-
℃ 11 تركيا
-
6 مارس 2025
خالد سعد يكتب: "لا إله إلا الله".. شعور التحرر والانقياد معًا
خالد سعد يكتب: "لا إله إلا الله".. شعور التحرر والانقياد معًا
-
5 مارس 2025, 1:54:57 م
-
31
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا إله إلا الله
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وجعل شهادة "لا إله إلا الله" مفتاح الجنة، وسر السعادة في الدنيا والآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، ورب الخلائق أجمعين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
فكلمة لا اله الا الله هي أعظم كلمة نطق بها اللسان، واستنارت بها القلوب، وأشرقت بها الدنيا والآخرة، كلمة لو وُضعت في كفة الميزان، ووضعت السماوات والأرض في الكفة الأخرى لرجحت بهن. إنها كلمة "لا إله إلا الله"، كلمة التحرر والانقياد، كلمة العبودية الصادقة لله، الكلمة التي بها قامت السماوات والأرض، وبُعثت الرسل، ونزلت الكتب، وانقسم الناس إلى سعيد وشقي.
إن "لا إله إلا الله" ليست مجرد شعار يُرفع، ولا كلمات تُقال باللسان دون إدراك لمعناها، بل هي منهاج حياة، وعهد وميثاق بين العبد وربه، تقتضي التحرر من كل عبودية إلا عبودية الله، والانقياد الكامل لأمره، والتسليم المطلق لحكمه.
التحرر من العبوديات الزائفة
إن أول ما تعلّمه هذه الكلمة العظيمة هو التحرر من العبوديات الزائفة، والقيود الباطلة التي تقيد الإنسان في سيره إلى الله، سواء كانت عبودية للشهوات، أو عبودية للأشخاص، أو عبودية للأوهام والمعتقدات الفاسدة.
فالمسلم عندما ينطق بصدق بـ "لا إله إلا الله"، فإنه يعلن تحرره من كل طاغوت، ومن كل قيد يحول بينه وبين الله. فلا يخضع إلا لله، ولا يذل إلا له، ولا يُسلم عقله أو قلبه أو إرادته لأحد سوى الله سبحانه وتعالى. قال تعالى:
"فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [البقرة: 256].
فمن تحرر من عبودية المخلوق، فقد استمسك بحبل النجاة، ومن انقاد للناس وترك الانقياد لله، فقد أضل الطريق.
إن تحرير القلب لله وحده هو أعظم معاني العبودية، فالمؤمن لا يجعل قلبه متعلقًا بأحد غير الله، ولا يخاف إلا الله، ولا يرجو إلا الله، ولا يحب أحدًا كحبه لله، فهو متحرر من كل خوف زائف، ومن كل تبعية مذلة، ومن كل تعلق بغير الله.
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في ذلك حين قال لابن عباس رضي الله عنه:
"إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف" (رواه الترمذي).
فأي حرية أعظم من هذه؟! وأي كرامة أعز من هذا الشعور؟!
الانقياد لله السمع والطاعة المطلقة
إن الشطر الثاني من معنى "لا إله إلا الله" هو الانقياد الكامل لله، والاستسلام التام لأوامره، فلا يُقدِّم المؤمن هواه، ولا منطقه القاصر، ولا عواطفه البشرية على أمر الله.
فالعبد الذي قال "لا إله إلا الله" بصدق، يعلم أن الحكمة كل الحكمة في أمر الله، وأن الخير كله في طاعته، وأنه لا اجتهاد مع النص، ولا خيار مع حكم الله، بل الأمر أمره، والحكم حكمه، والتشريع تشريعه، والعاقبة للمتقين.
قال الله تعالى:
"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا" [الأحزاب: 36].
فلا مجال للعقل أن يعترض على أمر الله، ولا للهوى أن يتدخل، بل يقول المؤمن بلسان قلبه قبل لسانه:
"سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" [البقرة: 285].
الانقياد في الأمور المعقولة وغير المعقولة المعنى
والشريعة الإسلامية جاءت بأوامر بعضها ظاهر الحكمة والمعنى، وبعضها قد يُخفى علينا وجه الحكمة منه.
أما الأمور المعقولة المعنى، فهي التي يدرك الإنسان حكمتها، مثل تحريم الخمر، وتحريم الزنا، وفرض الصلاة والزكاة، حيث يُدرك العقل أن هذه الأحكام تحقق مصلحة دنيوية وأخروية.
وأما الأمور غير المعقولة المعنى، فهي التي لا ندرك حكمتها الكاملة، كعدد ركعات الصلاة، وتفاصيل الحج، وبعض الحدود الشرعية، وهذه الأمور لا تحتاج إلى تحليل عقلي، بل تحتاج إلى التسليم والانقياد.
وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لو كان الدين بالرأي، لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه، ولكنني رأيت رسول الله يمسح أعلاه" (رواه أبو داود).
فالعقل قد يقف عاجزًا عن فهم بعض الأحكام، لكن المؤمن لا يعترض، بل يقول:
"رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" [البقرة: 286].
"لا إله إلا الله".. حياة كاملة
أيها الأحبة، إن هذه الكلمة ليست مجرد لفظ، بل هي منهج حياة، تبدأ بتحرير القلب من التعلق بغير الله، وتنتهي بالانقياد الكامل لأوامره، فلا يعيش المؤمن مترددًا بين الأوامر والنواهي، بل ينطلق بقلب ثابت، مطمئن بأن الله لا يأمر إلا بخير، ولا ينهى إلا عن شر.
فلنحيا بهذه الكلمة، ونجعلها نبراس حياتنا، فنتحرر من كل العبوديات الزائفة، ونسلم قلوبنا وعقولنا لله، فننال عز الدنيا وسعادة الآخرة.
اللهم اجعلنا من أهل "لا إله إلا الله"، ومن أهل السمع والطاعة، ومن الذين تحررت قلوبهم من الخوف إلا منك، وانقادت جوارحهم لك وحدك، واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.








