- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
د. بن غربي احمد يكتب: "دولة إسرائيل الكبرى'' حلم عبر الحروب
د. بن غربي احمد يكتب: "دولة إسرائيل الكبرى'' حلم عبر الحروب
- 19 أبريل 2023, 1:11:57 ص
- 576
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
د. بن غربي احمد استاذ قانون دولي بجامعة الجزائر
عرّف " ديفيد بن غوريون"وهو أول رئيس حكومة اسرائيلية مؤقتة بأن الامن القومي الاسرائيلي يعبر عن الدفاع الوجودي لإسرائيل ، وهو بهذا المعنى يرى ان مسألة الأمن القومي الاسرائيلي مسألة حياة أو موت لكل فرد من افراد الكيان الاسرائيلي .
وهاته العقيدة جاءت مؤطرة وتم الكشف عنها ضمن نظرية "الأمن القومي للدولة العبرية"، التي وضعها بن غوريون في بداية الخمسينيات من القرن العشرين ، والتي ترمي الى الاستحواذ والتفرد بمصادر القوة دون غيرها من دول الشرق الاوسط، بما يمكنها من تنفيذ خططها العدوانية الاستعمارية وطموحها التوسعي واقامة دولة اليهود الكبرى .
غير ان هاته النظرية والاستراتيجية التي تم وضعها لن تجد تطبيقا لها في ظل بيئة متماسكة ومستقرة ومعززة بعناصر قوة وحماية ،حيث تحتاج الى تثبيت اركان الكيان كدولة ، ثم وصولا الى مرحلة يكون فيها دولة محورية تفرض منطق قوتها واجندتها على دول الاقليم وعلى العالم ايضا ، فمن هنا فإسرائيل تبحث دائما في ظل الحروب والنزاعات الدولية وغير الدولية التي تفتعلها احيانا على بيئة اقليمية هشة مفككة لتتمدد بشكل تدريجي لتثبت اركان وجودها ، فهي تدرك جيدا ان امتلاك اسباب القوة المادية العسكرية وحدها لن يمكنها من تنفيذ مشروعها ،بل يجب عليها ايجاد بيئة ملائمة لذلك ولعل الحروب هي اهم المحطات الكبرى التي تمكنها من تجسيد مشروعها على الارض .
ومن هذا المنظور وفي ظل انعكاسات الحرب الروسية الاوكرانية على العديد من مناطق بالعالم قد اجد في تقديري انه هناك فكرة مشتركة بين المشروعين الروسي وتنفيذ اجندته في محيط الدولة وتأمينها وبين المشروع الاسرائيلي وايجاد نقاط توتر بينه وبين ايران واذرعها المتواجدة في العديد من البلدان العربية ، كما انه و بالاعتماد على السياق التاريخي للحركة الصهيونية واستثمارها في النزاعات الدولية ذات الاهمية الكبرى ، وايضا الموقف من الحرب الاوكرانية وانعكاسات ذلك على نفوذها وقوتها في المنطقة ، يمكن ان اجد نقاط ترابط كفيلة بان تعزز فكرة محاولة التفكير في انشاء التحالف العربي الصهيوني في المنطقة في مواجهة الخطر الايراني وفق نظرة الكيان الاسرائيلي المتعلقة بالأمن القومي والذي يبدوا انه يواجه تحديات غير متوقعه تعيق تحقيق الطموح الاسرائيلي و من اهمها التقارب السعودي الايراني وتدخل الصين كوسيط في المنطقة .
وتأسيسا على فكرة النزاعات الدولية والتوترات الداخلية التي تشكل بيئة مواتية لتمدد الكيان الاسرائيلي في المنطقة نجد الحربين العالميتين الأولى (1914-1918)و الثانية (1939-1945)اللتين غيرتا جيوبوليتيك مناطق كثيرة من العالم لاسيما منها منطقة الشرق الأوسط، والتي اسست لوجود نواة تواجد الكيان على ارض فلسطين المحتلة ، حيث كانت البداية من خلال انهاء الخلافة العثمانية وتقسيم تركتها الى دول مستعمرة من طرف قوى غربية وفق اتفاق (سايكس- بيكو) بين الفرنسيين والإنجليز على تقسيم الوطن العربي والاسلامي ،حيث استغلت الحركة الصهيونية الناشئة الحرب وكان وعد بلفور 1917 ورقة تفاهمات بريطانية اسرائيلية مهد لتمكين اليهود من التواجد بشكل مكثف على ارض فلسطين تحت رقابة وحماية الانتداب البريطاني ، واثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945) قامت القوى الصهيونية بتهجير اليهود الالمان الى الاراضي الفلسطينية المحتلة من طرف بريطانيا وبتدبير اسرائيلي وكان هناك تحالف اسرائيلي بريطاني له اهدافه منها تشكيل جيش اسرائيلي في ظل الحرب ومساندة بريطانيا ، ثم تأمين موقف بريطاني تجاه بقاء القوى الصهيونية على الاراضي الفلسطينية ، التي هي تحت الانتداب ،وهي مقدمات اعلان الدولة اليهودية ،كما صرح به بن غورين امام اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية بتاريخ 8/09/1939 اي اسبوع بعد اندلاع الحرب .
و قد صدقت قراءة بن غورين في فرض استراتيجية الكيان وذلك عبر قرار جمعية الامم المتحدة رقم 181الصادر بتاريخ 29 نوفمبر1947 الذي تبنى مشروعا يتعلق بتقسيم دولة فلسطين القابعة تحت الانتداب البريطاني الى دولتين، إحداهما فلسطينية والاخرى يهودية ،هذا القرار يشكل الاساس القانوني لنشأة و الاعتراف بدولة الكيان المحتل الاسرائيلي من طرف المجتمع الدولي و اعطى المبرر القانوني للمنظمات اليهودية بالإعلان عن انشاء دولة اسرائيل في 14ماي 1948 دون توضيح حدودها.
ثم تلتها حروب متعددة ومتتالية حيث شهدت المنطقة حرب1956 التي تعتبر ممهدة لمرحلة قادمة وفرض امر واقع على قناة السويس ثم تلتها حرب 1967، التي تحوّلت معها إسرائيل من مجرد احتمال إلى أمر واقع وإكراه سياسي وعسكري على دول المنطقة . ولذلك باتت الحرب مفصلًا محوريًا في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي حيث شكّلت حرب 1967 هزيمة كبرى للجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية، ثم حرب 1973 التي مهدت الى توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 وبذلك صارت مصر اول دولة عربية بشكل رسمي تقيم علاقة طبيعية والكيان الاسرائيلي ومن أبرز بنود المعاهدة اعتراف كل دولة بالأخرى والإيقاف التام لحالة الحرب الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة في عام 1967. ثم حرب الخليج الاولى والثانية التي اطاحت بقوة العراق وتفتيت جيشه واظهرت الدور المتقدم للكيان في المنطقة ، و احداث 11 سبتمبر 2001 وما احدثته من تغيير كبير في موازين القوة الدولية وانتهاج امريكا اسلوب التخويف والترهيب وعملت على تحديد محور الشر والمحور الحليف ، صارت الدول العربية تنأى بنفسها عن أي علاقة تربطها بفكر الجهاد او المقاومة حتى لا تكون على مرمى نيران الولايات المتحدة الامريكية ،كما ان الكيان الاسرائيلي صار شريكا استراتيجيا للولايات المتحدة الامريكية في محاربة الارهاب ،هاته المقدمات كان لها الاثر البالغ في اعتماد "مبادرة السلام العربية"2002 والتي رفضتها اسرائيل بيوم واحد من انعقادها ،اين قامت قواتها المحتلة في 29 مارس من عام 2002 بحملة عسكرية احتل فيها العديد من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.
ثم ان احداث الربيع العربي التي كانت بدايتها عام 2011 التي برزت فيها قوى اقليمية لها تأثير على مجريات الاحداث واخرى دولية منها ايران وتركيا وبعض الدول الخليجية بالإضافة الى تنامي الدور الروسي الصيني في اعادة ترتيب موازين القوة بالمنطقة ، مما سمح بتنافس دولي مكثف في المنطقة تجد اسرائيل نفسها مجبرة على اعادة قراءة الواقع الجديد الذي يهدد مشروعها الاستراتيجي المؤسس على نظرية الامن القومي الاسرائيلي ، حيث ضغطت بكل قواها على الرئيس السابق الامريكي "ترامب " بان ينفذ ما يسمى بصفقة القرن واقامة علاقات استراتيجية وبعض الدول العربية وهو ما يعرف بالتطبيع التي كانت بداية في الموجة الثانية من دولة الامارات وشملت دولا عربية اخرى كالبحرين والمغرب والسودان وهو مقدمة لإنشاء تحالف عربي –اسرائيلي من منظور امني ولعل اجتماع النقب في اواخر شهر مارس 2022 احد الرسائل في هذا الاتجاه .
