- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
حزب النهضة التونسي.. مستقبل غامض وأزمات وجودية
حزب النهضة التونسي.. مستقبل غامض وأزمات وجودية
- 9 سبتمبر 2021, 7:46:10 ص
- 5544
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
واجه حزب النهضة أكبر حزب سياسي في تونس، أكبر اضطرابات له منذ وصوله إلى السلطة عام 2011، بعد أن بلغ الإحباط تجاه الحزب والضغط الاقتصادي في البلاد ذروته في احتجاجات يوليو/تموز. وفي حين أن الحركة قامت مرارا وتكرارا بتكييف صورتها وتحالفاتها السياسية، إلا أن إزاحتها الأخيرة من السلطة تركت مستقبلها السياسي موضع تساؤل.
وبالنسبة لكثيرين، أصبح من الصعب إعادة الثقة بالنهضة. وقال أحد الطلاب التونسيين الذي انضم إلى الاحتجاجات في 25 يوليو/تموز: "لقد كنا نريدهم في البداية". وتردد كلماته صدى المشاعر العامة السلبية المتزايدة تجاه حزب النهضة.
وحين كانت حركة محظورة مع وجود أعضائها في المنفى في عهد الرئيس السابق "زين العابدين بن علي"، اكتسب حزب النهضة فرصة جديدة بعد ثورة الياسمين عام 2011، والتي أطاحت بالزعيم السابق. وبالتالي، اكتسبت الحركة التي استوحت منهجها من منهج جماعة "الإخوان المسلم,ن" تعاطفا في البداية، ونمت لتصبح أكبر حزب في البلاد؛ حيث أصبحت مرتبطة بالتغلب على الاضطهاد الذي عانى منه العديد من التونسيين في ظل حكم "بن علي".
ومع ذلك، فقد أصبحت حركة النهضة لاحقا مرادفا للأزمات التي حلت بالتونسيين منذ الثورة، بما في ذلك فشل الحكومة في تحسين سبل عيش الناس والاقتصاد.
وفي الواقع، أدت أعوام من الاستياء المتزايد تجاه الحكومة إلى الاحتجاجات الجماهيرية في يوليو/تموز. وبشكل أكثر تحديدا، كانت المظاهرات مدفوعة بالوضع الاقتصادي المقلق في البلاد، والخلاف السياسي، وعدم كفاءة حزب النهضة، حتى إن بعض المتظاهرين اقتحموا مكاتب وممتلكات النهضة وأحرقوها.
وبعد تلك الأحداث، لجأ الرئيس "قيس سعيد" إلى سلطات الطوارئ بعد شهور من الجمود السياسي والخلافات مع النهضة. وعلق الرئيس التونسي البرلمان لمدة 30 يوما (جرى تمديدها لأجل غير مسمى)، وأقال رئيس الوزراء "هشام المشيشي" ووزراء كبار آخرين، وأنهى حصانة النواب من الملاحقة القضائية، وأمر بحظر التجول ليلا، وسط تفاقم أزمة "كوفيد-19" في البلاد.
وقال "هيثم المكي"، الصحفي والكاتب في إذاعة "موزاييك إف إم"، التي تتخذ من تونس مقرا لها: "كان الناس غاضبين حقا من الحكومة، ولا سيما حزب النهضة. لقد فشل المشيشي، حليف النهضة، في إدارة أزمة فيروس كورونا. إنه لم يفعل شيئا. لم يحضر لقاحا واحدا".
وبينما شجب العديد من الأحزاب السياسية تجميد "سعيد" للبرلمان، اختلف رد الفعل العام. وبالرغم من الجدل الدائر حول إجراءات "سعيد"، أظهر استطلاع للرأي نُشر بعد أيام قليلة أن 87% من إجمالي التونسيين يوافقون على قرار الرئيس.
وفي الواقع، أعرب 76% من الذين شملهم الاستطلاع عن موافقتهم الكاملة على خطوة "سعيد"، بينما أعرب 11% عن تأييدها نسبيا. ومن المهم أيضا ملاحظة أنه لم تحدث أي احتجاجات مضادة كبيرة ضد تصرفات "سعيد"، حتى بعد أن دعا "راشد الغنوشي" للاحتجاج السلمي.
الاضطرابات السياسية
وبعد أن أزاحت خطوة "سعيد" حزب النهضة من موقعه المريح في البرلمان، سقط الحزب في حالة اضطراب. وطالب كبار أعضاء الحزب باستقالة "الغنوشي"، بحسب رويترز. وكان من بين أولئك الذين دعوا إلى استقالة "الغنوشي" عشرات من أعضاء الحزب الأصغر سنا وحتى بعض قادته، بمن فيهم النائب "سمير ديلو".
كما أجل حزب النهضة اجتماع مجلس الشورى السنوي الذي كان مقررا في أوائل أغسطس/آب. وبالرغم من إعادة جدولة الحدث في نهاية المطاف بعد أسابيع فقط، إلا أنه أظهر أن تحرك "سعيد" أثار أزمة داخل الحزب.
وبالرغم أن "الغنوشي" كان من أوائل الشخصيات البارزة التي وصفت تصرفات "سعيد" بأنها "انقلاب"، إلا أنه سرعان ما تراجع عن ذلك وأعلن في خطوة مفاجئة دعمه لـ"سعيد".
