- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
تمدد إرهابي: توسيع أنشطة "داعش" خارج مناطق النفوذ التقليدية بالكونغو الديمقراطية
تمدد إرهابي: توسيع أنشطة "داعش" خارج مناطق النفوذ التقليدية بالكونغو الديمقراطية
- 27 مارس 2023, 5:08:51 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أعلن فرع تنظيم “داعش” في الكونغو الديمقراطية المسمى بـ “ولاية وسط أفريقيا”، عن تنفيذ هجوم على قرية شرق البلاد، واستهداف مسيحيين؛ ما أسفر عن مقتل ما يزيد عن 10 أشخاص بمنطقة “لوبيرو”؛ وذلك في 18 مارس 2023. ويعكس هجوم “ولاية وسط أفريقيا” على إحدى القرى بمنطقة “لوبيرو” التي تقع ضمن إقليم “شمال كيفو”، محاولة التنظيم توسيع نشاطه العملياتي خارج مناطق نفوذه التقليدية داخل الإقليم ذاته، وتحديداً منطقتَي “بيني” و”إيتوري” الكونغوليتَين.
نشاط عملياتي
يُمكِن الوقوف على أبعاد واتجاهات النشاط العملياتي لـ “ولاية وسط أفريقيا” خلال الفترة (1 يناير- 20 مارس) 2023، عبر عدد من المؤشرات، اعتماداً على رصد عمليات فرع “داعش” التي تبثها وكالة “أعماق” الموالية للتنظيم بمواقع التواصل الاجتماعي؛ وذلك على النحو التالي:
1- تذبذب منحنى عمليات التنظيم بالربع الأول من 2023: بلغ عدد عمليات فرع “ولاية وسط أفريقيا” بالكونغو الديمقراطية، خلال الربع الأول من عام 2023، نحو 26 عملية، كان أكثرها في شهر فبراير 2023. ويتسم منحنى العمليات بالتذبذب، من حيث العدد، وهي سمة رئيسية لهذا الفرع من تنظيم “داعش” على مدار العام الماضي، ويتوقع استمرارها خلال العام الجاري، كما يشير منحنى العمليات إلى عدم وجود قفزات من حيث المعدل منذ مطلع عام 2023، وحتى مع المقارنة بالربع الأخير من عام 2022؛ حيث يظل معدل العمليات أقل من حاجز 15 عملية شهرياً.
2- تمدد نطاق عمليات التنظيم جغرافياً باتجاه الجنوب: يتركز النشاط العملياتي لـ”ولاية وسط أفريقيا” في منطقة “بيني” بشكل رئيسي، باعتبارها مركز ثقل فرع “داعش” في الكونغو الديمقراطية، قبل أن يتجه إلى توسيع نطاق النشاط العملياتي إلى منطقة “إيتوري” المجاورة،ولكن اللافت منذ مطلع عام 2023، أن ثمة تقارباً في معدل العمليات بين المنطقتين، خلافاً لما كان سائداً خلال العام الماضي،بما يشير إلى تركيز فرع “داعش” على زيادة النشاط العملياتي في تلك المنطقة، بما يخدم مخططات محاولات توسيع النفوذ.
وشهد مارس 2023 أول عملية خارج مناطق النشاط العملياتي والنفوذ التقليدية لـ”ولاية وسط أفريقيا”، بمنطقة “لوبيرو”، التي تقع جنوب منطقة “بيني”. ورغم أن المنطقة التي ظهر فيها التنظيم لأول مرة، تقع في نطاق إقليم شمال كيفو، فإنها تعد مؤشراً على محاولات توسيع النشاط العملياتي باتجاه جنوب الإقليم.
3- تركيز النشاط العملياتي على استهداف المدنيين المسيحيين: منذ عام 2022، يتضح أن فرع “داعش” بالكونغو، يركز على استهداف المدنيين مقارنة بالقوات العسكرية، مع توسيع عمليات استهداف المدنيين لتمتد إلى منطقة إيتوري منذ أبريل 2022. ومنذ مطلع عام 2023، يُظهر حصر طبيعة أهداف “ولاية وسط أفريقيا”، الاستمرار على النهج السائد منذ العام الماضي، بالتركيز على استهداف المدنيين، وتحديداً المسيحيين، بواقع 17 عملية، مقارنةً باستهداف القوات العسكرية، بواقع 9 عمليات.