كما انه من جهة اخرى فإن موقف الكيان الاسرائيلي ومخاوفه من انعكاسات الحرب الاوكرانية الروسية على الامن القومي الاسرائيلي له دلالات موضوعية يمكن الاسترشاد بها في فهم التوجهات المستقبلية للكيان في المنطقة ،حيث ان الموقف الاسرائيلي شهد اضطراب وغموض في بدايته وهذا ناتج عن اشكالية الحفاظ على العلاقة المتميزة والقوية بين إسرائيل و أميركا ،و دول حلف الناتو وأوكرانيا من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وترابط المصالح و طرفي الحرب الروسية والأوكرانية، ذلك انه من مرتكزات السياسة الاسرائيلية هي التسلل الى مراكز القرار والنفوذ الدولية دون ان نغفل على العلاقة الخاصة بين الرئيس الأوكراني " فولوديمير زيلينسكي" وبين الكيان الإسرائيلي وذلك من حيث ديانته اليهوديه وجنسيته الاسرائيلية التي ترجمت في مختلف مواقفه المساندة للسياسة الإسرائيلية . فالموقف الإسرائيلي في بدايته احذ شكل الحياد وقد حاول اجراء الوساطة بين طرفي النزاع وبصرف النظر على هدف الكيان المتعلق بزرع فكرة “الإسهام الإسرائيلي في السلام العالمي” الا ان ذلك يشير إلى حرج إسرائيلي واضح ،والمتعلق بعدم المخاطرة بإلحاق الضرر بالعلاقة مع واشنطن والرغبة الإسرائيلية في عدم استفزاز القيادة الروسية التي تربطها علاقة جيدة، ولذلك عمل الكيان الإسرائيلي من خلال الوساطة ومواقفه محاولة الموازنة في علاقته بطرفي النزاع بشكل لا يترتب عليه خسارة استراتيجية له. غير ان دخول إسرائيل في المشهد الروسي الأوكراني في وضع المحايد واللعب دور الوسيط اعقبه التذبذب في القرارات ، اين قامت بالتصويت لصالح قرار الجمعية العامة بإدانة العدوان الروسي على أوكرانيا، وهو ما أعقب إدانة وزير الخارجية الإسرائيلي “يائير لابيد” للعدوان الروسي على أوكرانيا، واصفًا إياه بالانتهاك الخطير للقانون الدولي. وقد ظهر رد الفعل الروسي جليًا على تلك التصريحات من خلال إعلان روسيا عدم الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة وتلاه بعد ذلك قرارغلق مكاتب الوكالة اليهودية للهجرة لإسرائيل وهو تعبير مضاد على مواقف الكيان الاسرائيلي . أما الولايات المتحدة الأمريكية، فعلى الرغم من تعبيرها عن تفهمها للمصالح الإسرائيلية مع موسكو، إلا أنها لم تقبل بخروج إسرائيل عن سياق الموقف الأمريكي تجاه الأزمة و الضغط عليها بتحديد موقف واضح بالمشاركة في العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا وايضا تزويد اوكرانيا بالأسلحة .
وعلى هذا النحو فإن محاولة اجراء الوساطة هي محاولة فاشلة جاءت للتملص من اتخاذ موقف واضح ينعكس على علاقاتها بين الطرفين والذي سيكلفها الكثير منها ان روسيا متواجدة بقواتها على الارض السورية التي تسبب مشاكل عسكرية وأمنية حساسة للكيان الاسرائيلي، واي خطأ في الموقف سينعكس بالسلب على امنها وحتى تعمل القوات الإسرائيلية في الاستمرار بتنفيذ خططها بالمنطقة لابد من تفاهمات وروسيا في العديد من القضايا منها اوكرانيا وخصوصا اذا ما كانت مخاوف من امتلاك سوريا منظومة دفاعية اس400 و صواريخ متطورة كما ان اسرائيل كانت ترى في روسيا جزء من عملية التفاوض على الملف الايراني لمنع اي اتفاق بشان البرنامج النووي الذي يشكل هدفا استراتيجيا للكيان الى جانب ذلك فإن روسيا لا تمانع وتتعاون ودول عربية واخرى في المنطقة بتنفيذ برنامج نووي كالذي يطمح اليه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان و مفاعل "آق قويو" التركي الذي اعلن عن تدشينه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في 30/03/2023واحتمال حضور الرئيس