- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
حازم حسني : علاقة الإخوان بسد النهضة
حازم حسني : علاقة الإخوان بسد النهضة
- 15 أبريل 2021, 8:15:21 م
- 899
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لمن يرمون الحق ولا يرمون غيره !
ليس من شيم الكبار أن يتهربوا من المسؤولية بإلقائها على آخرين … نعم، نعلم أن تنظيم "الإخوان" قد ارتكب – وما زال يرتكب – أخطاءً وخطايا كثيرة فى حق الوطن وفى حق مستقبله، كما هى أخطاء وخطايا فى حق الإسلام الذى ابتذله التنظيم بتطلعاته السياسية، بل وفى حق منتسبى التنظيم أنفسهم ممن ينقادون وراء وهم أنه تنظيم يعبر مؤسسياً عن جماعة "ربانية"؛ لكن هذا لا يعنى تحميل هذا التنظيم مسؤولية كل الشرور التى تعانى منها مصر، ولا تحميله مسؤولية المأزق الذى انتهت إليه مفاوضات سد النهضة؛ فلا يجوز – ونحن فى الأيام الأولى من شهر رمضان الكريم – أن نتجاهل المعانى النبيلة التى جاءت بالآية القرآنية الكريمة التى تقول: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"، وهى آية أهديها لكل من يستمرئ استدعاء المعانى الدينية فى التعامل مع كل قضايانا الدنيوية!
ما يداوم عليه الإعلام المصرى، وثلة من "المحللين" السياسيين و"الخبراء" الاستراتيجيين و"المسؤولين" التنفيذيين، من ترحيل مسؤولية فشل مفاوضات سد النهضة إلى تنظيم "الإخوان" أو إلى ثورة يناير، ومن تحميل هذا أو تلك بذنوب ما سيترتب على هذا الفشل من ضياع حقوق مصر فى إيرادات نهر النيل لسنوات طويلة قادمة، إنما هو أسلوب لا يستدعيه إلا الصغار فى تعاملهم مع ما يواجهونه من أزمات؛ فهو فى كل الأحوال مجرد مكايدة سياسية لن تنجح فى إخراجنا من الأزمة الوجودية التى أوصلتنا إليها الطريقة التى أدير بها ملف سد النهضة الإثيوبى، وتدار بها كل ملفاتنا الوجودية الأخرى!
بدلاً من إضاعة الوقت والجهد، وبدلاً من تشتيت التفكير باستمراء هذه الألعاب الصبيانية، فإن على مؤسسات الدولة أن تضطلع بمسؤولياتها فى البحث عن أسباب هذا الإخفاق، وعن كيفية علاج الخلل المستمر فى أسلوب تعاملنا مع كل ملفاتنا "الوجودية"، وهو ما لن يكون ممكناً إلا بشجاعة الكبار فى مواجهة الحقائق، وبعدم تمييع الأمور لإبعاد المسؤولية عن منظومة اتخاذ القرار كما هى قائمة الآن فى مصر.
لم يعلن الجانب الإثيوبى خلال إدارة المفاوضات تمسكه بأى وثيقة صدرت عن تنظيم "الإخوان"، ولا هو تمسك بأى تصريحات أو ممارسات صدرت عن الرئيس "الإخوانى" الدكتور محمد مرسى خلال فترة حكمه التى لم تستمر أكثر من عام، ولا هو ادعى الجانب الإثيوبى فى أى محفل تمسكه بما صاحب ثورة يناير من أفكار أو أقوال أو أفعال؛ وإنما يعلن الجانب الإثيوبى دوماً عن تمسكه فقط بإعلان المبادئ الذى وقعه الجانب المصرى فى مارس 2015، بعد أن أزيح تنظيم "الإخوان" عن حكم مصر بنحو عامين!
هناك إذن من يتحمل المسؤولية باعتباره كان "المؤتمن" على إدارة ملف هذه الأزمة، وهى ليست مسؤولية فقط عن توقيعه وثيقة إعلان المبادئ، وإنما هى مسؤوليته أيضاً عن تجاهل كل نواقيس التنبيه التى لم يبخل بها أصحاب الآراء وأصحاب الرؤى المخالفة الذين كانوا يرون ما لم يكن يراه هذا "المؤتمن"، كما هى مسؤوليته عن سخريته من هذه الرؤى وهذه الآراء، وتسفيهه إياها، وتنكيله بأصحابها، بدلاً من عرضها على المسؤولين فى أجهزة الدولة ممن يعلمون يقيناً عن بواطن الأمور أكثر مما يعرف "المؤتمن" نفسه الذى لا يعترف بصحة أى رؤية غير رؤيته، ويطالب الجميع بعدم الاستماع لأى كلمات أو آراء أو أفكار تصدر عن غيره!
مسؤولية هذا "المؤتمن" عما وصلت إليه الأمور لن تحجبها أعمال الحواة التى تلقى بالمسؤولية على معارضيه، أو على من هم فى خصومة سياسية معه، بدلاً من العمل بالآية الكريمة التى تقول: “فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ، وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"، وهى آية نستدعيها طالما كان “المؤتمن” حريصاً - من جانبه - على استدعاء مرجعياته الدينية، وتوجهاته "الربانية"، فى تبرير آرائه ورؤاه وأحلامه ووعوده وسياساته ومساراته وقراراته!
أيها السادة … الدولة المصرية فى خطر، ومصر نفسها صارت فى مواجهة هذا الخطر؛ فقد انتهت بنا الأمور لضرورات تتجاوز أى خلاف سياسى "عابر" إلى جوهر أزمة وجودية "مقيمة" لابد من تكاتف كل مؤسسات الدولة، وكل أطياف الشعب المصرى، لمواجهتها والإفلات من براثنها؛ ولن يكون هذا إن هى استمرت حالة الانقياد الأعمى وراء نفس السياسات، أو إن نحن أبقينا على نفس المسارات الخاطئة التى سرنا فيها طيلة السنوات الماضية حتى أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه الآليس أداءً للأمانة أن يتم ترحيل المسؤوليات بإلقائها على آخرين لم يعد لهم من الأمر شئ؛ فأمور الدول لا تدار بمثل هذه الممارسات، ولا بمثل هذا الإعلام الفج الذى يتناول أبعاد الأزمة بفنون التدليس السياسى والتاريخى، ولا بمثل هذا العجز عن مواجهة الواقع الذى صرنا إليه وآلت إليه أمورنا بعد سنوات من خداع النفس كل المسارات الأخرى، التى تقودنا فيها نفس الرؤى التى أوصلتنا إلى مأزق نهر النيل، سوف تنتهى بنا إلى نتائج مشابهة ولو بعد حين، ولابد لكل مؤسسات الدولة الفاعلة أن تراجع هذه المسارات الكارثية قبل أن تفلت كل الأمور من أيدينا، وقبل أن نجد أنفسنا عاجزين أمام واقع صنعناه بغفلتنا ونحن نحسب أننا نحسن بأنفسنا وبمستقبل الأجيال القادمة صنعاً! … اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد!