- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
حمادة إمام يكتب :بيجن اشترط على السادات توصيل المياه لصحراء النقب
حمادة إمام يكتب :بيجن اشترط على السادات توصيل المياه لصحراء النقب
- 15 يوليو 2021, 3:28:29 م
- 15077
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لم يكذب مصطفى الفقى ولم يتجمل بل كان اكثر المسؤولين وضوحا ومصالحة من الذات عندما طلب ان تتدخل اسرائيل كوسيط في كارثة سد النهضة فالرجل يعلم بحكم وظيفته السابقة ان هناك ملاحق سرية بين مصر واسرائيل تضمنت في بعضها قضية المياه
في أوائل سنة ٩٧٩١ كان الدكتور »بطرس غالي« في زيارة لإسرائيل، وعاد منها ليتوجه مباشرة إلي مكتب رئيس الوزراء الدكتور »مصطفي خليل« ليروي له تفاصيل واقعة حدثت أثناء زيارته لإسرائيل. فخلال عشاء أقامه له »ديان« شكا له وزير خارجية إسرائيل من أن رئيس الوزراء يتخذ مواقف قاطعة لا يحيد عنها، وإنه كان يناقشه قبل يومين في أمر المفاوضات مع مصر، فإذا »بيجين« يقول له منفعلا: »اسمع أنا لن أبيع سيادة إسرائيل مقابل ماء النيل« وقال »بطرس غالي« لرئيس الوزراء إنه حاول استقصاء الموضوع من »ديان« برقة، ثم عرف أن »بيجين« تلقي عرضا سريا من الرئيس »السادات« باستعداده لإقامة خط أنابيب من مياه النيل يصل إلي النقب لري أراضي مستعمرات يمكن نقلها من الضفة الغربية إلي هناك (إلي النقب) في حالة التوصل إلي اتفاق بشأن الضفة الغربية.
وأحس »مصطفي خليل« بخطورة الأمر وذهب لمقابلة الرئيس »السادات« ومعه الدكتور »بطرس غالي« وطلب من »بطرس غالي« أن يروي للرئيس »السادات« ما سمعه نقلا عن »ديان« وكانت المفاجأة للاثنين أن الرئيس »السادات« استمع إلي ما قيل له بهدوء، ثم قال: »وماله. وبينما كان مصطفي خليل وبطرس غالي« ينظران إليه باستغراب، استطرد الرئيس »السادات« يقول: »حتي بعد بناء السد العالي فنحن ما زلنا نرمي بكميات من مياه النيل إلي البحر.. وأي ضرر يحدث لنا إذا أعطيناهم هذه المياه لحل المشكلة؟« ورد الدكتور مصطفي خليل قائلاً: »إن هناك فعلا كميات من المياه ترمي في البحر، ولكن ذلك يحدث في حدود ضيقة وبهدف خدمة الملاحة في النيل في غير موسم الفيضان، وأيضا بسبب ضرورات تشغيل محطات كهرباء السد العالي، ولكي يكون هناك مسقط للمياه كافيًا لتوليد الكهرباء«. وقاطعه الرئيس »السادات« قائلاً: »خلاص.. نديهم الميه دي.
واضطر »مصطفي خليل« إلي أن يقول للرئيس »السادات«: »إننا لا نستطيع أن نعطيهم هذه المياه لأننا سوف نظل دائمًا مضطرين إلي إطلاق مياه السد العالي لأغراض الملاحة والكهرباء« ورد الرئيس السادات قائلاً: إنه بعث بعرضه فعلا إلي »بيجين«، ولابد من إعادة النظر في هذا الموضوع بما يسمح بتنفيذ وعده، وهو يري أن عرضه هذا »يحل كل شيء قصة عرض السادات بدأت فى في ديسمبر ٨٧٩١ وأثناء إجازة الأعياد التي قضاها الرئيس »كارتر« في منتجع »كامب دافيد« ــ توجه إلي مقابلته وزير خارجيته »سايروس فانس« وكان الهدف من اجتماعهما علي حد تعبير »فانس« هو مناقشة جدول أعمال السياسة الخارجية للسنة الجديدة ٩٧٩١ والاتفاق علي خطوتها الرئيسية. ولاحظ »فانس« أن »كارتر« مهموم بالشرق الأوسط، وأنه يعتقد أن مستقبل رئاسته الثانية (في انتخابات سنة ٠٨٩١) مرهون بما سوف يحدث في هذه المنطقة الفوارة بالتطورات، وأولها ماكان باديا من أن الثورة الإسلامية في إيران نجحت، وأن محاولة ترتيب انقلاب عسكري ضدها في آخر لحظة قد فشلت، وإن الشاه الذي ضيع أعصابه أوشك علي تضييع عرشه أيضا ــ وهو علي وشك أن يغادر طهران.
