- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
تقرير : رسالة لازاريني ونقطة التحول التاريخية بين صمود الأونروا أو انهيارها
تقرير : رسالة لازاريني ونقطة التحول التاريخية بين صمود الأونروا أو انهيارها
- 26 ديسمبر 2021, 2:56:55 م
- 2488
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في رسالة مفتوحة اعتاد لازاريني المفوض العام للأونروا توجيهها إلى اللاجئين الفلسطينيين مع نهاية 2021 وبداية عام جديد 2022، تحدث بكلمات ممزوجة بكثير من الألم وبقليل من الأمل، ورسم صورة قاتمة لمشهد المستقبل الذي ينتظر أكثر من ستة ملايين لاجئ ينتشرون في مناطق عمليات الأونروا الخمس.
رسالة احترافية تنذر بالخطر
لازاريني الاقتصادي، والإداري الذي يحمل مواطنة سويسرا وإيطاليا وفي رسالته المؤثرة والتي كتبت بيد احترافية، اختار ان يكون صريحا بدرجة تضع اللاجئين الفلسطينيين أمام المخاطر الحقيقية التي تواجه مستقيل استفادتهم من المظلة الأممية التي توفرها لهم الأونروا، المنظمة الاغاثية الدولية الوحيدة المفوضة من الأمم المتحدة لتشغيلهم واغاثتهم، إلى حين عودتهم الى ديارهم وبيوتهم التي هجروا منها قسرا ابان النكبة 1948، وذلك تطبيقا للقرار الأممي رقم 194.
الحفاظ على الواقع.. انجاز
اختار لازاريني الذي شغل في السابق العديد من المناصب، وكان آخرها منصب نائب المنسق الخاص والمنسق المقيم والإنساني في مكتب منسق الأمم المتحدة الخاص في لبنان قبل تعيينه مفوضًا عامًا للوكالة، اختار البدء باستعراض الجزء المضيء من عمل الأونروا، فقام بتعداد ما حققته الأونروا من إنجازات، ترجمتها الأرقام، والغريب ان ما افتخر به لازاريني لم يعدو -في حرب الوجود- مجرد الحفاظ على ما كان موجودا كالإبقاء على عمل 710 مدارس و140 عيادة مفتوحة، وحماية شبكة الأمان الاجتماعي لصالح ما يقرب من 400,000 لاجئ فقير في شتى أنحاء المنطقة، وتزويد 1.5 مليون لاجئ فلسطيني بالمساعدات الغذائية أو النقدية ودفع مساعدات نقدية لتأمين مسكن انتقال لـ 1,200 أسرة في غزة فقدت مساكنها خلال عدوان أيار/مايو، ودفع اعانات لنحو 750 أسرة في الضفة الغربية أخليت من مساكنها أو عانت من عنف المستوطنين.
أعراض الانهيار
إلا أن لازاريني الحاصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة نوشاتيل، ودرجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية الأعمال والاقتصاد بجامعة لوزان، وذو الخطاب الواقعي استعرض أيضا العوارض الناتجة عن النقص المزمن في التمويل، مؤكدا أن الأونروا استنفدت ما لديها من احتياطيات منذ بضع سنوات، وأدخلت إصلاحات لزيادة الكفاءة، واعتباراً من عام 2015، اعتمدت الوكالة تدابير متزايدة للتقشف ومراقبة التكاليف سمحت بمواصلة تقديم الخدمات، ومنذ عام 2019، أصبحت أونروا أيضاً نقوم بتحميل التزامات كبيرة الحجم من سنة إلى أخرى، مما يعني أنها بدأ كل سنة جديدة بمديونية اضافية.
حتى بلغ حده الأقصى وأصبح يؤثر على جودة خدماتها، ما انعكس سلبا على مجتمع اللاجئين، فعلى صعيد الواقع التعليمي باتت أونروا تضع 50 طفلاً في غرفة صفية واحدة، وتترك الأطفال الأشد حرماناً دون وسائل نقل أو قرطاسية.
وعلى الصعيد الصحي بات الطبيب لا يتمكن من قضاء أكثر من ثلاث دقائق مع كل مريض. وعلى صعيد الوظائف بات الكثير من المعلمين وعمال النظافة يعملون بالمياومة، ولا تتمكن أونروا من منحهم وظائف أكثر استقراراً.
