- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
ثمار بعيدة ومهدَّدة.. ما الذي يهدد صفقات الطاقة المتجددة بين الخليج والعراق؟
ثمار بعيدة ومهدَّدة.. ما الذي يهدد صفقات الطاقة المتجددة بين الخليج والعراق؟
- 15 نوفمبر 2021, 8:25:33 ص
- 9483
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في منتدى الطاقة العراقي في بغداد في سبتمبر/أيلول 2019، لم تحضر فقط شركات النفط التقليدية ومسؤولو الوزارات، وإنما كان من الملحوظ حضور أرفع ممثلين عن الشركة السعودية "أكوا باور" والشركة الإماراتية "أميا باور"، وكلاهما مطوّر للطاقة المتجددة، وعلى الرغم من أن كليهما شركة خاصة، إلا إن حضورهم كان إشارة على نهج الخليج الجديد.
فقد أدركت الدولتان الخليجيتان أن عدم الانخراط مع العراق سياسيًا واقتصاديًا، أكسب أفضلية لمنافسيهم الإقليميين إيران وتركيا، حيث تزود إيران العراق بالغاز الحيوي والكهرباء، في حين أن تركيا لديها نفوذ قوي في إقليم كردستان ذي الحكم الذاتي باعتباره قناة لصادرات النفط وصادرات الغاز المستقبلية المحتملة.
أما الولايات المتحدة من جانبها فقد شجعت على انخراط الآخرين في إطار تطلعها إلى تقديم بدائل للعراق عن إمدادات الطاقة الإيرانية على أمل الحد من نفوذ طهران، وهي السياسة التي تتواءم مع الطموحات الجديدة لدول الخليج تجاه العراق.
وقام رئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي" بزيارات مثمرة إلى الرياض وأبوظبي في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2021، ورد الزيارة حاكم دبي "محمد بن راشد آل مكتوم" ووزير الطاقة الإماراتي "سهيل محمد فرج المزروعي"، في أغسطس/آب.
كما عقد رئيس الوزراء اجتماعًا افتراضيًا في وقت سابق في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 مع ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" لمناقشة الاستثمارات المحتملة.
أزمة الكهرباء العراقية
ما زال العراق يحرق نصف الغاز الذي ينتجه، فيما يعد إسرافًا وإضرارًا بالبيئة، ومع وصول ذروة الطلب اليومية على الكهرباء في المنطقة الفيدرالية (غير الكردستانية) إلى حوالي 28 جيجاوات، فإن قدرة البلاد البالغة 30.3 جيجاوات كما تم تصميمها في الأصل، تنتج 19 جيجاوات فقط في أحسن أحوالها، ويختفي 40% منها في الشبكة البالية.
يستورد العراق نحو 1.4 جيجاوات من إيران، بالإضافة إلى ما يكفي من الغاز لتوليد 5.5 جيجاوات، ولكن هذه الواردات توقفت مرارا بسبب تعقيدات الدفع بعد العقوبات الأمريكية وكذلك النقص المحلي داخل إيران، وهذه المشاكل تؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي يوميا بشكل طويل، خصوصا في فصل الصيف، وتعوضه مولدات الديزل الصاخبة القذرة والمكلفة.
لا تتعلق مشاكل العراق فقط بقدرة التوليد بحد ذاتها، وإنما ترتبط بالخسائر في شبكة التوزيع ونقص الوقود والصيانة الكافية لمحطات توليد الطاقة، وهذه بدورها تنبع من نقص التمويل بسبب رسوم الكهرباء المدعمة وانخفاض معدلات تحصيل الفواتير.
لكن من المحتمل أن يجد العراق ملاذًا جزئيًا في الطاقة الشمسية وترابط المشاريع مع الدول الأخرى إذا كان بأسعار تنافسية، فالعراق يتلقى أشعة شمس قوية وخاصة في الغرب، كما إن مزارع الطاقة الشمسية يمكن أن تتواجد بالقرب من أماكن الطلب، مما يساعد على تجنب اختناقات الشبكة، على الرغم من أن نظام النقل والتوزيع يجب أن تتم ترقيته للتعامل مع الانتاج المتغير.
مشاريع خليجية طموحة
حدد العراق أهدافا عديدة بشأن دمج الطاقة المتجددة على مر السنين، لكنه لم يحقق إلا تقدمًا طفيفًا جدا، واعتبارا من عام 2020، وصلت سعة توليد البلاد للطاقة الشمسية 216 ميجاوات.
وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن وزير النفط العراقي "إحسان عبد الجبار إسماعيل" عن أحدث هدف للعراق، متمثلًا في خطة لإنتاج 33% من "الطاقة النظيفة" بحلول عام 2030، حيث سيأتي 12 جيجاوات منها من الطاقة الشمسية.
وفي 2019، وقعت وزارة الطاقة السعودية والشركة السعودية للكهرباء مذكرات تفاهم مع وزارة الكهرباء العراقية على الترابط الكهربائي ومشاريع الطاقة المتجددة.
أما في يونيو/حزيران 2019، فقد عرضت شركة "أكوا" بناء منشأة طاقة شمسية في العراق بطاقة جيجاوات، بالإضافة إلى منشأة بطاقة جيجاوات في السعودية لتوريد الكهرباء إلى العراق.
ويملك صندوق الاستثمارات العامة السعودي حوالي 44% من شركة "أكوا" (التي اختتمت طرحًا عامًا أوليًا في بورصة تداول في أكتوبر/تشرين الأول)، مما يعطي القيادة السعودية نفوذًا قويًا.
لكن هذه المشاريع لم تتقدم بعد أن ضغطت الاحتجاجات على الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء "عادل عبدالمهدي" للتنحي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وتم تأخير خطة للاتصال بالشبكة الكهربائية الخليجية خلال الكويت حتى منتصف 2022.
وتتوقع وزارة الطاقة الأردنية أن مشروع الارتباط الأردني العراقي الذي يهدف إلى تزويد العراق ب 150 ميجاوات من الكهرباء (والقابل للتوسع حتى سعة جيجاوات) سيبدأ العمليات في نهاية عام 2022، وهناك تصور بتدفق الكهرباء المصرية من خلاله أيضًا.
شهية للطاقة الشمسية
قبل الانتخابات العراقية في 10 أكتوبر/تشرين الأول، وقعت حكومة "الكاظمي" على عدد من الاتفاقيات التي تهدف إلى زيادة وصول العراق إلى الكهرباء، على أمل من رئيس الوزراء ربما في تدعيم حظوظه في توليه للمنصب ثانية، في حال رأته دول الخليج المجاورة كشخص يمكنهم التعامل معه.
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول، أبرمت شركة "مصدر" الإماراتية المطورة للطاقة المتجددة اتفاقا لبناء 5 مشاريع للطاقة الشمسية في العراق حيث تبلغ الطاقة الإجمالية جيجاوات من توليد الطاقة الشمسية في العراق، وحضر كل من "المزروعي" و"الكاظمي" التوقيع.
تنقسم المشاريع بين 450 ميجاوات في محافظة ذي قار، و100 ميجاوات و250 ميجاوات في الرمادي، و100 ميجاوات في عمارة، و100 ميجاوات في الموصل، وعلى الرغم من توجه التركيز نحو الجنوب، إلا أن المصانع ستنتشر في جميع أنحاء العراق، بما في ذلك محافظتي الأنبار ونينوى ذات الأغلبية السنية.
وعلاوة على ذلك، قال وزير الكهرباء في العراق "عادل كريم" في 24 أكتوبر/تشرين الأول أن عقدًا سيُوقّع قريبا مع "أكوا" لأجل مشروع طاقة شمسية بسعة جيجاوات في محافظة النجف.
وتتفاوض شركة "دلتا أويل" (وهي شركة سعودية خاصة أسستها عائلة "العيبان" السعودية النافذة) من أجل تطوير حقل غاز عكاس في أقصى غرب العراق بالشراكة مع شركة الخدمات النفطية الأمريكية العملاقة "شلمبرجير" والشركة الكندية "جران تيرا" في 1 نوفمبر/تشرين الثاني.
وتحدث "إسماعيل" في 1 نوفمبر/تشرين الثاني عن مشاريع سعودية عراقية مشتركة بقيمة "عشرات المليارات" من الدولارات والتي سيتم توقيعها مع الحكومة المنتهية ولايتها، بما في ذلك مشاريع البتروكيماويات وتحلية المياه والطاقة الشمسية.
ولكن، لا ينبغي النظر إلى هذه الصفقات فقط من منظور السياسة الإقليمية، فقد أبرم العراق أيضا العديد من الصفقات مع شركات خارج منطقة الخليج لاستخراج الغاز والطاقة المتجددة، لا سيما مع شركة "توتال" الفرنسية العملاقة في سبتمبر/أيلول من أجل مشروع للطاقة الشمسية بطاقة جيجاوات ومنشآت قبض على غاز تحقق ما يصل إلى 600 مليون قدم مكعب يوميا لإنتاج 3 جيجاوات من الكهرباء. وفي أغسطس/آب، أعلنت شركة "باور تشاينا" عن مشروع للطاقة الشمسية بقدرة 750 ميجاوات مع خطط لتوسيع نطاقه إلى 2 جيجاوات.
الأمر لا يخلو من مخاطرة
كما يجري حاليًا تقييم أول مناقصة للطاقة الشمسية في البلاد، وهي تغطي 755 ميجاوات عبر 7 مواقع في وسط وجنوب العراق، ومنح أكبر موقعين منهم إلى ائتلاف تقوده شركة الطاقة المتجددة النرويجية "سكاتك" مع شركاء مصريين وعراقيين في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
حصلت مشاريع الطاقة الشمسية الخليجية (بما في ذلك مشاريع أكوا ومصدر) على اتفاقيات شراء للطاقة بأسعار منخفضة بشكل قياسي عالميًا حيث بلغت حوالي 1 سنت إلى 1.5 سنتات لكل كيلووات في الساعة، فيما بلغ سعر المناقصة لمصنع "سكاتك" حوالي 3.6 سنتات لكل كيلووات في الساعة، مما يعكس المخاطر العالية التي تواجهها هذه المشاريع مقارنة بالخليج.
تُفسّر هذه المخاطر المتباينة بتاريخ الخليج الأكثر رسوخًا فيما يتعلق باتفاقيات شراء الطاقة بالإضافة إلى تصنيفاته الائتمانية الأقوى والمخاطر الأمنية لديه الأقل مقارنة بالعراق.
وكانت مشاريع "أكوا" الأصلية قد اقتُرحت بـ6.6 سنتات لكل كيلووات في الساعة للمشروع الذي يتخذ من العراق مقرًا له، بينما كان السعر 1.65 سنتا إلى 2.5 سنتا للمشروع الذي يتخذ من السعودية مقرًا له.
ولكن هذا لا يزال جذابا للغاية لبغداد إذا قارنت هذه التكلفة بتكلفة الوقود المطلوب لتوليد الطاقة، والتي تبلغ 15 سنت لكل كيلواط، كما إن السعر الأرخص الذي تحققه من "سكاتك" يساعد على سد الفجوة في عرض "أكوا" السابق الأكثر تكلفة. ومع ذلك، فإن المطورين على استعداد لتحمل المخاطر العالية في العراق في سبيل هوامش ربح أفضل.
ثمار بعيدة ومهدَّدة
لكن تعرض هذه الخطط الطويلة للتعليق، يؤخر كثيرًا من ثمار مشاريع تنمية الطاقة الشمسية والترابط وتطوير الغاز. ربما تبدو الحكومة العراقية أكثر جدية حول الطاقة الشمسية هذه المرة وقد وقعت بعض الصفقات المثيرة للإعجاب، لكن على عملية المناورات المطولة بعد الانتخابات أن تكتمل قبل أن تستعد الحكومة الجديدة للتقدم أو تعيد التفكير في استراتيجية الطاقة الخاصة بها.
تعرضت الجماعات السياسية المقربة من إيران (والتي سبق أن أعربت عن عدائها للمشاريع مع دول الخليج) لإخفاق في انتخابات العراق الأخيرة، لكن كتلة رئيس الوزراء السابق "نوري المالكي" الذي وصف في عام 2020 استثمارات السعودية بأنها "استعمار" و "تهديد"، حققت أداء جيدًا.
يمكن فهم المبرر الاقتصادي والبيئي لهذه المشاريع بوضوح، حيث إن المشاريع الشمسية على الأقل لا تمثل نفس التهديدات التي يطرحها استيراد الغاز والكهرباء، مثل حدوث انقطاع مفاجئ إذا تدهورت العلاقات الخارجية، أو التأخر عن المدفوعات، أو أن يتعرض المورّد لعجز داخلي في موارد الطاقة.
ولكن كما هو الحال دائما، تستمر مشاكل السياسة الداخلية العراقية وتشابكها مع السياسة الدولية، إلى جانب مشكلات البيروقراطية والفساد والمصالح والضعف المالي. وهكذا رغم أن دول الخليج تبذل جهدا جادا، إلا إن ثمار مناقشات 2019 قد تستغرق وقتا طويلا قبل الظهور.
المصدر | معهد دول الخليج العربي واشنطن - روبين ميلز