- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
ديفيد هيرست: أمريكا ستواجه 3 صراعات إذا شنت إسرائيل عملية ضد إيران
ديفيد هيرست: أمريكا ستواجه 3 صراعات إذا شنت إسرائيل عملية ضد إيران
- 7 يناير 2022, 8:59:03 ص
- 721
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
وصلت المحادثات النووية في فيينا إلى مرحلة حرجة، حيث تخوض الأطراف المفاوضة الجولة الثامنة دون بوادر حقيقية لتضييق الفجوات بينهم.
ويريد المحاورون الأوروبيون صفقة سريعة على أساس رفع جزئي للعقوبات وتجميد عمليات التخصيب والعودة الكاملة للرقابة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. بينما يريد الإيرانيون عودة كاملة إلى الصفقة التي أبرموها عام 2015، ورفع جميع العقوبات المفروضة عليهم، وضمان عدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق مرة أخرى، ونظام عملي للتحقق.
ومن بين هذه الشروط، فإن أصعبها هو التحقق. ومن وجهة نظر الحكومة الإيرانية الحالية، كان عدم وجود نظام للتحقق هو السبب الرئيسي لفشل الاتفاق الأصلي، فقد سمح ذلك لإدارة "أوباما" بمواصلة العقوبات. وتحت ضغط من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "بنيامين نتنياهو"، انسحب "ترامب" من الاتفاق النووي الإيراني وبدأ سياسة "أقصى ضغط".
وعكس "جو بايدن" الكثير مما فعله "ترامب" في أيامه الأولى في منصبه، لكنه لم يعكس بشكل كبير هذه السياسة التي استمرت حتى يومنا هذا.
تهديدان كبيران
ويلوح الأوروبيون (بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي) بما يظنون أنهما تهديدان كبيران لإيران في حالة انهيار المحادثات. الأول هو العودة إلى عقوبات الأمم المتحدة، لأن المحادثات لن تنهار فحسب، بل ستذهب معها خطة العمل الشاملة المشتركة أيضا. والثاني هو "الخطة ب"، أو التهديد بضربات جوية إسرائيلية بدعم أمريكي.
وتعد العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة أضعف وأكثر محدودية، وقد تم تنفيذها بالفعل في إطار العقوبات التي فرضها "ترامب".
ولن تمثل الأمم المتحدة نقطة ضغط لإيران. ومن ناحية أخرى، فإن انهيار خطة العمل الشاملة المشتركة يعني طرد فرق التفتيش النووية التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفي ظل الوضع الحالي، علقت إيران حق الوكالة الدولية للطاقة الذرية بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة في إجراء عمليات تفتيش تدخلي على المنشآت النووية، ونزعت 4 من الكاميرات التابعة لها في "كرج" (حيث تم بناء أجهزة الطرد المركزي) وذلك بعد أن قامت إسرائيل بتخريب الموقع في يونيو/حزيران من العام الماضي. وتم الآن إعادة تركيب هذه الكاميرات، لكنها لا ترسل بياناتها إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ولكن من أجل إنجاح المحادثات في فيينا، لابد أن يتم تسليم هذه المواد المصورة، والتي تحتفظ بها إيران حالياً. أما فيما لو انهارت خطة العمل الشاملة المشتركة فإن أي دليل حيوي حول التخصيب سوف يتم إتلافه، ولسوف يفقد المفتشون الدوليون تارة أخرى القدرة على رؤية ما يجري داخل برنامج التخصيب النووي الإيراني.
حرب أخرى
ومن شأن شن غارة جوية إسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية ومراكز القيادة والتحكم وأنظمة الدفاع الجوي، أن تؤدي إلى اندلاع أكبر حرب إقليمية منذ غزو العراق عام 2003. وسيتسبب ذلك في خسائر مدنية واسعة النطاق، ويشل إنتاج النفط في الخليج، ويطلق العنان لضربات جوية استباقية في جنوب لبنان وربما أيضاً في قطاع غزة.
وستطلق إيران ووكلاؤها مئات الصواريخ على منشآت نفطية في الخليج وكذلك على أهداف عسكرية في إسرائيل. ولا ينبغي أبدا الاستخفاف بخطر وقوع حرب أخرى في الشرق الأوسط، لأن جزءا كبيرا من المنطقة أصبح بالفعل في حالة تأهب. ولا أعتقد أن الإدارة الجديدة لـ"إبراهيم رئيسي" تخادع عندما تقول إنها مستعدة لشن تلك الضربات.
ويجب على قادة إسرائيل دراسة التكلفة والفائدة لأي ضربة عسكرية قد تخطر ببالهم، فلن تسمح أذربيجان للمقاتلات الإسرائيلية باستخدام مطاراتها لتنفيذ مثل تلك الضربة، بالرغم أن الطائرات الإسرائيلية المسيرة استخدمت تلك المدارج للقيام بمهام تجسسية داخل إيران. وبذلك لا يبقى أمامهم سوى القيام بضربة مباشرة من داخل إسرائيل نفسها.
