- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
حسن مدبولي يكتب : روسيا إعلان حرب ضدنا ؟
حسن مدبولي يكتب : روسيا إعلان حرب ضدنا ؟
- 14 يوليو 2021, 9:05:33 م
- 907
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بمناسبة الموقف الروسى الأخير فى مجلس الأمن والذى ساند ضمنا مخططات الإبادة ضد الشعب المصرى ، من خلال الإعلان صراحة عن رفضه للحلول العسكرية ،
وإعتبارها "صبا للزيت على النار، وأن التهديد باستخدام القوةأمر يجب منعه ولا مجال للخطاب التهديدى فى إيجاد حل لتلك الأزمة " كما قالها صراحة المندوب الروسى بمجلس الأمن فى كلمته التى إحتوت على تلميز وتلميح واضح يعترف بحق إثيوبيا فى بناء سد النهضة لاستخراج الكهرباء وتنفيذ برامج التنمية،ثم ما تلى كل ذلك من توقيع إتفاق تعاون عسكرى شامل بين كل من إثيوبيا وروسيا يتيح بموجبه التواجد العسكرى الروسى بكافة الأراضى الإثيوبية ومنها طبعا منطقة بنى شنقول ؟ فمن المفيد القول بأن ذلك الموقف ليس مفاجئا ، بل هو موقف طبيعى يتناسب مع طبيعة وتركيبة وتوجهات نظام الحكم الحالى فى روسيا ؟
فروسيا فى الوقت الحالى لا تختلف فى سفالة مواقفها السياسية عن اميركا واوروبا، بل من الممكن القول انها تلعب دورا حقيرا يتمثل فى القيام بالأدوار القذرة التى لا تستطيع الدول الديموقراطية تحمل تبعات تنفيذها،
والذين كانوا يرون فى روسيا بوتين أملا وملاذا ، وصدموا نتيجة الموقف الأخير ،هم أناس لا يزالون يعيشون فى أوهام الاتحاد السوفيتى المنحل وحزبه الشيوعى الحاكم ، فروسيا فى الوقت الحالى هى دولة تدار بحكم فردى قمعى متحالف مع الكنيسة الأرثوذوكسية ومافيا رجال الأعمال ، فلا حزب ولا أيديولوجيا ولا نخبة مثقفة ولا معارضة سياسية تمتلك الحق فى التعبير والتغيير ، بل على العكس من ذلك تمارس هناك عمليات الإغتيال المافياوية ضد المعارضين بلا رحمة، وكانت آخرها محاولة إغتيال المعارض السياسى الروسي أليكسي نافالني عن طريق تسميمه وقتله، كما يحدث فى أكثر النظم السياسية تخلفا فى العالم ، ولولا الضغوط الغربية لما تم علاجه وانقاذه ، ومع ذلك فقد تم القبض عليه عند عودته من رحلة العلاج بدلا من محاكمة مرتكبى جريمة محاولةإغتياله؟ بل وتأكيدا وترسيخا لنظام الحكم الفردى المطلق فى روسيا ، فقد تم تعديل الدستور هناك لكى يسمح لبوتين بالإستمرار فى الحكم للأبد، على الرغم من أن بوتين نفسه سبق له أن إحترم ذلك الدستور ، وجاء برئيس شكلى هو السيد ميدفيدف، وتولى هو رئاسة الوزراء لدورة واحدة يحق له بعدها الترشح للرئاسة مرة أخرى ، وكإنما لا يوجد فى روسيا كلها سوى رجل واحد يمكنه تولى ذلك المنصب ؟ ومع ذلك ففى المرة الأخيرة لم يحترم بوتين تلك التقاليد الدستورية ولو شكلا كما فعل قبل ذلك ، وقام بتعديل الدستور لكى يمكنه الترشح بلا توقف كما يتم فى كافة الدول الغارقة فى التخلف والديكتاتورية ؟