الروسي بوتين الامر الذي يسمح لتركيا دخول النادي النووي وهو الامر الذي لا تستسيغه اسرائيل . وتحت هذا الوضع فالكيان الاسرائيلي بقيادة نتنياهو سوف يجري حسابات دقيقة عند اتخاذ أي موقف تجاه الحرب في اوكرانيا وان تم ذلك فهو تحت ظروف اضطرارية (ضغوط أمريكية شديدة) أو وجود تقارب استراتيجي بين ايران وروسيا الذي يشكل تهديدا وجوديا للكيان ويمس بالمصالح الأمنية الإسرائيلية وفق نظرية الامن القومي الاسرائيلي كما تطرق اليه مؤتمر معهد ابحاث الأمن القومي الاسرائيلي في هذا الشهر الجاري ،
ولذلك من المحتمل ان تكون هناك إمكانية مقايضة التأييد الإسرائيلي الكامل لأوكرانيا، بتعهدات أمريكية واضحة بوضع الخيار العسكري على الطاولة ضد إيران بهدف منعها من تصنيع السلاح النووي وخاصة بعد وصولها العتبة المطلوبة التي تجده اسرائيل تهديدا وجوديا كما اشارت اليه مخرجات المؤتمر ، بالإضافة الى خفض الولايات المتحدة الامريكية من ضغطها على حكومة الكيان بإجراء عملية التفاوض مع السلطة الفلسطينية وإعادة طرح حل الدولتين التي تتجاهله حكومة نتنياهو في الوقت الراهن . كما انه من زاوية اخرى بصرف النظر عن منطق الخسارة او الربح ومآلات ذلك في الحرب الاوكرانية الروسية ،فإن المواقف الغربية ظهرت في البداية عدم التماسك والتململ وطفت للسطح فكرة ضعف قدرات الغرب في ادارة اي نزاع مستقبلا وبسط قراراته وبالمقابل وضوح وقوة الموقف الروسي المتصاعد في الحدة والمتسع في تشكيل محورا اكثر صلابة ،هذا التغير جعل من العديد من الدول ومن القوى والكيانات ما دون الدول ان تستثمر في هذا الوضع ،كما انه هناك اخرى اعادت حساباتها وعلاقتها بأمريكا والغرب عموما التي تحاول ان تضع منطقة الشرق الاوسط بعيدة عن الاولويات مما يجعلها اكثر عرضة للزيادة في التوترات وتنامي الصراعات التي تشكل بيئة سانحة للعديد من التهديدات منها رؤية الكيان الاسرائيلي وفق منظور الامن القومي وبروز كيانات وجماعات ارهابية تهدد دول المنطقة . كما ان علاقة روسيا ببعض الدول العربية لها ابعاد استراتيجية متعددة النسق منها الاقتصادية واخرى عسكرية وامنية وان الحرب الاوكرانية الروسية فرضت منطق العقوبات الاقتصادية ،
مما يشر ذلك الى تعقد العلاقات بينها وبين روسيا وبينها وبين الدول الغربية الامر الذي تختل معه استراتيجية الكيان في المنطقة وهو امر متسارع يفرض على الكيان استدراكه قبل تفاقمه مع الوقت . كل هاته المحطات من التاريخ والحاضر تجعلنا نميل الى الاعتقاد بان الكيان الاسرائيلي سوف يستغل الاوضاع بشكل براغماتي ويعزز نفوذه في المنطقة على قواعد استراتيجيته المتعلقة بالأمن القومي الاسرائيلي وتنفيذ اجندته على رغم وجود تحديات تعطل تسارع تحقيق مشروعه . فمشروع “الأمن القومي الاسرائيلي ” بحسب الرؤية الاسرائيلية ينظر الى عملية التسوية الجارية حاليا بين ايران وبعض الدول العربية وعلى راسهم المملكة العربية السعودية بأنها ليست اتجاها نهائيا، يمنع من تطبيق المشروع الاسرائيلي الذي لا يقوم على مبدأ التوازن المتبادل بل على منطق القوة والتفوق في المنطقة ، بل هو اختبارا مرحليا يمكن تجاوزه بإعادة ترتيب الأوضاع العسكرية والامنية ،ووضع وخطط استراتيجية لتعزيز مصالحه وتحقيق المكاسب في المجالات الاقتصادية والسياسية والصناعية وفي مجال العلاقات الدولية ولن يتم ذلك الا بتقويض القوة الايرانية وتمددها في المنطقة وافشال مشروعها النووي عبر حرب محتملة هي بالأساس ضد العرب لتحقيق حلم إقامة “دولة إسرائيل الكبرى” تتولى قيادة منطقة الشرق الأوسط في ظل الوجود الأمريكي المباشر داعما للكيان الاسرائيلي .