ويمكن ملاحظة أن ثمة علاقة طردية بين زيادة معدل استهداف المدنيين من جانب، والقوات العسكرية من جانب آخر، ويظهر ذلك من خلال مقارنة استهداف المدنيين والعسكريين خلال الربع الأول من عام 2023؛ إذ إن زيادة معدل استهداف المدنيين، صاحبتها زيادة في استهداف القوات العسكرية. ويمكن تفسير ذلك في إطار أن استهداف القوات العسكرية يرتبط بمحاولة توسيع نفوذ فرع “داعش” ميدانياً، والوصول إلى مناطق المدنيين؛ لاستهدافهم بما قد يدفع بعضهم إلى النزوح الداخلي.
ويبرز في هذا السياق، تقارب معدلات استهداف القوات العسكرية مع المدنيين في منطقة “إيتوري” على وجه الخصوص، مقارنةً بأن معدل استهداف المدنيين يمثل ضِعف عمليات استهداف القوات العسكرية في منطقة “بيني”. وهنا يمكن تفسير تقارب معدلات استهداف المدنيين والقوات العسكرية في “إيتوري” مقارنةً بمنطقة “بيني”؛ إذ إن الأخيرة تُعد منطقة النفوذ الرئيسية لفرع “داعش”. أما منطقة “إيتوري” فيسعى إلى توسيع نفوذه إليها، ومن ثم فإن استهداف العسكريين يمثل هدفاً رئيسياً لكي تتمكن عناصر التنظيم من محاولة توسيع النفوذ والوصول إلى القرى التي تضم مسيحيين.
ويدعم ذلك طبيعة الأهداف العسكرية بين المنطقتين؛ إذ إن منطقة “بيني” شهدت تصدي عناصر التنظيم لحملات عسكرية، سواء لقوات عسكرية أجنبية مثل “قوات الجيش الأوغندي”، أو دوريات مشتركة بين القوات “الأوغندية والكونغولية”، في إطار تأمين مناطق النفوذ الرئيسية ومواقع عناصر التنظيم في تلك المنطقة. في المقابل، فإن التنظيم ركز في استهداف القوات العسكرية في منطقة “إيتوري” على تنفيذ عمليات على ثكنات عسكرية (أهداف ثابتة)، في محاولة لإضعاف الوجود العسكري في تلك المنطقة، بما يُسهل حركة عناصر التنظيم للوصول إلى مناطق وقرى المدنيين.
4- محدودية التطور العملياتي في تنفيذ هجمات التنظيم: لا يعكس تحليل أنماط عمليات “ولاية وسط أفريقيا” خلال المدى الزمني المحدد – رغم زيادة معدل العمليات مقارنةً بالربع الأخير من العام الماضي – تطوراً في القدرات العملياتية؛ إذ يركز فرع “داعش” على نمط الهجوم المباشر باستخدام الأسلحة البسيطة، سواء لاستهداف المدنيين أو القوات العسكرية، بغض النظر عن طبيعة الأهداف العسكرية، سواء ثكنات أو دوريات للجيش الكونغولي أو الدوريات المشتركة مع القوات الأوغندية، باستثناء عمليتين باستخدام عبوات ناسفة: الأولى تفجير عبوة ناسفة داخل كنيسة بمنطقة “بيني” في شهر يناير 2023، والثانية خلال شهر فبراير 2023 لاستهداف دورية للقوات الأوغندية في منطقة “بيني”.
وبوجه عام، يمكن تقييم عمليات “ولاية وسط أفريقيا” بـ”البسيطة”؛ إذ لم ينفذ فرع التنظيم عمليات معقدة من حيث التنفيذ، أو هجمات متزامنة على عدة أهداف في وقت واحد. ويتضح أن التنظيم لم يتجه لتنفيذ عمليات لاستهداف معسكرات أو تجمعات عسكرية وثكنات كبيرة؛ ربما لعدم القدرة على تنفيذ مثل تلك العمليات، في حين أن استهداف المدنيين يُعَد عمليات بسيطة في الأساس على أهداف “رخوة”، لا تتطلب قدرات عسكرية متقدمة.