وعلى الصعيد الاغاثي باتت أونروا عاجزة عن زيادة عدد اللاجئين الفقراء الذين نستطيع دعمهم في وقت يتفشى فيه الفقر.
حلول لازاريني المجتزأة
لازاريني ذو الشعر الأشيب والعيون الزرقاء وجه الأضواء ربما بشكل ناقص إلى الحل للخروج من هذا الوضع المزري الموشك على انهيار المنظمة الاغاثية الدولية ذات البعد السياسي، فاللاجئون يعتبرونها الشاهد الدولي على النكبة 1048، واللاجئون الضعفاء يعتبرونها قشة الإنقاذ من خط الموت جوعا، فيما العدو يعتبرها عائقا أمام مخطط تذويب وانهاء قضية اللاجئين وحق العودة الذي يطالب فيه اللاجئون.
لازاريني الذي يقيم غاليا خارج الضفة المحتلة وغزة المحاصرة، وهو مكان عمله المفترض، اعتبر أنه يمكن كسر الحلقة المفرغة من الأزمات المالية للأونروا، والحفاظ على حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العيش بكرامة عبر الشروع في مناقشات دؤوبة بين المانحين والمضيفين على السواء، وهذا ما سيمثل أولوية بالنسبة له في عام 2022، متناسيا دور ومساهمة أكثر من ستة ملايين لاجئ في هذا الحل، ربما لأن مهمته الاستمرار في تسكين ملايين اللاجئين ومنعهم من ارباك المشهد الأمني والاستقرار في الإقليم، ما يتيح للعدو تنفيذ مخططاته المتسارع في التوسع وفرض الوقائع على الأرض، على وقع اتفاقات التطبيع من المحيط إلى الخليج بكل تؤدة وهدوء.
لازاريني ذو الـ 67 عاما رهن نجاح أونروا بقدرتها على الاعتماد على تمويل كافٍ ومستدام ويمكن التنبؤ به، والحصول على مزيد من التمويل الطويل الأجل من المانحين الحاليين، وتوسيع قاعدة المانحين، وزيادة حشد التمويل بالقنوات الرقمية، بما في ذلك التبرعات الإسلامية، وإعادة النظر في آليات ونماذج الشراكة والتمويل المبتكر لضمان استمرار وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى جميع الخدمات.
الأونروا ونقطة التحول التاريخية
وطالب لازاريني في رسالته التي تطفح بالألم والتبشير بعام مزدحم بالأزمات بحماية الوكالة من أولئك الذين يحاولون الإضرار بسمعتها ونزاهتها وأغراضها، محذرا اللاجئين من أن الأونروا وصلت إلى نقطة تحول في تاريخها، وسيتطلب الأمر اتخاذ قرارات جريئة لضمان استمرارهم هم وعائلاتهم في الوصول إلى خدمات عالية الجودة تشكل جزءاً من حقهم في حياة كريمة، محذرا من احتمال انهيار الوكالة الأممية، قائلا إن “النقص طويل الأمد في تمويل الوكالة بات يمثل الآن تهديدا وجوديا في وقت بلغ التقشف فيه حده الأقصى وأصبح يؤثر على جودة خدماتها في وقت يتفشى فيه الفقر.
البعد السياسي للرسالة الخطيرة
- الرسالة التي يؤكد فيها لازاريني البعد السياسي لأزمة الأونروا المالية، تحمل ما يكفي من الحقائق لتؤكد استهداف الأونروا من عدد من الدول في مقدمتها "إسرائيل" وأمريكا بغرض إضعافها وصولا إلى تقويض دورها، ليصل المجتمع الدولي إلى قناعة أن الأونروا باتت عبئاً على المجتمع الدولي، بهدف تحويل خدماتها إلى الدول المضيفة للاجئين، أو للمفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، الأمر الذي يعني استهداف جوهر قضية اللاجئين بالمعنى السياسي والذي ينطوي عليه القرار الأممي 194، الأمر الذي يوجب على جميع المسؤولين عن الحفاظ على قضية عودة اللاجئين كأحد الثوابت الوطنية التنبه لهذا المخطط الخطير لناحية افشاله.
