.

من أجل هذا لم أشترك في مناقشة مشروع القانون المدني موضوعًا، ومن رأيي أن يصدر كيفما يكون؛ لأني شخصيًا أعتقد أنه ما دام غير مبني على الأساس الذي ذكرته والذي أدين به فخطؤه وصوابه عندي سيان.

ولقد جئت اليوم لأبين لحضراتكم وجهة نظري، وإني أعلم تمام العلم أنكم غير مستعدين لقبول هذا الرأي.

قال رئيس الهئية التشريعية : لا شك أن كل تشريع يمكن أن يوجَّه إليه كثير من النقد غير المحدد، ونحن هنا هيئة تشريعية قـُدِّم إلينا مشروع فاجتهدنا في بحثه، ونريد الآن أن نسمع الانتقادات التي وجهت إلى تقرير اللجنة؛ كي تجتمع اللجنة بعد ذلك لإقرار ما تراه، ولقد بدأت الآن بعرض الأمر بالطريقة المنطقية، فقد قدمت انتقادات موضوعية، وتريد اللجنة أن تناقش أصحابها.

فرد عليه المستشارحسن الهضيبي بك ردا حاسما قائلا : لقد ذكرت منذ لحظة أن خطأ هذا المشروع وصوابه عندي سيان".

فوجئت اللجنة بكلام عن الشريعة والقانون الإسلامي وهو ما لم يسمع به أحد من قبل من مستشار في ذلك الوقت. وشرح للجنة رؤيته الكاملة لأحكام الشريعة وقوانينها.
أورد هذه القصة الدكتور عمر سليمان الأشقر في كتابه: "الشريعة الإلهية لا تحكيم القوانين الجاهلية":
وعلق عليها قائلا: "رحم الله "الهضيبي" لقد قال كلمة الحق التي ينبغي أن يقولها المسلم، فهذا القانون لا يستحق أن يـُناقش؛ لأنه غير مأخوذ من الكتاب والسنة، وصوابه وخطؤه عنده سيان ما دام كذلك، ولم يطل الكلام فهو يعلم أن القائمين على إعداد القانون غير مستعدين لقبول رأيه؛ لأنه الأمر المفروض على الأمة فرضاً، ولم يستطع "السنهوري" أن يناقش "الهضيبي" رحمه الله؛ لأن "الهضيبي" كان حازمًا وصريحًا".




التعليقات (0)