دلالات رئيسية
في ضوء اتجاهات النشاط العملياتي لفرع تنظيم “داعش” في الكونغو، يمكن الإشارة إلى عدد من دلالات الاتجاه إلى محاولة توسيع النشاط العملياتي خارج مناطق النفوذ التقليدية؛ وذلك كالتالي:
1- تعظيم قدرات فرع “داعش” بالكونغو الديمقراطية دعائياً: وفقاً لمعدل عمليات “ولاية وسط أفريقيا” منذ مطلع العام الجاري حتى 20 مارس 2023، فإن ثمة زيادة في معدل العمليات بواقع 8 عمليات، مقارنةً بإجمالي عمليات هذا الفرع خلال الربع الأخير من عام 2022، ومع زيادة معدل النشاط العملياتي لأفرع “داعش” بوجه عام، بعد تراجع، فإن التنظيم يميل إلى الترويج لسردية تصاعد النشاط العملياتي، ومحاولة إظهار قدرات بعض الأفرع، من خلال عمليات مؤثرة، سواء بتزايد استهداف المدنيين لإيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية، أو تنفيذ عمليات نوعية لاستهداف مناطق ومقرات حساسة في الدولة.
وأمام محدودية قدرات فرع “داعش” في الكونغو، عملياتياً، فإن تنفيذ بعض العمليات خارج مناطق النفوذ التقليدية بمنطقتي “بيني” و”إيتوري” على الترتيب، حتى إن كانت عمليات بسيطة لاستهداف مدنيين، قد تمثل عاملاً داعماً لسردية الترويج لقدرات “ولاية وسط أفريقيا”، وإبراز استمرار العمليات، وأن التراجع في النشاط العملياتي لم يكن لضعف أو تراجع القدرات.
2- اتجاه التنظيم إلى توسيع النشاط العملياتي وتعزيز النفوذ: وبعيداً عن الأبعاد الدعائية الحاضرة في تنفيذ عملية بمنطقة نفوذ غير تقليدية بمنطقة “لوبيرو” خلال شهر مارس 2023، فإن الاتجاه إلى تنفيذ تلك العملية قد يكون مؤشراً على مساعي توسيع النشاط العملياتي، تمهيداً لتوسيع نطاق النفوذ جغرافياً خلال الفترة المقبلة؛ إذ إن فرع “داعش” ربما يسعى إلى توسيع النشاط العملياتي جنوباً في إقليم شمال كيفو خلال الفترة المقبلة، بمحاذاة الحدود مع دولة أوغندا المجاورة، التي تُشارِك في عمليات مشتركة مع الجيش الكونغولي لمواجهة عناصر “ولاية وسط أفريقيا”.
وعلى الرغم من احتمالات عدم قدرة فرع “داعش” بالكونغو الديمقراطية على استمرار تنفيذ عمليات بمنطقة “لوبيرو” خلال المدى الزمني القصير، فإن الاتجاه إلى محاولة توسيع النشاط العملياتي قد تنطوي على تهديدات على المدى المتوسط أو البعيد، مع الأخذ في الاعتبار تجربة التنظيم في توسع النشاط العملياتي التدريجي في منطقة “إيتوري” المجاورة لمنطقة “بيني”.
ويُظهِر عدد العمليات المسجلة في منطقة “إيتوري” خلال عام 2021، أنه في النصف الأول من هذا العام نفَّذ التنظيم نحو 10 عمليات فقط، مع الإشارة إلى عدم تسجيل عمليات خلال ثلاثة أشهر كاملة، في حين سجل النصف الثاني من العام ذاته نحو 25 عملية؛ أي بمعدل يزيد أكثر من الضعف. وخلال عام 2022، استمر النشاط العملياتي للتنظيم في منطقة “إيتوري” بمنحنى عمليات متذبذب، ولكن مع استمرار مساعي توسيع النفوذ بالمنطقة، وصولاً إلى تقارب إجمالي معدل العمليات بين “بيني وإيتوري” خلال الفترة (1 يناير – 20 مارس) 2023.
3- استغلال التنظيم التوترات الأمنية شرقاً لتمديد العمليات: ربما يسعى “ولاية وسط أفريقيا” من تنفيذ عملية بمنطقة “لوبيرو” شرق الكونغو الديمقراطية – ضمن مساعي توسيع النشاط العملياتي والنفوذ مستقبلاً – إلى استغلال التوترات الأمنية والأوضاع المضطربة شرق البلاد، المستمرة منذ عام 2022، بعد نشوب مواجهات عنيفة بين الجيش الكونغولي ومتمردي حركة “إم 23″، وتصاعد المواجهات المسلحة بين الحين والآخر، حتى إن الحركة المتمردة التي تتمركز في الأراضي الرواندية المجاورة للكونغو، استولت على مواقع ومعسكرات للجيش في المنطقة الشرقية من البلاد.
