- ℃ 11 تركيا
- 18 ديسمبر 2024
حسين صالح السبعاوي يكتب: لحومهم قذرة وليست مسمومة
حسين صالح السبعاوي يكتب: لحومهم قذرة وليست مسمومة
- 26 يوليو 2024, 11:53:45 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
(لحوم العلماء مسمومة) بسبب هذا المقولة صمت الجميع عن النقد، وتعرض الكثير للمضايقات، ومنع حتى النقاش والرد والرأي والرأي الآخر وما أن تنتقد حالة سلبية حتى يرد عليك بهذا الرد الصارم الذي يوحي لك وللمتلقي بانك تجاوزت الخطوط الحمراء، في حين أن هذا النص ليس بحديث نبوي، ولم يقوله صحابي جليل، بل قاله الإمام إبن عساكر لسبب ما وبفترة زمنية اقتضت الظروف لمثل هذا الكلام، ومن جهة أخرى ينبغي أن نعلم بأن ليس كل من وقف إماماً في مسجد أو ارتقى المنبر لخطبة الجمعة هو ممن يعنيهم كلام إبن عساكر.
إن هؤلاء وأمثالهم قد ارتدوا ثوباً أكبر من مقاسهم بكل المعايير ولكي يواروا سؤآتهم يلجأون لهذا الإسلوب من أجل تكميم افواه الناس ، وليضفوا على أنفسهم القداسة ليكونوا خارج دائرة المحاسبة والنقد، في حين أنهم مجرد موظفين دولة ويتقاضون رواتبهم كباقي ألموظفين في دوائر الدولة.
إن ما تعانيه اليوم شعوبنا العربية عموما والعراق واحداً من هذه الشعوب هو بسبب تحالف المؤسسة الدينية مع السلطة السياسية والذي أنتج لنا نظماً ثيوقراطية مقننة ديكتاتورية تمارس أبشع أنواع الظلم والفساد ضد الشعوب، وإذا ما حاول أي مواطن أن يفتح فمه ويقول كلمة الحق حتى أسكتوه إما بفتوى دينية أو برصاص السلطة، إن من المعلوم عبر التاريخ إن أي تحالف بين رجال الدين والسلطة سيكون على حساب الشعب وسينتج نظام قمعي، وهذا الذي حدث في أوروبا زمن العصور الوسطى عندما تحالف ما يسمى بالسلطة الزمنية " الامبراطور" مع السلطة الدينية "البابوية " في تلك الفترة عاشت أوروبا في ظلام دامس وتخلف ورجعية وظلم لم تشهد أوروبا مثله عبر التاريخ جعل من الشعب مجرد عبيد، ولا رأي خلاف رأي السلطة ورجال الدين فالجميع في صمت مطبق وحالة من الرعب، وإذا ما حاول أحدا النطق بكلمة واحدة تجد التهمة جاهزة ضده وكانت أبشع تهمة في تلك الفترة هي تهمة "الهرطقة" التي يمكن أن تودي بحياة المتهم، وتطلّق زوجته،وتصادر أمواله...
وقد دخلت أوروبا في تلك الفترة في حروب مذهبية طائفية دامية وكانت حرب الثلاثين عاما من أبرز هذه الحروب ١٦١٨م - ١٦٤٨م وقد اشتركت فيها جميع الدول الأوروبية من شرقها وغربها وكانت بين الكاثوليك والبروتستانت في ألمانيا وانتهت بمعاهدة وستلفانيا سنة ١٦٤٨.
أما نحن اليوم فحالنا يشبه بدايات العصور الوسطى الأوروبية الذي شهد هذا التحالف المقيت بين السلطتين، ولنأخذ عدة أمثلة من عدة دول تعيش نفس ذاك التحالف.
السعودية: تأسس النظام السعودي على أساس التحالف بين السلطة الدينية وبين السلطة الحاكمة فتجد أن السلطة الدينية قد تحالفت مع أبشع ديكتاتور عرفته المملكة السعودية وقد شرعنوا له كل أنواع الظلم الذي يمارسه ضد مخالفيه ولا ننسى قتله الشنيع للصحفي الشهير جمال خاشقجي حيث قطّع جسده إرباً إربا ومع ذلك لم تتكلم هيئة كبار العلماء ودائرة الإفتاء بكلمة واحدة تدينه، كما زجّ بجميع مخالفيه وبمجرد الشبهة في غياهب السجون وكل ذلك بمباركة السلطة الدينية في المملكة؟
مصر: لقد تحالف الأزهر مع أبشع ديكتاتور عرفته مصر في يوم واحد قتل أكثر من ٥ آلاف بريء ومع هذا قد باركت دار الإفتاء ومؤسسة الأزهر هذا الفعل أو على الأقل سكتت عنه، وها هو الشعب المصري يعيش تحت القمع بسبب هذا التحالف المقيت.
