- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
جلال نشوان يكتب: الشتاء العربي
جلال نشوان يكتب: الشتاء العربي
- 25 يناير 2022, 10:46:24 م
- 532
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حين اندلعت ثورات الربيع العربي في( نهاية عام 2010 وبداية عام 2011) , بدأ واضحاً إن هناك رغبة شعبية عارمة في التخلص من استبداد الأنظمة ، التي جثمت طويلاً على صدور الشعوب العربية، مصحوبة بأحلام وأمنيات في إرساء دعائم نظم ديمقراطية تحترم رغبات الشعوب
وفي الحقيقة :
أن الأعاصير التي هبت على العالم العربي ، اعترضتها قوى هائلة مناهضة للتغيير ، الأمر الذي عرقل مسيرة التغيير ، وجعلتها تسير في تيه ، حتى اختلط الحابل بالنابل ،وتحول الربيع العربي إلى شتاء عربي قاسي حرف كل الأمور
لقد انطلقت ثورات (الربيع العربي ) وشهدت المنطقة انهياراً سريعاً لأنظمة بدا أن الخلاص منها مستحيلا، لكن تحولت الأحلام في بعض الدول إلى كوابيس ولم يمنع ذلك حدوث موجة احتجاجات ثانية. وهنا يداهمنا السؤال الأكثر إلحاحاً ماذا تبقى من الربيع العربي؟
انطلقت ثورات شعبية لم يتوقع أحد حدوثها في العالم العربي، وأثارت أحلاما وأمنيات بالحرية، قبل أن تتدحرج كرة الثلج هذه في معظم الدول التي انتقلت إليها وتحطمّت آمالاً كثيرة. لكن هذا الحدث التاريخي غيّر وجه المنطقة برمّتها.
إن عود الثقاب الذي أشعله البائع المتجول محمّد البوعزيزي بجسده بعد صبّ الوقود على نفسه في ولاية سيدي بوزيد في تونس احتجاجاً على احتجاز السلطات المحلية بضاعته في 17 كانون الأول/ديسمبر 2010، كان الشرارة الأولى التي أشعلت الحرائق ، حيث أطاحت الانتفاضات الشعبية بدكتاتوريات متجذرة حكمت لعقود بقبضة من حديد. وحرّكت الحناجر التي كانت تصدح بهتاف مشترك( الشعب يريد إسقاط النظام) مشاعر الملايين في كل أنحاء العالم. واختصرت رغبة جيل كامل كان يجهل حتى الآن قدراته، بالحرية والتحرّر من الخوف. وُلد نموذج جديد للشرق الأوسط مستنداً إلى إدراك جماعي بأن الطغاة يجب إن يرحلوا ، وأن التغيير يمكن أن يحدث من الداخل
لقد شهد الشرق الأوسط انهياراً سريعاً لأنظمة بدا أن الخلاص منها كان مستحيلا. وأطلق على هذا الزلزال السياسي والجغرافي الذي هزّ المنطقة بدءاً من 2011 اسم (الربيع العربي) وقد أدى إلى نتائج مازال العالم العربي يعيش البؤس والفقر والانقسام . وأن الإحتجاجات الشعبية الحاشدة في الدول العربية تمخض عنها ردود فعل قمعية من أنظمة دكتاتورية،سفكت الدماء وعاثت في الأرض فساداً
ثمار الربيع العربي لم تزهر ، وتحولت الامنيات والإحلام إلى كوابيس وأعاصير شتوية أخذت في طريقها الاخضر واليابس ، فمن كان يتخيل أن تصبح دولة اليمن السعيد ، على هذا الحال المؤلم والقاسي ، وأن تتحول الاحتجاجات الشعبية السلمية إلى اندلاع الحروب والنزاعات.
الفشل المرعب للربيع العربي ، ألقى بظلال قاتمة و لم تملأ أي إصلاحات ديموقراطية الفراغ الذي خلّفه سقوط الأنظمة، وعلا صوت السلاح الذي مازال سيد المشهد
ومع ذلك، فإن وهج الثورة لم يمت بعد، وهو ما تجلّى في اندلاع موجة الانتفاضات الشعبية ، كما الحال في السودان
فمازالت الجماهير ، ترفض عسكرة الثورة السودانية ، وتطمح إلى حكم مدني .