أما بالنسبة للنظام الاقتصادى الروسى فقد تحولت روسيا الى النظام الرأسمالى فى أسوأ صوره الاحتكارية لحساب فئة قليلة من رجال الأعمال ، كما يعتمد هذا الاقتصاد أيضا على تجارة البترول والسلاح وتصدير المرتزقة القتلة مقابل أجر ،وانتهت فلسفة مساعدة الدول النامية من الأجندة السياسية والإقتصادية الروسية ، أما الفنون الرفيعة الراقية الهادفة التى كانت تتميز بها موسكو فقد اختفت هى الأخرى من الواجهة، وتم اختصارها فى تصدير الراقصات الروسيات الى الملاهى العالمية، حيث إنتهت منظومة القيم الروسية التى كانت تعتمد على مساندة حقوق الشعوب ، ورفض الهيمنة الغربية ، والمساندة المبدئية بصرف النظر عن تحقيق مكاسب فورية ، وسادت لغة المصالح الاقتصادية والعسكرية والسياسية المشروعة وغير المشروعة وأصبحت هى المحرك الأول للسياسة الروسية ، لدرجة إنها أنشأت شركات عسكرية خاصة لتوريد المرتزقة لمن يدفع فى اى مكان فى العالم يحتوى على بؤر للقتل والإجرام ؟
وإنعكس كل ذلك بالطبع على المواقف الروسية من القضايا الدولية ،فتحولت السياسة الخارجية الروسية إلى نمط متفرد قذر يبيح التدخل فى شئون الآخرين لدعم النظم القمعية التى تعتمد القتل والارهاب، مقابل تحقيق مصالح إقتصادية وسياسية وعسكرية لروسيا،كما ان تلك السياسة الخارجية لم تعد تعرف الرحمة ولا الحد الأدنى من الانسانية، فقد ساندوا الصرب فى مجازرهم ضد الأبرياء العزل فى البوسنة والهرسك ، ولم يصدر عنهم حتى مجرد بيان إدانة لمذبحة سريبرينيتسا التى ارتكبها الصرب ( الأرثوذوكس) بمشاركة وتواطؤ من الجنود الهولنديين والكنديين المنتمين لحلف الناتو ؟ أيضا الروس فى الوقت الحالى لا يهمهم مصير ملايين اللاجئين المعذبين فى سوريا، بل وبكل حقارة يدكونهم بالصواريخ والقنابل ولا يفرقون بين مستشفى او مدرسة او مسجد، أما بالنسبة للقضية الفلسطينية والأراضى العربية المحتلة بواسطة اسرائيل ، فالمواقف الروسية الحالية أسوأ كثيرا من مواقف الولايات المتحدة ، وهو أمر إتضحت ملامحه بعد تكرار القصف الاسرائيلى لسوريا دون أدنى مساندة روسية للجيش السورى،رغم الوجود العسكرى الروسى المكثف على الأراضى السورية، ورغم تدخل روسيا مرارا وبوقاحة إجرامية ضد الشعب السورى نفسه بحجة مكافحة الإرهاب ؟ أيضا لا يوجد موقف يذكر للروس من قضايا ضم القدس والجولان والضفة لاسرائيل ولا للعدوان الاسرائيلى المستمر ضدالمحاصرين فى غزة؟ هل سمعت عن قافلة إغاثة توجهت من روسيا إلى غزة ؟فهؤلاء الروس لا يحركون ساكنا فى سوريا او غزة ضد اى عدوان اسرائيلى ،بينما يسارعون باستعمال حق الفيتو لمنع ادانة مجازر بشار الأسد او حفتر او بورما او الهند ويؤيدون الممارسات الصينية ضد الفئات المضطهده هناك بلا أدنى ضمير أو قيم أخلاقية ؟
كما أن روسيا ظلت هى العدو الأول لثورات الربيع العربى بدون اى مبرر مفهوم ، فقد كانت آخر من دعم مبارك ضد ثورة الشعب المصرى، كما كانت آخر من قدم مساعدات مباشرة للقذافى لقتل الليبيين، بينما هى حتى الآن تقتل وتحرق فى الشعب السورى وتدافع عن النظام الطائفى القاتل هناك بحجة مساندة الشرعية، ثم وبدون أدنى حد من الخجل تقدم الدعم اللامحدود لفصيل مسلح متمرد على الشرعية( نفسها )فى ليبيا بإستخدام مرتزقتها الذين يقاتلون الشعب الليبى المسالم ،و الذين كادوا أن يحتلوا العاصمة الليبية بمساندة الإرهابيين الخونة عملاء إسرائيل من الذين يحملون الجنسية الأمريكية ؟؟
إن الموقف الروسى الأخير فى مجلس الامن ، وما تلاه من تعاون عسكرى معلن بين أثيوبيا وروسيا يعتبر إمتدادا طبيعيا للسياسة الروسية القذرة التى لا تعبأ بحقوق أو مستقبل الشعوب الصغيرة ، والتى تتحرك فقط من أجل تحقيق المصالح المالية والفاشية للمافيا الحاكمة فى روسيا ، وقد يقول قائل بأن هناك مصالح اقتصادية تربط بين مصر وروسيا ، نعم هذا صحيح ولكن تلك المصالح يبدو أنها خالصة الثمن ، وأن المطلوب مقابلها من مواقف قد تم سداده ، أو أن الروس متأكدون تمام التأكد بإنه مهما كان الموقف الروسى من سد النهضة ، فإن المصالح الروسية بمصر لن يتم المساس بها ربما لأسباب تتعلق بأن تلك المصالح كانت مقابل التغاضى عن أشياء مجهولة ، قد يكون من بينها حادثة إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء ؟ أو أن ذلك الموقف الروسى الداعم لإثيوبيا جاء ردا على مشاركة مصر فى مناورات حلف الناتو فى البحر الأسود بالقرب من السواحل الروسية، وهو ما إعتبرته روسيا إستفزازا إستراتيجيا لها قبل أسبوعين فقط من عقد جلسة مجلس الأمن الخاصة بموضوع سد النهضة؟
لكن من ذاوية أخرى ينبغى التأكيد على أن الموقف الروسى المساند لأثيوبيا
(الأرثوذوكسية) يعتبر إنعكاسا للتحالفات السياسية الداخلية فى روسيا بين نظام الحكم والكنيسة الأرثوذوكسية ومافيا رجال الأعمال هناك الذين تحركهم رائحة الدولار الأميركى كما هو الأمر فى ليبيا ،كما أن ذلك الموقف هو إمتداد أيضا لمواقف روسيا السابقة المؤيدة لجرائم الصرب الأرثوذوكس ضد المسلمين ، وكذلك للعديد من المواقف التى تُشتم من خلالها رائحة العنصرية الدينية ضد المسلمين فى العالم ؟
عموما يمكن القول بشكل مباشر بأن الموقف الروسى من قضية سد النهضة يقترب من إعلان حرب فعلية ضد كل من مصر والسودان،ولا يقارن بالمواقف الغربية المعادية لقضايانا، فعلى الأقل فى أمريكا واوروبا توجد أصوات اخرى تخالف الأنظمة الحاكمة، تظهر علنا مؤكدة رفض شريحة من الشعوب الغربية لنظمها الحاكمة فيما لو خاضت تلك النظم حروبا أو مواقف وإعتداءات ظالمة، وتمثل مواقف تلك الشرائح المعارضة بالداخل الأوروبى ضغطا يحد من مضى القادة الغربيين قدما فى مواقفهم المساندة للقهر والقمع،بينما الأمر يبدو فى روسيا وكأن هناك كائن فولاذى عملاق يتحرك بعدوانية فى كافة الإتجاهات لا يحده سوى التنسيق مع الكائنات الأخرى الأكثر بطشا وإرعابا !!