ويشير المحلل الإسرائيلي "يوسي ميلمان" في مقال له في "هآرتس" إلى أنه حتى لو نجحت طائرات "إف-35" الإسرائيلية (المحملة بالكامل وتحتاج إلى التزود بالوقود في الجو) في تجاوز المجال الجوي الأردني والعراقي دون أن يتم اكتشافها، وهذا أمر مستبعد جدا، فسيكون لديها فرصة واحدة فقط لشن هجوم يشل المنشآت النووية ومراكز القيادة وأنظمة الدفاع الجوي.
وحتى لو نجحت هذه المهمة بنسبة 100%، فمن غير المرجح أن تحقق أي شيء بخلاف انتكاسة مؤقتة لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني. وسوف تعيد إيران "البناء بشكل أفضل"، كما فعلت بعد كل عمل تخريبي أو اغتيال. وكانت هذه هي الحجة التي قدمتها إدارة "بايدن" لإسرائيل عندما استؤنفت المحادثات.
وقالت الولايات المتحدة في ذلك الوقت إن ضرب إيران يقدم انتصارا تكتيكيا لإسرائيل وليس استراتيجيا، وسيكون الشيء نفسه أكثر صحة الآن. علاوة على ذلك، سيتم تأطير رد إيران على أنه انتقام مشروعا رداً على عدوان حربي تعرضت له.
وبالرغم أن إيران لم تعترف بمسؤوليتها عن أي من الهجمات التي شنت باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة على شركة أرامكو ولا عن الهجمات على ناقلات النفط التي كانت ترسو في الموانئ الإماراتية عام 2019، إلا أن ذلك يثبت قدرتها على إلحاق قدر كبير من الأذى بأي بلد عربي قد يساعد في الهجوم عليها.
ويكفي أن نعلم أن إنتاج النفط السعودي انخفض إلى النصف لأسابيع بعد الهجوم على "أرامكو". ولا يدخل في هذه الحسبة ما يمكن أن تفعله الصواريخ الاستراتيجية الإيرانية وترسانة "حزب الله" الصاروخية لو تم استهداف إسرائيل نفسها.
ولا أحد أكثر وعيا بضعف الدول الخليجية أمام الضربات الإيرانية أكثر من الإماراتيين والسعوديين أنفسهم. ومنذ الهجمات الإيرانية على الخليج، تحرص أبوظبي والرياض على التعامل بلطف مع إيران. وتجدر الإشارة إلى أن الإمارات لم تلم إيران رسميا على الهجمات على الناقلات التي تستخدم موانئها.
ومنذ ذلك الحين، وقعت الإمارات صفقة مع إيران تسمح للإماراتيين بفتح طريق تجاري بري إلى أوروبا عبر تركيا، ما يختصر الوقت الذي تستغرقه الرحلة من الإمارات إلى أوروبا من 20 يوما إلى 7 أيام، كما تغيرت نغمة الخطاب السعودي تجاه إيران.
البراجماتية الخليجية
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير "فيصل بن فرحان" هذا الأسبوع عن إيران: "يمد العرب أيديهم إلى الأشقاء في إيران إذا استجابوا للمخاوف العربية بشأن القضايا التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها مثل دعم المليشيات الإرهابية والسعي لامتلاك أسلحة نووية".
وقد أضعفت البراجماتية التي تظهرها أبوظبي، وبدرجة أقل الرياض، من الأمل في أن يؤدي التطبيع العربي مع إسرائيل إلى إنشاء محور نشط مناهض لإيران، أو ما يعرف بـ "الناتو العربي".
ومن الدلائل على تلك المقاربة الإماراتية التي لسان حالها "خذ أو اترك" إزاء صفقة مع إسرائيل حول خط الأنابيب الذي من المفترض أن ينقل النفط من إيلات إلى عسقلان. هناك العديد من الأسباب لذلك، ليس أقلها الأثر الذي ستتركه مثل هذه الصفقة على حركة المرور عبر قناة السويس، ولكن منها أيضاً العلاقات المتنامية بين أبوظبي وإيران.
وكل هذا قبل أن نأتي إلى "بايدن". فهل يمكن لأي زعيم لبلد اهتز حتى النخاع من جائحة "كوفيد -19" وما زال في حالة أزمة، أن يبدأ حربا في الشرق الأوسط ينجم عنها تساقط الصواريخ فوق منطقة الخليج وبلاد الشام؟ هل يمكن أن يكون لدى أي رئيس في الولايات المتحدة، عيناه مركزتان على التعافي الاقتصادي الهش، الاستعداد للسماح بارتفاع أسعار النفط ضعفين أو ثلاثة أضعاف نتيجة لذلك؟
بالطبع، الإجابة الواضحة في الحالتين هي لا. بمعنى آخر، يتم تهديد إيران بأوراق تعلم أنه من غير المحتمل أن تجازف واشنطن باللعب بها.