وعلى الرغم من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الحركة المتمردة والحكومة الكونغولية، فإن هناك تشكيكاً من قبل الدولة بشأن صمود هذا الاتفاق لفترة طويلة، بما يرجح احتمالات عودة المواجهات المسلحة مستقبلاً في أي لحظة، رغم الدعم الدولي والإقليمي لهذه الخطوة.
وبوجه عام، فإن المواجهات بين الطرفين التي استمرت نحو عام منذ فبراير 2022، خلفت أوضاعاً أمنياً مضطربة شرق البلاد، بما يجعلها فرصة مناسبة لعناصر “داعش” للتوغل باتجاه مناطق النفوذ غير التقليدية، ومحاولة استغلال الفراغ الأمني في المناطق الشرقية؛ إذ أشارت تقارير إعلامية إلى أن الهجوم الإرهابي على قرية تابعة لمنطقة “لوبيرو” جاء عقب سحب وحدة عسكرية للجيش الكونغولي من تلك المنطقة.
وتُصنَّف المنطقة الشرقية في الكونغو من أخطر المناطق على مستوى العالم، في ضوء انتشار مجموعات مسلحة على أسس قبلية أو مجتمعية، وفقاً لتقرير للمكتب المشترك للأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام 2021، ومن ثم فإن منطقة “لوبيرو” ليست بمعزل عن حالات العنف والاضطرابات الأمنية، رغم عدم تسجيل عمليات إرهابية لفرع “داعش”، إلا أنها لا تخلو من أعمال العنف.
4- زيادة ضغوط التنظيم على الحكومة في ملف النازحين: من شأن محاولات توسيع فرع “داعش” النشاط العملياتي باتجاه مناطق جديدة، وإن كانت في محيط إقليم شمال كيفو، زيادة الضغوط من قِبَل “ولاية وسط أفريقيا” على الحكومة في الكونغو، على مستوى ملف النزوح الداخلي؛ إذ يهدف التنظيم من استهداف المدنيين بشكل رئيسي إلى زيادة معدلات النزوح الداخلي، خاصةً مع التركيز على استهداف المسيحيين، ومن ثم قد يلجأ بعض قاطني المنطقة الجديدة – إذا استمرت العمليات في تلك المنطقة خلال الأشهر المقبلة – إلى نزوح داخلي باتجاه مناطق أكثر آمناً.
ولكن منطقة “لوبيرو” تواجه مأزقاً بالأساس، في ظل استقبالها آلاف النازحين من “إقليم روتشورو” الذي شهد مواجهات عنيفة بين الجيش الكونغولي وحركة “إم 23″، وفقاً للمتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الذي أكد أن الاحتياجات تفوق القدرات الحالية لمواجهة الأوضاع المعيشية والصحية الصعبة، لتوفير احتياجات نحو 50 ألف نازح. وهنا فإن منطقة “لوبيرو” تواجه تداعيات تتعلق بالمواجهات بين الجيش والحركة الانفصالية، ومن شأن زيادة معدلات عمليات “داعش” أن يفاقم من الوضع الحرج.
وأخيراً، على الرغم من تأثير عملية “ولاية وسط أفريقيا” لاستهداف مدنيين في منطقة “لوبيرو”، على مستوى المجتمع المحلي؛ نظراً إلى مقتل أكثر من 10 أشخاص في هذا الهجوم، فإنها لا تمثل تهديداً أمنياً متفاقماً خلال الفترة الحالية، أو على المدى الزمني القريب، ولكن تصاعد التهديد يرتبط بقدرة فرع “داعش” على توسيع النشاط العملياتي ميدانياً إلى خارج مناطق نفوذه التقليدية، في ظل مواجهة عمليات عسكرية من قبل الجيش الكونغولي ودعم من قوات أوغندا بمنطقتي “بيني وإيتوري”، وربما يرتبط تفاقم التهديد بحدود قدرة الجيش الكونغولي على احتواء الوضع الأمني في شرق البلاد سريعاً، والحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة “إم 23” الانفصالية، بما يتيح إعادة التركيز على مواجهة فرع “داعش”، قبل توسع نفوذه إلى مناطق أخرى.