- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
د.رفيق إبراهيم يكتب: الإسراء وزوال اليهود
د.رفيق إبراهيم يكتب: الإسراء وزوال اليهود
- 14 أبريل 2022, 12:46:02 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لقد تحدث القرآن الكريم في كثير من آياته عن إفساد اليهود، وعن عنادهم مع أنبيائهم والمصلحين منهم, بل وإنهم تطاولوا على رب العزة جل جلاله، فقال سبحانه وتعالى مخبرا عنهم : ﴿ لقد سمع الله قول الذين قالوا ان الله فقير ونحن اغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الانبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ﴾ (أل عمران :181) ولقد تمادى اليهود في عدوانهم لكل المؤمنين، وقد ذكر الله تعالى هذا العداء فقال جل جلاله : ﴿ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا... ﴾ (المائدة:82) ومن المعلوم ان المسلم يتلو في سورة الفاتحة من كل ركعة في صلاته فريضة كانت، أو نافلة قوله تعالى: ﴿غير المغضوب عليهم ﴾ وقد ذكر المفسرون ان المغضوب عليهم في هذه الآية هم اليهود عليهم لعنة الله.
ولقد ترجم اليهود هذا العداء المستقر في قلوبهم أثناء دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فبدأت خيوط المؤامرة تنسج بالتوافق بين طرفي العداء الآخر، وهم المشركون من قريش وحلفائها، والصف المنافق بزعامة عبد الله بن سلول وأتباعه من المنافقين، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عاهدهم وأبرم معهم اتفاقية تعاون مشترك ورد فيها : " وان لليهود ما للمؤمنين، وان عليهم ما على المؤمنين " إلا ان سجية الخيانة انتصرت في نفوسهم، فقاموا بتهديد النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتصاره في غزوة بدر الكبرى، فقال أحد زعاماتهم من يهود بني قينقاع: "يا محمد, لا يغرنك أنك قاتلت أقواما أغمارا لا علم لهم بالحرب ، فلئن قاتلتنا لتعلمن أنا نحن الناس " ثم قاموا بفعلتهم الشنيعة عندما هتكوا ستر المرأة المسلمة في سوقهم فكشفوا عورتها بطريقة خبيثة , فصاحت المرأة المسلمة: وامحمداه, فنهض أحد الأحرار المسلمين فقتل اليهودي المجرم الذي هتك ستر المرأة , فتكالب اليهود على المسلم فقتلوه , وعندما علم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحدث غضب غضبا شديدا وأمر بتجهيز جيشه ليؤدب هؤلاء المعتدين، وحاصرهم ثم أجلاهم عند المدينة.
ثم كانت الحلقة الثانية من مؤامرات اليهود ودسائسهم ضد النبي صلى الله عليه وسلم في قبيلة بني النضير، عندما كان يجلس معهم النبي صلى الله عليه وسلم ويفاوضهم بشأن إحدى القضايا التي حدثت في المدينة، بكونهم اصحاب اتفاق ومعاهدة المصير المشترك, فما كان منهم إلا ان تآمروا عليه وأمروا أحد أشفيائهم . ان يتسور الجدار، الذي كان يجلس تحته النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يلقي عليه صخرة عظيمة بنية اغيال النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة الخبيثة , ولولا عناية الله تعالى لكان لهم ما يخططون ، فنزل الوحي جبريل عليه السلام آمرا النبي صلى الله عليه وسلم بالنهوض فورا من مجلسه، وأخبره بهذه الجريمة ثم حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم في عام 4 هجرية وأجلاهم عن المدينة، وهكذا استمر الإجرام من اليهود، ولم يتعظوا حتى كان العام الذي يليه، وهو العام الخامس للهجرة لتبدأ حلقة جديدة من حلقات المؤامرة والدسائس من هؤلاء الخبثاء، فتحالفوا مع قريش وجمهرة العرب المشركين للقضاء على دولة الاسلام في المدينة، وكانت قبيلة بني قريظة هذه المرة هم أبطال هذه المؤامرة , واشتدت المحنة على المؤمنين حتى قال الله عز و جل فيها :﴿اذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون , هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ﴾ (الاحزاب 10- 11 )
ثم انتهت هذه المعركة بنصر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم , وهذه المرة كان الحكم من الله تعالى على اليهود أنطقه الله على لسان سعد بن معاذ رضي الله عنه بقتل رجالهم وسبي نسائهم وذريتهم.فتم قتل رجال اليهود وسبي نسائهم ومصادرة أموالهم، وهكذا انتهى الوجود اليهودي من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتطهرت من رجسهم ودسائسهم المستمرة.ولكن ما لبثت أن تحركت مؤامراتهم الخبيثة من جديد في قبيلة خيبر في العام السابع الهجري , وتجهزوا للحرب على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا ان غزاهم في عقر دارهم وبهذه المعركة تكون الجزيرة العربية بأسرها قد تطهرت من دنس اليهود وخبثهم.