- الأونروا أحد الشواهد الحية على قضية اللاجئين الفلسطينيين، وقد أنشأت قبل 72 عاماً بقرار من الأمم المتحدة رقم 302 لعام 1949، لتشكل عامل أمن واستقرار في المنطقة، واي محاولة لتقويضها يجب أن يقابل بالتهديد بتفويض الأمن والاستقرار في الإقليم عبر العمل على تجييش ملايين اللاجئين لأخذ زمام المبادرة لتنفيذ حق العودة بأيديهم، ونقل خيام العودة على حدود الوطن بكل ما يعنيه ذلك من بعد انساني وأمني.
- إعادة التصويت على قرار إعادة التفويض للأونروا كل ثلاث سنوات لتجديد ولايتها، هو تعبير عن أن قضية اللاجئين الفلسطينيين قضية مؤقتة، ويجب أن تنتهي بالامتثال للقرار الدولي 194 القاضي بالعودة والتعويض للاجئين الى ديارهم وبيوتهم التي هجروا منها.
- وعليه لا يجب السماح للأمم المتحدة ولا لأي من مؤسساتها الدولية التنصل من المسئولية الأممية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين، والتي صنعتها الأمم المتحدة عبر الاعتراف بقيام كيان غاصب على أرضهم وديارهم وتهجيرهم منها، لا عبر "صفقة القرن" ولا عبر "اتفاق الإطار".
- يقع على عاتق المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني حذو المفوض العام السابق للأونروا بيير كرينبول الذي تصدى للمحاولات الأمريكية اضعاف أونروا وحجبها الموازنة التي كانت تدفعها لها وقدرها 360 مليون دولار، وطاف حينها على أكثر من 50 دولة حول العالم، وتمكن من تحقيق فائضاً جيداً لموازنة الأونروا.
- الرسالة المفتوحة التي وجهها لازاريني لمجتمع اللاجئين، عليه أن يوجه مثيلاتها إلى المجتمع الدولي والدول المانحة للوفاء بتعهداتها المالية، ولوضعهم أمام مسئولياتهم تجاه الخطر الوجودي الذي يواجه مستقبل أونروا جراء استفحال الأزمة المالية.
- العالم الذي يتخلى عن مسؤولياته تجاه الأونروا اليوم، قد لا يحتمل توقفت أونروا غدا ما يعني:
- إطلاق أكثر من نصف مليون طالب في الشوارع دون مدارس.
- ترك ملايين من اللاجئين محرومين من الإغاثة الغذائية منهم 1.2 مليون لاجئ في قطاع غزة المحاصر.
- ترك نحو 30 ألف موظف يعيلون نحو 200 ألف شخص دون رواتب.
- تحول المخيمات الفلسطينية إلى مكرهة صحية بلا خدمات نظافة في ظل انتشار جائحة كورونا.
- إلى آخره من هذه التداعيات الخطرة التي ستنعكس حتما على الامن والاستقرار في المنطقة.
- موازنة الأونروا ذات 1.2 مليار دولار، والتي لا تساوي ما ينفقه العالم على ساعة واحدة من الحروب الدائرة في العالم، تفرض على مجتمع اللاجئين اكتشاف مكامن قوته، لجهة إجبار هذا العالم الظالم والمنحاز على دفع ما عليه من واجبات والتزامات تجاه إغاثة ملايين اللاجئين الذين هجروا على مرآه ومسمعه من 531 قرية فلسطينية ابان النكبة 1948، وذلك من خلال الحرص على وحدة الموقف، والتحرك المشترك لحماية حقوق اللاجئين.
- لم يعد اليوم مناص أمام الجميع من تنسيق وتوحيد الجهود، والوقوف صفاً واحداً أمام هذه التحديات وعلى مختلف المستويات، لحماية الأونروا من محاولات الاستهداف والتصفية، وحماية قضية اللاجئين وحق العودة من التذويب، ومنع تمرير أية تقليصات متوقعة، لكيلا يتحمل مجتمع اللاجئين عواقب تنكر المجتمع الدولي، وعجز إدارة أونروا الحالية عن سد احتياجات الإغاثة والتشغيل المطلوب توفيرها من المجتمع الدولي والدول المانحة.