- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
د. سعيد الشهابي يكتب: انتهاك حق الحياة من قبل الحكام والمهرّبين
د. سعيد الشهابي يكتب: انتهاك حق الحياة من قبل الحكام والمهرّبين
- 4 يوليو 2022, 4:16:12 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يفترض أن تحظى حياة الإنسان وروحه وكرامته بقيمة عالية لدى المرء نفسه ولدى الآخرين، بالإضافة للإيمان بأن إزهاق الروح فساد كبير. وقد أولى الله سبحانه وتعالى هذه النفس أهمية قصوى وتكريما لا نظير له. فكيف يقدم بعض البشر على إزهاقها لأتفه الأسباب؟
وحتى القوانين البشرية لم تستطع تغافل قيمة الإنسان وحقه في الحياة وحمايته من الإهانة والمعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية. وفي الشهر الماضي احتفى الكثيرون باليوم العالمي لحماية ضحايا التعذيب، بهدف إضفاء أهمية خاصة على ضرورة حماية الفرد من بطش السلطة في البلدان التي يحكمها الاستبداد. وهناك منظمات دولية مثل ريبريف هدفها وقف تنفيذ أحكام الإعدام، وهناك دول كثيرة لا تمارس حكم الإعدام.
مع ذلك لا يكاد يمر يوم بدون انتشار أنباء عن قتل بالجملة. وهنا ليس الحديث عن ضحايا الظواهر الطبيعية كالزلازل والبراكين والعواصف والفيضانات، بل عن الذين يفقدون حياتهم بأيدي الآخرين. وتتبنى بعض الدول سياسات تساهم في القتل العبثي والإجرامي، كما في أمريكا. وما الضجة المحتدمة في شوارعها كما في قاعات الكونغرس حول ما يعتبرونه حق المواطنين في امتلاك السلاح إلا تعبير عن الغضب الذي يعتمل داخل المواطنين بعد تكرر جرائم القتل التي تحصد أرواح العشرات في كل مرة. مع ذلك فثمة جهات تجارية تستفيد من انتشار السلاح، خصوصا شركات تصنيعه والمتاجرة به.
وهناك حوادث قتل تبعث على التقزز والاشمئزاز، ومنها القتل خارج القانون الذي تمارسه قوات الأمن التي يفترض أن تكون حامية للقانون ومشرفة على تطبيقه. وتكثر حوادث القتل هذه في ظل الأنظمة القمعية خصوصا التي يتربع فيها الجنرالات على كراسي الحكم. ففي الأسبوع الماضي أطلقت قوات الأمن في وسط الخرطوم النار على المتظاهرين الذين خرجوا بالآلاف في الذكرى الثالثة لمظاهرات خرجت في العام 2019 وساهمت في الإطاحة بحكم عمر البشير. وكان من نتائجها استيلاء العسكر على مقاليد الأمور وبعدها أطاح الجيش، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بالحكومة الانتقالية. ومنذ ذلك الوقت أصبح الجيش يمارس السلطة السياسية على نطاق واسع. وسعى العسكريون لحماية أنفسهم بمد الجسور مع الكيان الإسرائيلي، حيث التقى البرهان برئيس وزراء الكيان السابق، بنيامين نتنياهو، في العاصمة الأثيوبية، أديس أبابا. هنا أصبح للبعد الإسرائيلي في سياسات الاستبداد والقمع في العالم العربي دور مهم كما سيتضح لاحقا. هذا التعقيد في السياسات الداخلية لبعض الأنظمة العربية يعمّق أزمة الحكم في المنطقة، ويساهم في اضطهاد الشعوب وهيمنة الاستبداد ومنع قيام أنظمة منتخبة تمثل رغبات الشعوب.
وليس أمرا جديدا القول بأن من مظاهر التراجع في مشروع الحريات والحقوق في العالم العربي، سيطرة العسكر على شؤون بلدان المنطقة. فالعقلية العسكرية ترتبط بثقافة القتل والعنف عادة، وتتراجع لديها الحدود الفاصلة بين القتل المشروع والفتك الممنوع. فعندما يسيطر العسكريون على الأوضاع تتلاشى هذه الخطوط، فيسحقون البشر بالدبابات اذا احتجوا ضد حكمهم، وتستمرئ محاكمهم إصدار أحكام الإعدام بحق الأبرياء. ومن أسوأ أشكال المحاكمات تلك التي يترأسها العسكريون لمحاكمة المدنيين الذين يتظاهرون ضدهم في الشوارع. وفي الأسبوع الماضي مرت الذكرى الحادية عشرة لإصدار أحكام صدرت عن محكمة عسكرية في البحرين بالسجن المؤبد لقادة ثورة 14 فبراير في العام 2011. وفي 28 يونيوأصدرت محكمة مصرية أحكاما بالإعدام على عشرة أشخاص والسجن المؤبد على أكثر من 50 آخرين في قضية «كتائب حلوان» بعد إدانتهم بدعم أو تنفيذ هجمات على قوات الأمن وتخريب البنية التحتية للدولة.