العراق: لم يشهد العراق تحالفاً بين رجال الدين والسلطة الحاكمة كما هو الحال اليوم وبسبب هذا التحالف الذي أنتج لنا سلطة ثيوقراطية مقننة أشبه بما عاشته أوروبا في العصور الوسطى من ظلم وقهر وفساد.
إيران: تعتبر السلطة الدينية هي صاحبة القرار الرئيسي في الدولة والبقية من المؤسسات تبع لها بما فيها رئاسة الجمهورية.
سوريا: يعيش الشعب السوري منذ عام ١٩٧٠ مع أبشع نظام عنصري عرفه التاريخ سيما أنه يمثل الأقلية في سوريا ورغم كل المجازر الذي ارتكبها هذا النظام ضد الشعب السوري إلا أن المنظومة الدولية متمسكة به وتدافع عنه وما كان لهذا النظام أن يستمر في السلطة لو لا دعم رجال الدين له منذ البداية.
وهكذا بقية الأنظمة العربية من المغرب إلى المشرق تجد أن السلطة الحاكمة ترتكز على المؤسسة الدينية في قمعها للشعوب المقهورة.
السؤال: هل هؤلاء من رجال الدين لحومهم مسمومة أم قذرة؟!
إن أحدهم لو يغتسل ٧ مرات في نهر النيل أو الفرات وواحدة منها في التراب فلن يطهر من شدة ما يحمله من قذارة ورجس، وإن في رقابهم دماء الآلاف من الأبرياء والمعتقلين بسبب فتاويهم المضللة والداعمة للدكتاتوريات القمعية المتسلطة على رقاب الشعوب.
أين هؤلاء من قول الشاعر:
( وعالم بعلمه لم يعملا معذب قبل عبّاد الوثنا )
ومن المثير أنهم انتجوا لنا طبقة من تلاميذهم يؤمنون أيماناً كاملا بأن هؤلاء المجرمين فعلا لحومهم مسمومة ولا يجوز التعرض لهم، لا وكذلك يعتبرون أنفسهم ورثة لهؤلاء المجرمين؟! شاهت الوجوه.
(ما لكم كيف تحكمون)
نحن نعلم بأن هناك رجال علماء أفذاذ يتعرضون للتعذيب والترهيب والإقصاء من قبل السلطات الحاكمة وبفتوى هؤلاء المجرمين، لكن يبقى الأخيار من العلماء أقلية صامتة ليس لهم تأثير في الميدان بسبب ما يواجهون من قمع في المعتقلات أو التهجير، أو الإقامة الجبرية.
ورُبَّ سائل يقول أن هؤلاء مجبرين على هذا التحالف أو على هذه الفتاوى؟
فنقول لا أبدأ ليسوا مجبرين؛ بدليل أنهم يتسابقون ويتنافسون على أعلى المناصب في السلطة الدينية وعلى الأوقاف، فهل من يتسابق على المناصب مجبرا على التحالف مع السلطة؟!
إنهم يمارسون هذا الدجل بكامل إرادتهم وبرغبة جامحة منهم لما جبلت نفوسهم على الإجرام والانتقام وعلى الكراهية للشعوب.
أخيراً: نحن ندرك بأن هناك علماني متطرف والإلحادي ينكر وجود الذات الإلهية سوف يطيرون فرحا بهذا المقال، فنقول لهؤلاء وأمثالهم ما نحن إلا إصلاحيون نريد أن نوقف هذا الإنهيار قبل الطوفان، وأنتم أقلُّ شاناً من أن نكتب شيئا يخدم تواجهاتكم الإجرامية المخالفة للفطرة البشرية السليمة، ونعلم أنه ليس لكم عداء إلا مع المسلمين وأنكم حلفاء لكل عدو لهم.
ختاماً: لقد علمنا كيف انتهى التمكين للسلطة الدينية في أوروبا وإيقاف تغولها مع السلطة الزمنية في الثورة الفرنسية عندما رفع شعار ( اعدموا آخر ملك بعمامة آخر قسيس )
بعدها ولات حين مندم.
وهكذا سيكون حال هؤلاء المعممين عندما تنفجر الشعوب من شدة الظلم التي عانت منه منذ عقود من السنين.
وليس ذلك على الله ببعيد ثم لنرى هل لحومهم مسمومة كما يدّعون؟!
أم أول من يسعّر بها النار.
الباحث حسين صالح السبعاوي
26 تموز/يوليو 2024م.