إن ما جعلنا نورد أحداث القضاء على اليهود في الجزيرة العربية في محطاتها الاربعة، هو ارتباط هذه الاحداث بسورة الاسراء، التي تتصدر المشهد في الحديث عن القضاء على اليهود في الإفسادين الذين ذكرهما الله عزوجل في سورة الاسراء، حيث يقول جل جلاله: ﴿ وقضينا الى بني اسرائيل لتفسدن في الارض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ﴾ وطالما ان سورة الاسراء قد نزلت على أمة الاسلام؛ فمن الطبيعي أن يكون الحديث موجه لها لتحذر من هؤلاء المجرمين المفسدين في الارض؛ ولذا جاءت الآية التالية تخبر عن أحداث المستقبل القريب منه والبعيد، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما زا ل في مكة المكرمة عندما نزلت سورة الاسراء، والله سبحانه وتعالى يخبره عما سيكون من أحوال اليهود مع أمته؛ فجاء قوله تعالى: ﴿ فاذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ﴾ وإذا هنا أداة ظرف لما يستقبل من الزمان، فكان الوعد الأول يتحقق في جزيرة العرب فجاس المسلمون عليهم بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وقضوا عليهم.
ثم تدور الدائرة من جديد لليهود، وذلك عندما تراخت الأمة الإسلامية، وظهرت فيها الأمراض والوهن الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم :"ولكن أصابكم الوهن قيل : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت" فجاء قول الله تعالى مخبرا بهذا الانقلاب في موازين القوة لصالح اليهود، فقال جل جلاله : ﴿ ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا ﴾(الاسراء :6) وهنا تبدأ مرحلة الإفساد الثاني الذي يحصل حاليا في نشأة دولة لليهود في فلسطين، ولكن بقي اليهود على خبثهم ولؤمهم ، فلم يحسنوا ولم يتوبوا؛ فحق عليهم غضب الله تعالى في نهاية دولتهم المزعومة إسرائيل، فقال جل جلاله: ﴿ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن اسأتم فلها فاذا جاء وعد الاخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة وليتبروا ما علوا تبيرا﴾ (الاسراء :7)
وبهذا تنتهي في هذه المرحلة دولتهم ويتبرها الله، ويغنمها عباد الله المجاهدين والموحدين. ولكن يبقى فلول اليهود ليعود من جديد جنودا مع المسيخ الدجال عليهما لعنة الله، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى أحاديثه عن الدجال: أنه يخرج من المشرق، ويتوجه لغزو بيت المقدس، ومعه سبعون ألف من يهود أصفهان عليهم الطيالسة " وعندئذ تكون الملحمة الكبرى، ويتنزل عيسى عليه السلام، ويقاتل الدجال واليهود عندئذ تكون النهاية الحتمية والأبدية لليهود الملاعين، وهنا يأتي حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فينطق الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله خلفي يهودي تعال فاقتله ". وعندئذ تنتهي مؤامرات هؤلاء الأنجاس الذين ملأوا الارض جورا وظلما، ويتطهر بيت المقدس والأقصى من رجسهم للأبد؛ ليتحقق وعد الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولأمته بوعد النصر، الذي تجلى بسورة الاسراء ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .