- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
تنامي العلاقات بين مصر وروسيا.. تحالف استراتيجي أم زواج مصلحة؟
تنامي العلاقات بين مصر وروسيا.. تحالف استراتيجي أم زواج مصلحة؟
- 29 سبتمبر 2021, 7:32:07 ص
- 801
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أجرى وزير الدفاع المصري "محمد زكي"، في 22 أغسطس/آب، زيارة إلى روسيا برفقة وفد عسكري رفيع المستوى. وحضر "زكي" الاجتماع السابع للجنة العسكرية المشتركة المصرية الروسية والتقى عددا من المسؤولين الروس. وتؤكد هذه الزيارة العلاقة المتنامية بين روسيا ومصر، لا سيما منذ انقلاب 2013 الذي أطاح بالرئيس الراحل "محمد مرسي".
ومنذ وصوله إلى السلطة عام 2014، استثمر الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" بكثافة في علاقاته مع نظيره الروسي "فلاديمير بوتين". وينظر "السيسي" إلى "بوتين" كحليف رئيسي، ويعتبر العلاقات بين موسكو والقاهرة حجر زاوية في السياسة الخارجية لمصر. لكن العلاقات المتنامية بين مصر وروسيا تثير عددا من التساؤلات، بما في ذلك: إلى أي مدى تمثل تحولا في موقف القاهرة تجاه القوى العالمية؟ وما هو تأثير هذه العلاقات على شراكة مصر طويلة الأمد مع الولايات المتحدة؟
المصالح المتبادلة
يبدو أن "السيسي" حريص على بناء شراكة قوية مع موسكو لأسباب مختلفة، من بينها موازنة العلاقات الخارجية لمصر والاستفادة من النفوذ الروسي المتزايد في الشرق الأوسط. ومن الواضح أن "السيسي" معجب أيضًا بـ"بوتين" كحاكم.
وبالنسبة لـ"السيسي"، فإن الاستثمار في العلاقة مع موسكو يساعد مصر على تحقيق التوازن في علاقاتها الخارجية مع اللاعبين العالميين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التي انتقدت سجل مصر الشنيع في حقوق الإنسان. وكونه استبداديًا، لا يهتم "بوتين" بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية في مصر.
وقد ساعد النفوذ الروسي المتنامي في المنطقة (من إيران وسوريا إلى تركيا وليبيا والجزائر ودول الخليج) على جعل موسكو لاعبا حيويا في المنطقة. وتساعد علاقات مصر القوية مع روسيا في موازنة النفوذ المتزايد للاعبين الإقليميين الآخرين، لا سيما تركيا وإيران. في المقابل، تعتمد موسكو على القاهرة لترسيخ نفوذها كقوة عظمى في المنطقة. وبصفتها أكبر دولة عربية، يمكن لمصر أن تلعب دورًا رئيسيًا في مناطق الصراع مثل ليبيا وسوريا.
ويشترك "السيسي" و"بوتين" في وجهات نظر عالمية متشابهة سواء فيما يتعلق بالتعامل مع المعارضة الداخلية - التي لا يقبلها كلاهما أو يتسامح معها - أو القضايا الإقليمية في سوريا وليبيا وكذلك الإسلام السياسي. وكلا الزعيمين يحتقران المبادئ الأساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان ويفضلان قمع المعارضين السياسيين بغض النظر عن العواقب. كما أنهما يرفضان بشدة أي نقد خارجي أو ضغط من أجل احترام حقوق الإنسان.
وتجعل هذه السمات الشخصية "السيسي" و"بوتين" نموذجا مثاليا في عصر تآكل الديمقراطية وتنامي "نموذج الرجل القوي" في جميع أنحاء العالم.
شراكة متنامية
كدليل على تعميق العلاقات بين مصر وروسيا، وقع "السيسي" و"بوتين" في أكتوبر/تشرين الأول 2018 اتفاقية شراكة شاملة خلال الزيارة الرابعة للأول إلى موسكو. وتغطي الاتفاقية الجوانب العسكرية والأمنية والتجارية والتعاون الاقتصادي.
