- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
حكومة السوداني ومسيرة البحث عن استقرار العراق (تقرير)
حكومة السوداني ومسيرة البحث عن استقرار العراق (تقرير)
- 25 نوفمبر 2022, 11:06:37 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تراهن القوى العراقية والإقليمية على نجاح حكومة العراق برئاسة محمد شياع السوداني في الحفاظ على الاستقرار "النسبي" في غياب التيار الصدري عن المشهد السياسي.
كما تراهن على أن الحكومة، التي نالت ثقة البرلمان في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ستتخذ قرارات لضمان عدم استفزاز رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر لتجنب احتمالات عودته عن قرار اعتزاله العمل السياسي واللجوء مجددا إلى تجييش أنصاره والنزول إلى الشارع أو استخدام القوة المسلحة لفرض الأمر الواقع.
وبعد عام من الاضطرابات السياسية والأمنية والخلافات الحادة بين القوى الشيعية الأساسية، أنجزت قوى الإطار التنسيقي حليفة إيران مهمة إبعاد التيار الصدري عن المشهد السياسي بعد سلسلة خطوات عرقلت انعقاد جلسات برلمانية مخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية مطلع العام الجاري.
ورئيس الجمهورية في العراق، وفق الدستور، هو الذي يكلف الكتلة البرلمانية الأكبر عددا بتشكيل الحكومة.
وبالتالي فشلت الكتلة الصدرية في تقديم مرشحها لرئاسة الوزراء بعد ثمانية أشهر من محاولات لعب فيها الصدر دورا مهما في قيادة كتلته إلى الفشل عبر خطوات وقرارات غير مدروسة.
ومن أبرز هذه القرارات دعوة نواب كتلته الـ73 إلى الاستقالة من البرلمان في يونيو/ حزيران الماضي، وبالتالي فتح الطريق أمام قوى الإطار التنسيقي لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر عددا، فهذه القوى لم تحقق مجتمعة الأغلبية التي تؤهلها لتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء إلا بغياب الكتلة الصدرية.
وراهن الصدر على إسقاط النظام السياسي بتوظيف قدراته على تجييش الشارع لتعطيل العمل في مؤسسات الدولة عبر اقتحام متكرر لمركز الحكم في المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد واقتحام مبنى مجلس النواب مرتين لتعطيل جلساته ومنع الإطار التنسيقي من تشكيل الحكومة.
وفي مرحلة أخيرة، لجأ الصدر إلى استخدام القوة المسلحة للأجنحة العسكرية التابعة للتيار الصدري في اقتحام المنطقة الخضراء ومحاولة الاستيلاء على مباني رئاسة الجمهورية والحكومة في محاولة أخرى لإسقاط النظام السياسي، لكن هذه المرة باستخدام القوة المسلحة.
غير أن القوات الأمنية المكلفة بحماية المنطقة الخضراء وفصائل مسلحة تابعة للإطار التنسيقي وقوى مسلحة أخرى تصدت لمسلحي التيار الصدري لأكثر من عشرين ساعة من اشتباكات شرسة يومي 29 و30 أغسطس/آب الماضي.
هذه المواجهات خلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى ودفعت الصدر لدعوة مسلحيه إلى الانسحاب من المنطقة الخضراء وإعلانه الانسحاب نهائيا من العمل السياسي، بالتزامن مع رسالة وجهها مرجعه الديني كاظم الحائري المقيم في إيران أعلن فيها إغلاق جميع مكاتبه في العالم.
ويعطي اعتزال الصدر وغياب تياره عن المشهد السياسي دلالات واضحة على أن المجموعات الشيعية المسلحة أثبتت قدرتها على تأمين مصالحها وتعزيز نفوذها في مؤسسات الدولة وكذلك قدرة إيران على رسم مسارات المشهد السياسي بما يخدم مصالحها في العراق ومصالح القوى الحليفة لها إلى الحد الذي ينذر بتحول هذه المجموعات إلى تهديد جدي لسلطة الدولة وقرارها.
وليس من الواضح حتى الآن إذا كانت حكومة السوداني تمتلك ما يكفي من القدرات للإيفاء بتعهدات قطعها على نفسه بتعديل قانون الانتخابات خلال ثلاثة أشهر والدعوة إلى انتخابات مبكرة بعد عام، وهي تعهدات تتفق مع مطالب الصدر.
وفي ظل غياب أي معارضة داخل مجلس النواب بغياب الكتلة الصدرية، فإن حكومة السوداني ستكون في وضع مريح يتيح لها رسم سياساتها واتخاذ مزيد من القرارات التي تتفق مع توجهاتها وتعكس في حقيقتها توجهات قوى الإطار التنسيقي.
