- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
خالد عكاشة يكتب: تعثر الهجوم المضاد الأوكرانى.. وأبعاد القلق الأمريكى
خالد عكاشة يكتب: تعثر الهجوم المضاد الأوكرانى.. وأبعاد القلق الأمريكى
- 4 سبتمبر 2023, 7:06:34 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الأربعاء الماضى صرح «أوليكسى دانيلوف» رئيس مجلس الأمن القومى الأوكراني؛ بأن سكان روسيا يجب أن يعانوا، فى تلويح مباشر بضرب مزيد من الأهداف بالداخل الروسى. التصريح الأوكرانى جاء تعقيبا على موجة استهدافات باستخدام المسيرات طالت العمق الروسى مؤخرا. هذا المتغير الجديد يفتح تساؤلات عديدة عن التحولات التى يمكن أن تكون كييف قد لجأت إليها، من أجل تعزيز فاعلية هجومها المضاد، حيث سبق تلك الاستهدافات تعرضها لموجة انتقاد قاسية من حلفائها الرئيسيين فى مقدمتهم الولايات المتحدة.
الواشنطن بوست نقلت قبل أسبوع من تلك الهجمات الأوكرانية، عن مصادر وصفتها بالمطلعة، أن تقييم الاستخبارات الأمريكية بشأن كييف يشير إلى أن الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية،أثبت فشله فى تحقيق هدفها بقطع الجسر البرى بين روسيا وشبه جزيرة القرم. ووفقا لهذا التقييم الاستخباراتى فالقوات الأوكرانية نجحت نسبيا فى التقدم على محاور عدة،ما دفعها للظن بأنها تحقق مكاسب تدريجية، لكنها فى الحقيقة تظل دون فاعلية أمام الإخفاق فى اختراق خط الدفاع الرئيسى للقوات الروسية حتى الآن.
ولا تعتقد الولايات المتحدة أن مقاتلات «F – 16» أو الصواريخ طويلة المدى يمكن أن تشكل علاجا حاسما لتلك المعضلة، فهى ترى أن هناك خللا تكتيكيا فى أداء وحدات القتال الأوكرانية الموجودة على خطوط التماس مع قوات الدفاع الروسية، فالأخيرة أثبتت صلابة وكشفت قدرتها على صد الهجمات الأوكرانية أكثر من مرة، وأنها تتمتع بجاهزية وفاعلية لم تمكن الجيش الأوكرانى من الاتيان بحلول لها بعد.
هذا التقدير الأمريكى ربما يفسر جزئيا، ما قامت به كييف من تجاوز حوائط الصد الدفاعية الروسية ولجوئها إلى الاستخدام المكثف للمسيرات بالداخل الروسى، عوضا عن الإخفاق البرى الذى لم يتحقق فيه إنجاز ذو بال. واعتمد الجيش الأوكرانى فى ذات الوقت تكتيكا استخدمه قبلا، وهو التنويع المتزامن لعديد من الأهداف بهدف تشتيت الجهد العسكرى الروسى، والايحاء بقدرته على شن أكثر من هجوم مختلف فى وقت واحد.
لهذا تزامن مع هجوم المسيرات المكثف؛ محاولة إنزال بحرية عبر البحر الأسود لتنفيذ عملية تجاه الأسطول الروسى فى هذه المنطقة المهمة، لكن يبدو أن الجانب الروسى تمكن من اجهاض هذه العملية، بعد أن أذاع نجاح طائرات أسطوله البحرى فى تدمير 4 زوارق سريعة أوكرانية، لتتكبد المجموعة المظلية سقوط 50 من عناصرها وتتعثر العملية برمتها. لكن تظل هناك رواية أوكرانية تحمل دلالات مختلفة، فيما يخص هجوم المسيرات بعيدة المدى التى باتت بديلا لطرازات الصواريخ التى لم تصل أوكرانيا حتى الآن.