وفي ديسمبر/كانون الثاني 2020، صادق البرلمان المصري على اتفاقية شاملة أخرى بين مصر وروسيا. وتضمنت الاتفاقية بنوداً حول مكافحة الإرهاب والتعاون في المجالات العسكرية والاقتصادية والتجارية والعلمية والتقنية والسياحة والشباب. الأهم من ذلك، أن الاتفاقية سارية لمدة 10 سنوات وسيتم "تمديدها تلقائيًا لمدة 5 سنوات لاحقة، إذا لم يقم أي من الطرفين بإخطار الآخر كتابيًا من خلال القنوات الدبلوماسية بنيته إنهاء الاتفاقية في موعد لا يتجاوز 6 أشهر قبل موعد انتهاء الاتفاقية".
يشار إلى أن التبادلات الاقتصادية والتجارية بين مصر وروسيا توسعت بشكل كبير. وبحسب السفير الروسي في القاهرة "جورجي بوريسينكو"، بلغ حجم التجارة الثنائية بين القاهرة وموسكو 6.2 مليار دولار في عام 2019، منها 5.7 مليار دولار صادرات روسية إلى مصر، مما يجعلها أكبر شريك تجاري لروسيا في الشرق الأوسط وأفريقيا ويضع روسيا باعتبارها ثالث أهم شريك لمصر بعد الاتحاد الأوروبي والصين.
وأشار "بوريسينكو" إلى أن كبرى الشركات الروسية، من بينها "روسنفت" و "لوك أويل" و "لادا"، تعمل في السوق المصري باستثمارات تتجاوز 7.4 مليار دولار.
علاوة على ذلك، وقّعت روسيا ومصر اتفاقية لإنشاء منطقة صناعية روسية في شرق بورسعيد ستساهم في زيادة من عدد الشركات والاستثمارات الروسية. ووفقًا لـ"بوريسينكو"، تخطط روسيا لاستثمار أكثر من 7 مليارات دولار لإنشاء المنطقة الصناعية، ومن شأن ذلك أن يخلق حوالي 35 ألف فرصة عمل للمصريين. وتعد روسيا أيضًا أكبر مصدر للحبوب إلى مصر، حيث توفر غالبية طلب مصر، وتمثل المنتجات الزراعية ما يقرب من 80% من صادرات مصر إلى روسيا، مما يجعل الأخيرة من أكبر مستوردي الخضار والفواكه المصرية.
الأهم من ذلك، تعد مصر واحدة من الوجهات المفضلة للسياح الروس. وحتى عام 2014، سيطرت روسيا على سوق السياحة في مصر حيث تجاوز عدد السياح الروس 3.1 مليون في ذلك العام، وهو ما يمثل نحو 33% من العدد الإجمالي للسياح. وفي 9 أغسطس/آب 2021، استأنفت روسيا رحلاتها إلى منتجعات البحر الأحمر، منهية حظرًا استمر حوالي 6 سنوات بعد تفجير طائرة ركاب روسية عقب إقلاعها من منتجع شرم الشيخ، مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 224 شخصًا.
تعزيز التعاون العسكري
أصبحت مصر أيضًا أحد أهم مستوردي الأسلحة في الشرق الأوسط. ووفقًا لتقرير 2021 الصادر عن "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، زادت واردات مصر من الأسلحة بنسبة 136% بين أعوام 2011-2015 و2016-2020. وتشير البيانات في عام 2020 إلى أن مصر كانت ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم في الفترة 2015-2019. وشكّلت وارداتها من الأسلحة 5.8% من الإجمالي العالمي وكانت أعلى بنسبة 212% مما كانت عليه في 2010-2014.
ومن أجل تحديث وتنويع ترسانتها من الأسلحة، وسعت مصر علاقتها العسكرية مع مختلف الشركاء على مدى السنوات الثماني الماضية. قد وقّعت عدة صفقات أسلحة مع روسيا وفرنسا. ووفقًا لمسؤول مصري، أنفقت مصر حوالي 15 مليار دولار بين عامي 2014 و2017 على مشتريات الأسلحة، وشكلت حصة روسيا منها 60%.
في الواقع، يعد التعاون العسكري عنصرًا أساسيًا في العلاقات المتنامية بين مصر وروسيا. ووقعت مصر منذ عام 2014، عدة صفقات عسكرية لشراء أسلحة روسية بما في ذلك طائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر هجومية وأنظمة دفاع جوي وفرقاطات. والأهم من ذلك، أن روسيا ستبني أول محطة للطاقة النووية في مصر، والتي تقدر تكلفتها بنحو 25 مليار دولار.
وبحسب رئيس مجلس إدارة هيئة المحطات النووية المصرية، "أمجد الوكيل"، فإن موسكو ستمول 85% من المشروع "من خلال قرض روسي ستبدأ مصر سداده في أكتوبر/تشرين الأول 2029 من خلال أقساط نصف سنوية على مدى 22 عامًا بسعر فائدة 3%. وستغطي الحكومة المصرية باقي التكاليف سواء من الخزانة العامة أو من خلال البنوك المحلية.
وتوصل كلا البلدين إلى 5 اتفاقيات حول التعاون العسكري التقني بتكلفة 3.5 مليار دولار ويشمل ذلك تسليم 46 مقاتلة من طراز "ميج29" و 46 مروحية من طراز "كا 52 إليجاتور". بالإضافة إلى ذلك، فازت روسيا في مايو/أيار 2017، بمناقصة لتزويد مصر بطائرة هليكوبتر من طراز "كا52" للاستطلاع والقتال على متن حاملة طائرات الهليكوبتر "ميسترال"، والتي حصلت عليها مصر من فرنسا في عام 2015. وأجرت مصر وروسيا عدة مناورات عسكرية مشتركة منذ عام 2016 عززت العلاقات العسكرية بين البلدين.
التداعيات على العلاقات الأمريكية المصرية
يجب قراءة التعاون المتنامي بين مصر وروسيا في السياق الأوسع للعلاقات الأمريكية المصرية.
كانت مصر شريكًا إقليميًا رئيسيًا للولايات المتحدة على مدى العقود الخمسة الماضية وقد طور البلدان علاقة خاصة حتى أصبحت مصر واحدة من أكبر المتلقين للمساعدات الخارجية الأمريكية في العالم، بإجمالي حوالي 1.4 مليار دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية.
ومع ذلك، منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011 في مصر، عانت العلاقات الثنائية بين القاهرة وواشنطن من نكسات عديدة، لا سيما بعد انقلاب 2013 وعودة ظهور الاستبداد في مصر. وبين عامي 2013 و2015، علقت إدارة "أوباما" جزءًا من المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية للبلاد كرد فعل على العنف الوحشي للحكومة المصرية ضد الاحتجاجات في عام 2013. ورد "السيسي" بزيارة روسيا عدة مرات بين عامي 2014 و 2018 وتعزيز علاقات القاهرة مع موسكو.
وحتى بعد استئناف إدارة "أوباما" للمساعدات العسكرية في مارس/آذار 2015، وقّع "السيسي" عدة اتفاقيات عسكرية مع روسيا. كما وسع الشراكة الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية مع روسيا، الأمر الذي جعله على خلاف مع الولايات المتحدة.
على هذه الخلفية، فإن العلاقات المتنامية لمصر مع روسيا، العدو الرئيسي للولايات المتحدة، قد وضعتها في موقف غير مريح مع إدارة "بايدن". وعلى ما يبدو، يلعب "السيسي" أوراقه مع الولايات المتحدة ويحاول استغلال علاقاته مع موسكو لجذب انتباه واشنطن.
ويبدو أن روسيا على دراية باستراتيجية "السيسي" وهي بدورها تستخدمها لأغراضها الخاصة. ومع ذلك، فهذه لعبة محفوفة بالمخاطر ويمكن أن تأتي بنتائج عكسية وتهدد علاقات مصر مع أحد شركائها الرئيسيين. في الواقع، كانت القاهرة في عام 2019 على وشك التعرض للعقوبات الأمريكية بسبب تحركها للحصول على طائرات "سوخوي 35" روسية الصنع. ومن المفارقات أن ذلك كان خلال إدارة "ترامب" الذي كان ينظر إلى "السيسي" باعتباره "الديكتاتور المفضل".
يعتمد السؤال عن المدى الذي يمكن أن تذهب إليه مصر في علاقتها مع روسيا على مدى قبول واشنطن وتسامحها مع هذا السلوك. وقد تكون خطة مصر لمحاولة التحوط من الضغط الأمريكي محفوفة بالمخاطر وضارة. لكن في الوقت الحالي، تبدو القاهرة مرتاحة في اتباع هذا المسار، على أمل أن يخدم مصالحها على المدى الطويل.
المصدر | خليل العناني/ المركز العربي واشنطن دي سي