لذلك سيظل قرار السوداني رهن إرادة القوى السياسية في الاطار التنسيقي التي جاءت به إلى السلطة والتي لا تخفي أن السوداني جزء أصيل من الإطار وأن عليه أن يواظب على حضور الاجتماعات الدورية لقوى الإطار، وفق تصريحات الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق القيادي الأبرز في الإطار قيس الخزعلي.
ويفتقر السوداني إلى كتلة برلمانية داعمة يستند إليها في تعزيز قدراته على اتخاذ القرارات بشكل مستقل يتوافق مع برنامجه الوزاري، بالرغم من أن تمرير حكومته عبر مجلس النواب كان بتوافق قوى تحالف "إدارة الدولة" الذي يضم معظم القوى السياسية الشيعية، وأبرزها الإطار التنسيقي، وكذلك القوى السياسية السنية والكردية.
وبعد الإعلان رسميا عن تكليف السوداني بتشكيل الحكومة، اتهم الصدر هذه الحكومة بالتبعية الواضحة للميليشيات وأعلن رفضه المشاركة في أي حكومة يقودها السوداني أو أي مرشح آخر من الوجوه القديمة أو المحسوبين على من وصفهم بـ"الفاسدين".
يقود واقع هيمنة المجموعات الشيعية المسلحة على قرار الدولة العراقية إلى انتفاء حاجة هذه المجموعات لمواصلة تنفيذ عمليات عسكرية تستهدف المصالح الأمريكية والقوى السياسية المنافسة لها بعد أن باتت الدولة وقرارها ومقدراتها بيد قادة الإطار التنسيقي الذي يضم القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري.
والإطار التنسيقي في حقيقته هو جزء من تجمع لأجنحة سياسية لفصائل إقليمية مسلحة حليفة لإيران دأبت على الإخلال بالأمن والاستقرار عبر استهداف المنطقة الخضراء والمرافق الدبلوماسية والقواعد الأمريكية في العراق وإقليم كردستان شمالي البلاد وفي دول أخرى مثل السعودية والإمارات.
لذلك فإن حالة من الاستقرار الأمني سيشهدها العراق خلال الأشهر أو السنوات القادمة طالما ظل قرار حكومة السوداني رهن إرادة قادة الإطار التنسيقي وتمسك الصدر بقرار اعتزاله العمل السياسي إضافة إلى حفاظ الولايات المتحدة الأمريكية على موقفها الذي يبدو بعيدا عن التدخل في تفاصيل إدارة الدولة العراقية بقيادة السوداني المقرب من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006-2014).
وفي قراءة لقرارات السوداني وسلسلة الإجراءات التي اتخذتها حكومته يتضح أنه يحاول الموازنة بين أمرين أولهما سعيه للحفاظ على الأمن والاستقرار وإبعاد العراق عن الفوضى الأمنية ومنع تكرار الاقتتال الداخلي بين القوات الأمنية والحشد الشعبي من جهة والأجنحة العسكرية للتيار الصدري من جهة أخرى.
أما الأمر الثاني فهو عدم استفزاز التيار الصدري بقرارات تمس نفوذ كبار مسؤولي الدولة من أتباع التيار الذين يشغلون مناصب رفيعة منذ حكومة مصطفى الكاظمي (مايو/ أيار 2020- أكتوبر/ تشرين الأول 2022)، لتجنب أي ذريعة يمكن للتيار الصدري أن يستخدمها لتكرار تجربة اللجوء إلى الشارع أو استخدام القوة المسلحة لفرض الأمر الواقع.
ومع حقيقة غياب أي دور للتيار الصدري في تشكيل حكومة السوداني وعدم مشاركة أي من قيادات التيار في الحكومة، فإن السوداني سيكون حريصا على التصدي لجملة ملفات تدخل في أولويات التيار الصدري الذي سعى لتشكيل حكومة "أغلبية وطنية" تتبنى الإصلاح الجذري للنظام السياسي عبر إلغاء المحاصصة السياسية وإجراء انتخابات مبكرة ومواصلة مكافحة الفساد والحد من نفوذ السلاح خارج سلطة الدولة.
وعلى ما يبدو فإن السوداني أبدى موقفا واضحا يعزز احتمالات الاستقرار، كما أنه ينسجم مع رؤية التيار الصدري فيما يتعلق بالانتخابات المبكرة ومكافحة الفساد، لكن تبقى مسألة إلغاء المحاصصة السياسية وحصر السلاح بيد الدولة والحد من نفوذ المجموعات الشيعية المسلحة خارج قدرة السوداني مع افتراض امتلاكه الرغبة، وهو افتراض قد لا يكون منطقيا.