وقال "الغنوشي": "سندعم الرئيس سعيد ونفعل ما يسهم في نجاحه، بما في ذلك استعدادنا للتضحية من أجل الحفاظ على استقرار البلاد واستمرار الديمقراطية". وأضاف: "ننتظر خارطة طريق الرئيس ولا حل إلا بالحوار تحت إشرافه. لقد تلقينا رسالة شعبنا، وحركة النهضة منفتحة على مراجعة سياساتها".
ويشير موقف حزب النهضة التصالحي تجاه "سعيد" إلى أنه الآن في موقف ضعيف وقد يواجه تحديات في إعادة تجميع صفوفه واستعادة مكانته في السياسة التونسية، بالرغم أن الحزب اتخذ خطوات لإعادة هيكلة الحزب، حيث أقال "الغنوشي" أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب في 23 أغسطس/آب.
تراجع الشعبية
والسؤال الرئيسي الآن هو ما مدى الثقة التي يمكن لحركة النهضة أن تستعيدها في أوساط الجمهور التونسي؟ ومنذ الثورة، خرج التونسيون إلى الشوارع مرارا وتكرارا للاحتجاج على تدهور الأوضاع الاقتصادية والفساد داخل الحكومة.
وكان حزب النهضة يتمتع بشعبية في عام 2011، بعد الثورة مباشرة، لأن الناس كانوا مقتنعين بأن الحركة عانت بشدة في ظل ديكتاتورية "بن علي". وقال "هيثم المكي": "لقد تعاطفوا معهم في عام 2011. لكن عندما تولوا السلطة، رأى الناس الصورة الحقيقية. لم يهتم حزب النهضة بالاقتصاد والوضع الاجتماعي والشباب ومطالب الثورة، لقد أرادوا فقط اكتساب المزيد من القوة والاستفادة من الامتيازات التي توفرها لهم السلطة".
وأضاف "المكي": "لم يفوا بوعودهم الانتخابية، بل حاولوا إقامة حكم استبدادي يسيطر على كل شيء، بما في ذلك الإعلام والبرلمان".
وبينما سعى حزب النهضة إلى تقديم صورة أكثر إصلاحية، لم يكن الرأي العام متقبلا لهذه الصورة. ويشير التراجع في أصوات حزب النهضة إلى الضعف الذي أصاب شعبية الحزب. وحصل الحزب على 1.5 مليون صوت في عام 2011، لكن الرقم انخفض إلى مليون صوت في انتخابات 2014، وفي الانتخابات البرلمانية لعام 2019 حصلوا على ما يزيد قليلا عن نصف مليون صوت.
بالإضافة إلى ذلك، أظهر استطلاع أجرته "سيجما كونسيل" في يونيو/حزيران 2020 أن 68% من المشاركين لا يثقون بـ"الغنوشي"، في حين وجد استطلاع أجرته "إمرهود كونسالتينج" أن أكثر من 73% من المشاركين غير راضين عن أدائه.
وقال "مهدي الباهي" معلق الشؤون التونسية: "أصبح البرلمان التونسي، بقيادة الغنوشي، برلمانا يعمل فقط لمصالح عدد قليل من رجال الأعمال ويتجاهل كل المشاكل اليومية للشعب التونسي".
وأضاف "الباهي": "بسبب هذا الإهمال، شهد التونسيون ارتفاع الأسعار على مدى الأعوام القليلة الماضية، واختفت الطبقة الوسطى إلى حد ما".
تغير الصورة العامة
وفي حين كانت حركة النهضة في الأصل حركة محافظة، فقد حاولت تقديم نفسها على أنها ليبرالية وديمقراطية بمرور الوقت، بل ونأت بنفسها عن الإسلام السياسي.
وفي عام 2011، أشاد "حمادي الجبالي" أول رئيس وزراء تونسي بعد الثورة والأمين العام لحركة النهضة آنذاك، بالكتلة باعتبارها "الخلافة السادسة" في تونس. ومع ذلك، استنكر العديد من التونسيين وبعض الأحزاب السياسية، الذين كانوا يأملون أن تسير الثورة في طريق علماني، مثل هذه التعليقات، ما أجبر "الجبالي" على التراجع عن تصريحاته.
وقال "المكي": "قبل الدخول في ائتلاف مع حزب نداء تونس في 2014، قال حزب النهضة إن هذا الحزب أسوأ من السلفيين لكنه شكل بعد ذلك حكومة معه. كما وصف حزب النهضة المرشح الأول للرئاسة لعام 2019 وزعيم قلب تونس نبيل قروي بأنه رجل مافيا ومخادع، بالرغم أنهم تحالفوا معه. حتى أنهم دعموا سعيد قبل أن تتوتر العلاقات معه. ويجعل هذا من الصعب على التونسيين أن يثقوا بهم".
وبعد تقديمها سلسلة من التنازلات، مثل تعزيز ائتلاف غير مستقر مع حزب نداء تونس العلماني في عام 2014، حاولت النهضة وقف أنشطتها الدعوية و"التخصص" في السياسة، كما قال "الغنوشي" خلال المؤتمر العام العاشر للحزب في مايو/أيار 2016. وزعم "الغنوشي" أن هذا التحول لم يكن مجرد تحول نحو "الديمقراطية الإسلامية"، بل كان نتيجة للمشاركة الكاملة للحزب في مجتمع ديمقراطي.
ومع ذلك، لا يزال العديد من التونسيين يشككون في طبيعة الحركة ونواياها.
المصدر | جوناثان هارفي - إنسايد أرابيا