لا أوراق يمكن اللعب بها
وتعد الحقيقة الواضحة هي أن الدبلوماسيين الأوروبيين والأمريكيين في فيينا فقدوا نفوذهم على إيران. لقد عرضوا البلد إلى أسوأ ما بإمكانهم فرضه عليه، ولم تنجو إيران فحسب، بل أصبحت أقوى. وينبغي للصقور في الغرب الانتباه إلى رد الفعل الذي قد تضطر إليه روسيا والصين نتيجة انهيار محادثات فيينا. وهذا هو الاختلاف الأكبر بين 2015 واليوم.
ولدى كل من الرئيسين "فلاديمير بوتين" و"شي جين بينج" مجموعة من الأسباب ما يمنعهما من اللعب وفقاً للشروط الأوروبية والأمريكية. فقد تدهورت علاقتهما مع واشنطن حتى وصلت إلى النقطة التي يصعب عندها التعاون معها في أي قضية.
ويطالب "بوتين" بانسحاب حلف "الناتو" من حدود أوروبا الشرقية مع روسيا، فيما يبقي الرئيس الروسي 90 ألف جندي على أهبة الاستعداد لغزو أوكرانيا. وأظهر "شي" عزمه على إعادة توحيد تايوان مع البر الرئيسي للصين. وكما أظهرت المحادثات في فيينا بشكل واضح، يحظى الوفد الإيراني بدعم واسع من كلا القوتين. وبذلك تصبح النزاعات الثلاثة مترابطة بشكل علني.
ويتوجه الرئيس الإيراني "رئيسي" إلى موسكو الشهر المقبل، فيما يسافر وزير خارجيته إلى الصين. ومن شأن ذلك أن يفتح الباب أمام رد روسي وصيني على أي هجوم على إيران. وهنا مرة أخرى، يُصدر "بايدن" تهديدات لـ"بوتين"، مثل حرمان روسيا من نظام التحويل المصرفي السريع في حال غزو أوكرانيا، الأمر الذي قد يأتي بنتائج عكسية على أوروبا الغربية. فكيف ستدفع ألمانيا ثمن الغاز الروسي، على افتراض أنها ستستمر في الحصول عليه؟ هل يحدث ذلك عن طريق سحب حقائب مليئة بالدولارات عبر الحدود البولندية؟
وهنا لابد من قول إن الأوراق الحقيقية مع الزعيم الروسي. ويمتلك كل من "بوتين" و"شي" القدرة على جعل الحياة صعبة للغاية على الصقور الغربيين. وبدلا من ترويض روسيا والصين، تدفع الولايات المتحدة بهما إلى أحضان بعضهما البعض، بالرغم أن التاريخ يخبرنا أنهما ليسا حليفين طبيعيين. وفي عام 2015، كانت الولايات المتحدة هي القائد المعترف به للمعسكر الذي فرض التنازلات على إيران. والآن الأمر ليس كذلك.
وقال مصدر إيراني في فيينا: "المشكلة هي أن الأوروبيين والأمريكيين يلعبون لعبة لا يملكون فيها المزيد من النفوذ. فإذا كانت هناك عقوبات أكثر من أقصى ضغط، لكان ترامب قد استخدمها بالفعل. لقد نفدت أوراقهم".
وسوف يتطلب الأمر رئيسا أمريكيا حكيما وواثقا من نفسه لعكس المسار والتصرف بذكاء مع إيران وروسيا والصين. ولكن "بايدن" ليس هذا الرجل. وتعد التحديات المحلية أكبر من أن تتحمله هذه الإدارة، وليس أقلها العودة المحتملة لـ "ترامب" في عام 2024.
وحتى لو قدم فريق التفاوض الأمريكي في فيينا تنازلات بشأن العقوبات، فمن المشكوك فيه أن يمر ذلك من خلال الكونجرس.
وأثبت الإصرار الإيراني على الضمانات والتحقق أنه توجه حقيقي وليس مجرد كلام للمساومة. وما لم تحدث معجزة في فيينا، لن تكون الولايات المتحدة قادرة على قبول الحد الأدنى من متطلبات إيران، وستقرر إيران أنها تستطيع تحمل العواقب. ونتيجة لذلك، فإن جهدا دبلوماسيا نادرا استغرق 5 أعوام للتفاوض عليه، وهو خطة العمل الشاملة المشتركة، سيموت موتا طبيعيا.
خلاصة القول هي أن كل ما يطالب به فريق "رئيسي" هو ما وافقت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الأصل. وإذا فشلت محادثات فيينا وماتت خطة العمل الشاملة المشتركة، فلن يكون "روحاني" ولا "رئيسي" من قتل هذا الاتفاق في نهاية المطاف. لكن سيكون من فعل هذا هم "أوباما" و"ترامب" و"بايدن" كل وفق دوره.
المصدر | ديفيد هيرست/ميدل إيست آي