ترتدي السواد نزولًا على أحكام عشاقها

profile
حمدي عابدين كاتب مصري
  • clock 25 مارس 2021, 1:23:09 ص
  • eye 1224
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


المرأةُ التي ترتدي السوادَ نزولًا على أحكامِ عُشَّاقِها

المشغولة دائما بصياغة خطواتها الصباحية

التي تذهب للنوم بعد أن ترتب أحلامها

في أماكنها على الوسادة

وتعيد على أسماعها قراءة لوائح المرور في الظلام

المرأة التي دائما ما يبلل العابرون حدائقها بعبارات مشئومة

ولا يبخل الميتون بأمنياتهم في رعاية تنهداتها المصابة بالصدأ

تقول، وهي مكومة على قبر أحزانها،

 كنت جميزة :

هرة تموء في مفاصلي كل صباح

وحين يغمض الليل أهدابه على جذوعي تسقط العباءة

حكاياتي كثيرة

لكن قصفني قاطعُ طريق.

تأمينُ ركبِ زوجتِه، التي تُشْبِه ماكينةَ الحرثِ، حقٌ مشروع

يحتاجُ شوارعَ خاليةً من المارة

أما عن مَعَاركِه التي يُخُوضُها في مواجهةِ الأشجارِ فمن نافلةِ القول.

حين أبلغوه بوفاة دميتها المصنوعة من ملابس قديمة

راح يجري كأي مملوك بحثًا عن كلبِ جيرانِها

وكانت واحدةً من حُطامِ النِّسَاء أخْبَرتْه أنَّهُم دفنوها تَحْتَ أشْفَارِه

وتَصَادفَ أنَّه كان يلهثُ

ومن دون جدوى راح يحاول أن يَحْبسَ نِبَاحَه بين فكيه.

لَكِنَّ المشيعين

آلهةَ الجَنَازَةِ المستأجرين

قالوا: فرصةً

ما الذي يُجبرُنا على دفنِ موتانا في حنينٍ مفقود.

علينا فقط أنْ نُنْجزَ المهمةَ قَبْلَ حُلولِ أجَالِنا

ونُدْرِكَ المغني قبل أن يبدأ ارتجالاتِه في الظلام.

مقطوعةُ الخرابِ التي تَخْمِشُ رقابَ عازفيها

وتبدأُ السيداتُ على أنغامِها أعمالَهُنَّ المنزلية

مناسبةٌ أيضًا لِكَي الملابس

أمَّا البخارُ الذي يتصاعدُ من آلامهنَّ فلا تضعونه في اعْتباراتِكم

خِبراتُنا تقول إنه يَسقطُ بعد قليل

وتَتَعفرُ وجوهُنا ونحن نهرول

لَكنَّ هذا أفضلَ من أنْ يرانا عازفون بُلهاءُ

وَهُمْ يُضَاجِعونَ عَشِيقَاتِهم داخلَ سُردقاتِ مَوْتَى

وَتَخْتَنقُ آلاتُهم من عِفونةِ أيَّامِنِا.

نَعْرفُهم بأوجاع ناياتهم

يُشكَّلونَ طابورًا من لُصوصِ الرَّايات

وأقْصَى طموحاتِهم أنْ يَبْصقوا على خَزانةِ أعمالِهِم في الخفاء

وَلَدَيْهُم دائمًا ما يُدافِعونَ به عن وجودِ دميةٍ مقتولةٍ تَحْتَ أشْفارِ كَلْب.

____________________

منذ سنين كثيرة يا اخواني

وأنا هنا.. أعمل بجد كي اصطاد كل شئ.

النمل وهو يحاول التسرب الى أكياس السكر .

أدوات المطبخ وهي تهم بالقاء نفسها في أكياس القمامة.

الفساتين التي تسعى بحرص بالغ علي اكمامها.

تتشبث بأحبال الشرفات،

كي يكتمل بهاؤها فوق أجساد الجميلات.

الروائح التي تصاحب البرتقال في الأغنيات القديمة.

والنعناع الذي يفوح دون أن يعرف مصيره بين أيدي الباعة.

والتفاح في خدود الطرقات.

ما آلمني كثيرا أن رائحة الرمان

مرت بجبروت مارلين مونرو،

دون أن تتكور نهدين بين كفي.

______________________

شخص كان يطاردني، يصعد سلما خشبيا مستندا لجدار، وأنا أجري، واقفز صوب سطح بيت ملاصق، كنت أسقط مثل طائر، يحملني الهواء ببساطة، لأسفل، ثم دون أن ادري أجدني في المكان نفسه، في الأعلى، خائفا اترقب، وهكذا يتكرر المشهد، لعدة مرات، يهرول الغريب صاعدا سلمه الخشبي، وأنا اندفع مرتبكا واقفز استجابة لتحذير شخص يظهر دائما في اللحظة المناسبة، كأنه مربوط بحركة صاحب السلم.

في المرة الأخيرة ومع حالة الرعب والهلع التي سادت، تطوح جسمي، عبر الشارع، دفعه الهواء لسطح بيت جارتنا مرثا، لكنها للأسف لم تكن هناك.