فالمصادر الأوكرانية تفسر إخفاء الجانب الروسى تفاصيل ما جرى فى مطار «بسكوف» الواقع على مسافة 800 كم داخل عمق الأراضى الروسية، والاكتفاء بالاعتراف بتعرضه للهجوم دون الإفصاح عن حجم الخسائر الروسية، بالتأكيد على تعرضه لضربة مباشرة. التفاصيل كشفها «أندريه يوسوف» ممثل مديرية المخابرات العسكرية الأوكرانية، بأن هذا الهجوم الأوكرانى الذى وقع ليلة 29 إلى 30 أغسطس خلف تدمير أربع طائرات روسية وتضررت طائرتان أخريان، بعد أن نجحت 21 طائرة مسيرة أوكرانية من تجاوز الدفاعات الروسية، والوصول إلى محيط المطار بحمولاتها الناسفة.
ويدلل الأوكرانيون على فداحة الخسائر الروسية، بما تعرضت له كييف من هجوم هستيرى انتقامى بعد أقل من يوم واحد مما جرى فى بسكوف، فقد تعرضت العاصمة لأقوى هجوم روسى منذ الربيع الماضى، حيث جاء بمثابة الرد السريع على إصرار كييف توجيه المسيرات بعيدة المدى نحو موسكو ومحيطها. الجانب الأوكرانى يحاول بشتى الطرق؛ أن يثبت بأنه مازال قادرا على تهديد المجال الجوى الروسى، وهو يشير بطرف خفى للولايات المتحدة بأن الهجوم المضاد مازال فى جعبته بنك متنوع ومرن من الأهداف، لا يجب قصرها فقط على النجاح فى الاختراقات البرية العنيدة، بل هناك تكتيكات مرنة يمكنه من خلالها نقل المعركة إلى الداخل الروسى.
وهذه نقطة قد لا يرتاح الجانب الأمريكى لها، ولا يعتبرها حصادا حقيقيا أو مكسبا ملموسا بذات الوزن الاستراتيجى لاسترداد المدن واستعادة أجزاء من الأراضى التى استولى عليها الجيش الروسى. فى هذا السياق جاءت افتتاحية وول ستريت جورنال قبل أسبوع مضى، تنتقد ما يهمس به المسئولون الأمريكيون للصحافة حاليا،
بأن الجيش الأوكرانى لا يرقى إلى مستوى أداء مرض فى أكثر المعارك دموية فى أوروبا منذ عقود. واعتبرت الصحيفة أنه من غير اللائق أن تحجب إدارة الرئيس بايدن عنهم القوة النارية الثقيلة التى يحتاجونها لدحر الغزو الروسى، ثم تأسف لعدم استعادة كييف مساحة كافية من أراضيها بسرعة. فالأوكرانيون من وجهة نظرهم يبذلون كفاحا مريرا لاختراق الدفاعات الروسية شديدة التحصين، لهذا تبرز حاجتهم إلى مزيد من المساعدة لإزالة المتفجرات والألغام، التى تمثل العائق الرئيسى لتقدمهم فى هجومهم المضاد.
كما أضافت وول ستريت أن الهجوم المضاد لا يزال فى أيامه الأولى، ولم ترسل أوكرانيا بعد معظم قواتها التى دربها الغرب. لذلك تنتقد المسئولين الأمريكيين، الذين يخبرون وسائل الإعلام طوال الوقت ودون سند أن الأوكرانيين لا يتفوقون فى تكتيكات الأسلحة المشتركة. رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية تحدث أمام عدد من الصحفيين، معللا عدم حماسة الولايات المتحدة لتزويد أوكرانيا بمقاتلات «F – 16»، بحجة أنها باهظة الثمن، وتحتاج إلى سنوات لتدريب الطيارين وسنوات لصيانتها واستدامتها. حينها حذر الحاضرون من أن فاتورة هذا التردد اقترب موعد استحقاقها، فتآكل الدعم السياسى فى الداخل الأمريكى شبح يطارد بايدن بالسؤال عما تنجزه واشنطن، وما تستشعر من قلق هل هو مبرر أم هى صانعة له دون أن تدري؟.