ولاحظ »فانس« أيضا أن »كارتر« يعلق آماله في الشرق الأوسط علي وصول مصر وإسرائيل إلي اتفاق نهائي يتحول به إطار »كامب دافيد« إلي معاهدة سلام كاملة بين البلدين وأن ذلك في رأيه هو السبيل الوحيد لتثبيت المنطقة في مواجهة الهزة التي أحدثتها الثورة الإيرانية، وينقل »فانس« عن »كارتر« قوله: »علينا أن نواصل الحركة هناك بقوة وألا نسمح بتأجيل الاتفاق مهما كان التوصل إليه صعبًا لأن ذلك قد يكلفنا أيضا ثمنًا غاليًا في السياسة المحلية
وعرف »فانس« ولم تكن تلك مفاجأة له، أن »كارتر« يفكر في فرصه الانتخابية في ذات الوقت الذي يفكر فيه في المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة. وطلب »كارتر« من »فانس« أن يحدد له مواقع الخلاف التي تعيق الاتفاق النهائي بين مصر وإسرائيل وعدها »فانس« علي النحو التالي:
١ ـــ محاولة المفاوض المصري الجديد (مصطفي خليل) رئيس الوزراء في ذلك الوقت لإيجاد رابطة linkage بين التسوية بين مصر وإسرائيل وبين الحكم الذاتي للفلسطينيين، مضيفًا أن المفاوض المصري علي سبيل المثال يريد أن يربط تبادل السفراء بين مصر وإسرائيل ببدء تنفيذ الحكم الذاتي.
٢ ــ تشدد موقف »بيجين« أكثر من العادة، ورغبته في إفراغ الحكم الذاتي للفلسطينيين من أي مضمون له معني مستغلا في ذلك خروج مصر من معادلة القوة في العالم العربي بتوقيعها لاتفاق منفرد مع إسرائيل.
٣ ــ إن هناك مسائل معلقة لم يتم الاتفاق عليها، وبينها الإسراع في التطبيع وإمداد إسرائيل بالبترول المصري
وفي هذا الاجتماع اتخذ »كارتر« ثلاثة قرارات تمثل ثلاثة اتجاهات متوازية للتحرك في المنطقة:
أولاً: اتفق مع وزير الخارجية علي ضرورة تسريع المفاوضات المصرية ــ الإسرائيلية، وذلك بدعوة »مصطفي خليل« و »ديان« إلي واشنطن لجولة مكثفة من التفاوض تحت إشرافه (إشراف الرئيس كارتر) مباشرة.
ثانيًا: قرر أن يبعث بوزير الدفاع الأمريكي »هارولد براون« إلي الشرق الأوسط لإعادة تقييم الموقف العسكري بعد سقوط إيران في أحضان الثورة الإسلامية وقيادة »آية الله الخوميني«.
وثالثًا: قرر إيفاد مستشاره للأمن القومي »زبجنيو برجينسكي« إلي لقاء ذي طبيعة خاصة مع الرئيس السادات للاتفاق معه علي تكثيف الدور المصري في المنطقة لتعويض غياب إيران، بما في ذلك بحث خطط مشتركة بين مصر والولايات المتحدة للعمل السري، سواء ضد الثورة الإسلامية في إيران أو ضد تأثيراتها في النطاق المحيط بها والذي بدأ يتفاعل مع نداءاتها.
.....................
وطار »برجينسكي« إلي القاهرة للقاء الرئيس »السادات« في الأسبوع الأول من شهر يناير ٩٧٩١، وكان يرافقه مدير وكالة المخابرات المركزية الأميرال »ستانفيلد« وفي صحبتهما عدد من خبراء مجلس الأمن القومي الأمريكي.
كان الرئيس »السادات« في حالة استعداد كامل للقاء »برجينسكي« ولم ينتظره حتي يعرض ما لديه وإنما بادره مشيرًا إلي ما يحدث في إيران وقائلا له: إن ذلك ما كان يحذر منه باستمرار، وأن تردد الولايات المتحدة في سياستها وتباطؤها في التصرف مهما كانت دواعيه، سواء كان السبب من الكونجرس أو مراعاة الرأي العام ــ كل هذه العوامل هي التي سمحت للأمور في الشرق الأوسط أن تصل إلي ما وصلت إليه. وكان تقديره أن الولايات المتحدة لم تبادر إلي إنقاذ الشاه في الوقت المناسب بسبب عقدة فيتنام. وإنه قد آن الأوان للتخلص منها والتصرف بحزم وقوة علي نحو ما فعله هو بمبادرته إلي زيارة القدس.