وغني عن التعريف أن الجماهير السودانية ، تدرك جيداً أن شيخ المطبعين ( البرهان ) يجب أن يرحل
ورغم فشل الاحتجاجات الشعبية ، الا إنها وضحت حقيقة ناصعة البياض وهي أن الناس يمكن أن يثوروا ضد الطغاة، وأن هناك ما يكفي من الشجاعة لدى الناس الذين يقفون ويعملون معاً لمواجهة جيوش بأكملها
إن ما يعرف بالربيع العربي ، كان وهماً كبيراً ، وأن ما جرى بالمنطقة العربية -من المحيط إلى الخليج- ما هو إلا سراب كسراب الصحراء الكبرى وإن سقوط بعض الأنظمة العربية عام2011م خلف وراءه الفوضى والخراب والدمار وخيبات الأمل، ويكفي الفرد التأمل في بعض النماذج العربية التي تعرضت للربيع ليكتشف ذلك، وكيف أصبح حالها اليوم، لليبيا الشقيقة ، حتى يومنا هذا ، لم تشرق الشمس عليها بل يسودها الفوضى والخراب، بسبب العامل الإقليمي والدولي الذي بات حاضراً وما يحدث أيضا في سوريا وبعض المجتمعات العربية ، حيث غدت مجتمعاتها تؤمن بثقافة حمل السلاح وتفخيخ السيارات، بل فرخت الكثير من المليشيات وأصبحت موطناً للقوى الهاربة من أوطانها بعد أن تم غسل أدمغتها.
الربيع العربي ليس كما صوره بعض الناس ، بداياته بلون الورد والزهور، بل أصبح بغبار الصواريخ والقاذفات ، وغبار الدبابات
لقد حاول بعض قراء المشهد فهم مرحلة الربيع العربي ومعرفة أسباب التدافع خلفها، وقد راهنت الكثير من القوى السياسية على نجاح الثورات وتحقيق أهدافها، واعتبرت نفسها العقل المدبر للربيع العربي، ولكن هي اليوم تعاني حالة عدم التوازن، وما تعانيه بعض الدول اليوم بعد تغير أنظمتها أنها وقعت أسيرة أنظمة استبدادية أخرى أكثر بشاعة، حتى أصيبت بحالة من الإحباط واليأس، لذا تبحث لها عن حبل النجاة لعودة الأمن والاستقرار
المؤسف أن المنطقة اليوم تعيش حالة من عدم الأستقرار بعد أن اختفى الخطاب الحكيم والمنطقي ، حيث تم استبداله بخطاب متطرف ومتشدد ليمزق ماتبقى من النسيج الاجتماعي في ظل غياب الأنظمة السياسية، وتم تحويل المنطقة إلى الطائفية والمذهبية تساهم في حالة الاحتراب، حتى أولئك المستقلين الذين لا ينتمون إلى أي حزب سياسي أصبح من الصعب ايجادهم وإجراء حوار معهم
زلزال الربيع العربي كشف اللثام عن تقاعس المثقفين الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء التفكير والمبادرة بطرح أفكارهم وبدلاً من إن يتصدوا لهذا الاعصار إرتاوا أن يتنحوا جانباً وكان ما يحدث لا يعنيهم
لقد فشلت ثورات الربيع العربي وللأسف آثارها السيئة تتضح يوماً بعد على الشعوب العربية ، لذا يجب مخاطبة الناس بهذه القناعة، وأن الربيع ما هو إلا تدمير، وهي حقيقة يشهد لها العدو قبل الصديق ، وأن الولايات المتحدة الأمريكية التي وضعت نصب أعينها أن تلك الأنظمة التقليدية لم تعد تحقق الأهداف الأمريكية في المنطقة ، وأن التغيير يجب أن يسير قدماً ، وأن الفوضى الخلاقة هي الإسلوب الناجع ، وهي تقسيم المقسم وتحزيئ المجزأ، ليتسني للأمريكيين والغرب نهب الشعوب والاستفراد بالقضية الفلسطينية وأفرادها من مضمونها ،
هكذا كانت المشاريع الأمريكية التصفوية ، وما صفقة القرن الا ترجمة لتلك المشاريع القذرة التي سعت إليها الولايات المتحدة الأمريكية ومنها التطبيع الذي تحول الى غرام سياسي واتفاقيات أمنية للقضاء كل صوت حر
حقاً :
لقد تحول الربيع العربي إلى شتاء عربي ، مليئ بالاعاصير المدمرة التي حطمت دول وغيرت معالمها لتتحول إلى دول تلتحق بجمهوريات الموز