____________________________

قبيل انتهائنا من إعداد حقائبنا المزودة بأدوات الصيد، وبعد أن صرنا جاهزين تماما للانطلاق صوب البحر، تذكرنا فجأة أننا ذاهبون في رحلة بعيدة من دون طعم للصنانير، كانت تواجهنا في تلك اللحظات مزرعة تحفها الاشجار، أرضها تأخذ شكل المدرجات.

هناك استقبلنا نفر يرتدون جلابيب، وراحوا يشيرون إلى خيوط دود الأرض الظاهرة أمامنا، كنا شبه مشلولين، لا نستطيع ان نمد أيدينا لالتقاطها، وتلفّنا حالة من الجمود والكابة.

في لحظة سحب أحدهم فأسا صغيرا، ضربة، ضربتان، وسقط من بين أصابعه أول بشائر الطعم، بالضربة الثالثة ظهرت حشرة سامة، نسميها دفانة، كانت تختفي تحت الطين، وساد خوف شديد، لكن الرجل تناول مقصا وراح بحرفية خبير يقلم زوائدها وأطرافها، ويلقي بمستودعات سمومها تحت اقدامنا، وكانت بطنها تلمع بيضاء تحت أشعة الشمس.

_____________________________

أجلسوه على كرسي يشبه إلى حد بعيد كراسي المقاهي القديمة، كانا يتساويان في العمر تقريبا، رجل نحيل بائس، وكرسي أخذ وعدا بانه سوف يعود للحياة من جديد، كان مهجورا إذن، وقال الذين حضروا الواقعة إنه لم يصدق أنه سوف يجد أخيرا من يجلس عليه.

راح يتراجع ببطء مشفقا على جليسه، قرر أن يقترب من الزاوية، ويحاذي ما استطاع شيش الشرفة، وجئ بالرجل، كان أشعثا، مذهولا، وجهه مستطيلا.. متعبا.. ونظراته بلا معنى.

أما هم، فلم يتأخروا طويلا، دقائق وراحوا يتنافسون فيما يقومون به، وكان أحدهم يقشر جلد وجهه بمزاج كامل، لدرجة أن كلبا احضروه لحراسة المشهد، راح يعوي عواء مكتوما، وبان أنه يخشى أن يشب أو ينبح ولو لمرة واحدة.

_________________________

فَوْقَ مقعدٍ لم يكنْ يومًا يعرفُ لنفسِهِ وظيفةً

سوى حملِ الأجسادِ المُنْهَكَة

يَجْلِسُ أمينًا على مَخَازِنِ الفراغ

قبل الثلاثين من عمرِه كانوا يُسَمُّونَه الوشم

لكنَّه مع مُرورِ ظِلٍ يستندُ إلى آخر

صَارَ قاطعَ طريقٍ

رايةً لفلولِ جيشٍ ما عادَ أطفالُه يحفظون سوى مواقعَ هزائمِهم

ظلًا يتابعُ مرورَ قوافل المصابين بالجذام

وينتظرُ ربما مَرُّوا بجثتِه في مدى نباحِ كلب

كان يعتمدُ في وضعِ نهايةٍ لطموحاتِه على السقوطِ مغشيًا عليه

كان مَلَلُه من الانتظارِ لا يكرمُه حتى ببئر ساقية

لكنه أخيرًا وجدَ عاهرةً مأجورةً تبيعُ الأحلامَ البائسة

تَظَلُ من صباحيَّةِ ربِ العبادِ تدورُ في الأسواق

قدماها مشققتان، وشفتاها مبللتان بالتوسلات

ومن ضِمْنِ مُصِيبَتِها أنَّ اللهَ ابتلاها بمخلوقاتٍ عجيبة

كُلَّما مروا بها يُشِيرُونَ إلى أذنيها المبتورتين

ونَهْدَيْهَا الذين يَسِيلان على أيدي المُعَاقين

من أين أصيبت هذه المرأة بطفلها؟

ذلك الميت عند عتبة الباب

وكيف تركَها صاحبُ الفندقِ الرثِ تَتَسَاقطُ هكذا أمام دائنيه

دُونَ أن يأخدَ عمولةً من باعتِها الذين يموتون في الفضائح

هؤلاء الذين يسرقون قبصةً من صَفِيفِ شَعْرِها

ويِسْقُطُونَ في البارات.

_________________________

لا أحرص على شئ.

الرقصة لم تكن طبيعية تماما.

كان ثمة وتر زائدا عن الحاجة في جسد الخيمة.


يخرجان من صندوق قمامة واحد.

يشحذ كل منهما أسلحته من خرج عاهرة.

يتبادلان التحية.

يعدل كل منهما ملابس الاخر.

ثم يذهبان معا إلى الميدان.

يتنابزان بالألقاب.

ويلعن كل منهما ابا الاخر.

وعندما ينتهيان في المساء.

تجدهما واقفين عند المرحاض نفسه.

يتبولان معا

في حوض واحد!!!

_______________________

تستطيعان معا

أن تتلقيا بعض قطرات من موسيقي البحر

تتذوقاها علي مهل أمام البيانو

دو ري

دو ري

لكن ..

نصيحة...

لا تضيقا المسافة بين الشواطئ

إلا في الشهقة الأخيرة.



هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)