وقام »برجينسكي« بعرض ما لديه علي الرئيس »السادات« وكان ضمنه خطط للعمل ضد الثورة الإيرانية بما يمنعها من تثبيت حكمها في طهران. كما كانت لديه خطط لإجراءات أمنية تتخذ في عدد من دول الخليج، كما نقل رغبة الرئيس »كارتر« في تسريع المفاوضات المصرية ــ الإسرائيلية والعدول عن ربطها في التوقيت علي الأقل بمشكلة الحكم الذاتي للفلسطينيين ، وبمشكلة أسبقية معاهدة السلام مع إسرائيل علي غيرها من التزامات مصر الإقليمية والدولية، لأن هذه المسائل تتعرض لقضايا شائكة يصعب علي »بيجين« أن يتقبلها بالسرعة الكافية، ويصعب علي الإدارة الأمريكية في نفس الوقت أن تفرضها عليه.
وكان من الواضح أن الرئيس »السادات« قد وجد نفسه أمام عرض، فسره لنفسه بــ»أن الولايات المتحدة تعرض عليه في حقيقة الأمر دورًا يعوض دور الشاه، يقوم فيه هو بدور رجل البوليس المعتمد أمريكيًا في المنطقة«.
وقرر »كارتر« أن يزور منطقة الشرق الأوسط بنفسه وأن يقوم بزيارة لمصر وإسرائيل بقصد تقريب المواقف بينهما بما يؤدي إلي اتفاق،
وتمهيدًا لزيارته للمنطقة قام »كارتر« بإيفاد مستشاره للأمن القومي »زبيجنيو برجينسكي« إلي القاهرة لمقابلة الرئيس »السادات« وإبلاغه برسالة خاصة وسرية لعلمه تقول:
»إن الموقف السياسي الداخلي للرئيس كارتر يضعف بسبب قرب موعد انتخابات الرئاسة. ومن المحتمل كثيرًا أن بيجين يريد أن يري كارتر وقد هزم في انتخابات الرئاسة وحل محله رئيس آخر من الجمهوريين يستطيع أن يتعامل معه أفضل
ويوم ٦ مارس ٩٧٩١، كان »برجينسكي« فعلا يجلس أمام الرئيس »السادات« لينقل إليه رسالة »كارتر« وطبقا لرواية »برجينسكي« في مذكراته فإن الرئيس »السادات« بدا مطمئنًا إلي قدرته علي تطويع موقف »بيجين« وقد قال لــ »بيجين« وقد قال لــ»برجينسكي«: »دع الرئيس كارتر يجيء مطمئنًا، فزيارته سوف تنجح بالتأكيد، وسوف أستعمل السلاح السري الذي احتفظ به وكنت أؤجل استعماله إلي اللحظة المناسبة. وبدأ أن »برجينسكي« مندهش لما سمع عن وجود سلاح سري لدي الرئيس »السادات« وفوجئ »برجينسكي« عندما قال له الرئيس »السادات« إن سلاحه السري هو »ماء من النيل لري مستعمرات النقب«.
ولم يعلق »برجينسكي« بشيء.
كان رئيس وزراء مصر الدكتور »مصطفي خليل« قد سمع هو الآخر من قبل عن سلاح سري لدي الرئيس »السادات« ففي الإسكندرية، وأثناء تعثر المحادثات بين مصطفي خليل و »يوسف بورج« حول الحكم الذاتي، ذهب رئيس الوزراء يشكو لرئيس الجمهورية من تعنت الوفد الإسرائيلي. رد الرئيس »السادات« علي مخاوفه قائلاً له: »اطمئن يا مصطفي، الحل في جيبي«.
وفي مرة أخري أثناء تعثر المفاوضات عاد »مصطفي خليل« يشكو للرئيس »السادات« ونظر إليه السادات بابتسامة عريضة وقال له: إنتم تاعبين نفسكم، وأما أنا فالحل في جيبي« وقال له »مصطفي خليل«: »طيب ياريس.. بدل أن تتركنا دائخين بهذا الشكل، اعطنا الحل« وقهقه الرئيس »السادات« ضاحكًا وقال لرئيس وزرائه: »الإسرائيليون يعرفون ماذا أستطيع أن أعطيهم، وفي الوقت المناسب سوف أقول لكم«.
المصادر:الطريق الى القدس بطرس غالى
مصطفى خليل شاهد على ثلاثة عصور
عواصف الحرب والسلام هيكل