جهاد عدلة يكتب: طيبونا وسردية المقاومة

profile
جهاد عدلة جهاد عدلة
  • clock 4 يناير 2024, 11:28:53 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

طوال سنين الثورة السورية كنت أتساءل عن طبيعة ذلك الإنسان السوري الطيب والمتدين، ولكنه يقتنع بسردية النظام السوري في المقاومة وأن الثورة السورية المجيدة مجرد مؤامرة عليه ينفذها مجموعة من المندسين نظير شطيرة فلافل أو بضع مئات من الليرات السورية.

صحيح لم يكن هذا الصنف كثيرا بين من أعرفهم، لكن على قلتهم، كان السؤال في داخلي وجيها وملحا.

كيف يقنعه خطاب النظام وإعلامه، أكثر مما تقنعه صور حية لطفل قتل تعذيبا مثل حمزة الخطيب، أو امرأة بقر بطنها وأخرج جنينها، ثم مزق إلى أشلاء تحت ضربات جنود "المقاومة"، أو للطفلة الحمصية "إيمان" التي لفظت أنفاسها أمام والديها تحت تعذيب جنود المقاومة وهي لم تتجاوز الستة أشهر، أو ذاك الشاب المؤمن الذي صورته كاميرا القاتل، يدفن حيا وهو يردد، بشكل متواصل، عبارة لا إله إلا الله ردا على ضابط "المقاومة" الذي يأمره بأن يستبدل بالله بشارَ الأسد. كيف لآلاف الصور المباشرة المشابهة أن تسقط أمام رواية النظام؟!

كان نظام أسد يعتمد في تمرير سرديته عن المقاومة، على ضخ إعلامي متواصل ومستمر عبر منافذه الإعلامية والمدرسية والجامعية، وكان هناك طبقة من المشايخ تؤدي دورا حيويا وحاسما في هذا السياق.

 

قد يكون هذا الضخ الهائل عبر طبقة  من الإعلاميين والمثقفين والمشايخ "مبررا" لمرور هذه الأكاذيب عبر العقول المسطحة، لكن كيف أجد تفسيرا اليوم لطبقة من المشايخ والساسة والمثقفين والشباب المتدين ممن لم ير حتى الآن حقيقة إيران ومحورها في المنطقة؟!

أين أجد السبب الذي لا يزال يعمي أبصار، وربما بصائر، هؤلاء الناس عن تهافت خطاب إيران المقاوم؟!

لا يزالون حتى الآن يعلقون أملا على محور إيران، ويعتنقون أسطورة وحدة الساحات، ويلثهون وراءك طلبا لنبذ الخلافات مع محور إيران في هذا التوقيت!

متى يقتنعون أن إيران تستعمل حماس، بل تستعمل شيعة العراق ولبنان أيضا، لمصلحة مشروعها الوظيفي في المنطقة؟! وهي تعلم أنه وظيفي، لكن لا بأس طالما يوفر لها حكم المنطقة، أو فرض رؤيتها لما ينبغي أن تكون عليه المنطقة سياسيا.

هل يقتنع قومنا بعد أن تزال غزة من الوجود، ويهجر أهلها أو أكثرهم إلى دول الإقليم المستعدة مقابل أثمان إقتصادية أو صفقات أسلحة ضرورية لاستكمال بناء الدولة القوية؟!

هل يوجد أوضح من المشروع الإيراني في المنطقة؟!

ألا يرون أن إيران تراوغ مثل الأفعى، وتحرك، ضمن إطار إستراتيجي رسمته هي، أذرعها حركة لا تميل كل الميل على الأمريكيين فتكسر حلقة التوازن المصلحي بين طهران وواشنطن، وتهدد مكاسب الأولى التي جنتها في عقود من أخطاء العرب الكارثية ورعونتهم؟!

هل يدرك هؤلاء "الطيبون" حجم الضرر الذي يمكن أن تلحقه إيران بمصالح أمريكا في المنطقة لو أرادت؟!

ألا يرون حجم الانكشاف الاستراتيجي الأمريكي أمام أذرع إيران من رأس الناقورة إلى باب المندب، ووقوع كل قواعد أمريكا البرية والبحرية في مرمى صواريخ محور المقاومة؟!

كيف نقنع إخواننا و"طيبونا" أنهم وقود لمشروع إيراني عميق وخطير وله امتدادات تاريخية؟!

وكيف نقنع قومنا أن قلق إيران ليس على غزة، وإنما على موقعها في الخريطة الجيوسياسية الجديدة التي ترسم للمنطقة، ويراد فيها إعادة توزيع الأدوار، بحيث يكون مفتاح اللعب بيد إسرائيل؟!

وكيف نقنع إخوتنا بأن صواريخ حزب الله اللبناني والمليشيات العراقية والحوثية هي لتوطئة قدم إيران في حسبة غزة المقبلة؟

في الحالة السورية شباب ورجال بسطاء سحر أعينهم مشايخ وإعلاميون، ولكن ما أو مَنْ يمارس السحر على عيون بعض جمهور حماس وعقولهم من النخب المتحمسة؟!

التدين الذي لا يعصم صاحبه من الوقوع في حفرة أمامه، أو الذي يرافقه في رحلة السقوط من حفرة إلى أختها، لا أرى أنه تدين حقيقي، إنما هو طقوس وعادات توورثت من الآباء، ولا تغني صاحبها من الاستخدام كمطية لمشاريع الآخرين الذين كثيرا ما يكونون أعداء ألداء بلبوس الأصدقاء.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)