هناك حوادث قتل تبعث على التقزز والاشمئزاز، ومنها القتل خارج القانون الذي تمارسه قوات الأمن التي يفترض أن تكون حامية للقانون ومشرفة على تطبيقه. وتكثر حوادث القتل هذه في ظل الأنظمة القمعية
وربط الادعاء الهجمات، التي وقعت في القاهرة بين عامي 2013 و 2015، بجماعة الإخوان المسلمين المحظورة الآن. هذه الادعاءات قائمة على «اعترافات» انتزعت تحت التعذيب الذي يمارس على نطاق واسع في السجون المصرية. وقالت منظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان أن المحاكمة الجماعية، التي شملت أكثر من 200 متهم، جائرة للغاية ودعت إلى إلغاء الأحكام. وقد أعدم العشرات من السجناء السياسيين في السنوات الأخيرة ومن بينهم رجال متقدمون في العمر. بل أن الرئيس السابق المرحوم محمد مرسي توفي في السجن في ظروف غامضة بعد أن أسقطه العسكريون بقيادة عبد الفتاح السيسي وأودعوه السجن وعاملوه بطريقة لا تليق بالإنسان.
ويمكن القول إن ما شهدته البلدان العربية والإسلامية في العقد الأخير من القتل العبثي الناجم عن الخلافات السياسية يفوق ما حدث في بقية أنحاء العالم. وقد دفعت أفغانستان والعراق فواتير كبيرة للنزاعات التي حدثت في الداخل وتورطت فيها قوى أجنبية. وتلت حوادث الربيع العربي مرحلة من الفوضى السياسية ساهمت في مضاعفة معاناة المواطنين في البلدان التي حدثت فيها الثورات. وقتل الكثيرون في تونس ومصر وليبيا والبحرين وسوريا. وفي الأسبوع الماضي قال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن 306887 مدنيا لقوا حتفهم في سوريا خلال الصراع منذ 2011، أو ما يعادل نحو 1.5 بالمائة من عدد السكان قبل الحرب. ونجم الصراع في سوريا عن احتجاجات بدأت سلمية على حكم الرئيس بشار الأسد في 2011 وتحول إلى صراع طويل الأمد بين أطراف متعددة وتدخلت فيه قوى عالمية. وتوسعت خلاله دائرة الإرهاب.
وذكر تقرير أصدره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف أن «حجم الخسائر في صفوف المدنيين في السنوات العشر الماضية يمثل نسبة صاعقة تبلغ 1.5 في المائة من إجمالي سكان الجمهورية العربية السورية في بداية النزاع، مما يثير مخاوف جدية بشأن عدم احترام أطراف النزاع للمعايير الإنسانية الدولية القانونية الخاصة بحماية المدنيين». ونادرا ما تصل معدلات الموت إلى هذا المستوى حتى في حالات الحرب، الأمر الذي يثير التساؤل عن مدى قدرة الإنسان على التطور الأخلاقي الرادع عن البطش الذي يؤدي إلى القتل. صحيح أن الموت عامل أساسي لإحداث التوازن السكاني على هذا الكوكب، ولكن إزهاق الأرواح بدون حق أمر آخر، بل جريمة يعاقب من يمارسها بأحكام قاسية.
الأمر المؤسف أن بعض البشر يسعى لتحصيل المال بأية وسيلة، حتى لو أدت لموت الآخرين. وما ظاهرة الاتجار بالبشر إلا أحد أنواع تحصيل المال بالطرق غير المشروعة. واعتبار البشر سلعة للاسترزاق انما هو قتل للقيمة الإنسانية لهذا المخلوق الذي كرمه الله. ففي عالم يفتقر إلى الأخلاق وتغيب عنه قيم السماء، أصبح تحصيل المال هدفا للكثير من الطامعين المسترزقين من الفقراء والمعدمين الباحثين عن لقمة العيش. وفي الأسبوع الماضي عثرت السلطات الأمريكية على 46 جثة على الأقل، في شاحنة في مدينة سان أنتونيو بتكساس، يُعتقد أنها تعود لمهاجرين دخلوا الولايات المتحدة بشكل غير قانوني. وحسب فرق الإسعاف فقد تكون الحرارة البالغة داخل الشاحنة وعدم توفر ماء من بين الأسباب التي أودت بحياة المهاجرين. كما تم نقل 16 جريحا إلى الرعاية الصحية كانوا «واعين» حين عثر عليهم. وحسب قائد فرق الإطفاء في سان أنتونيو، فإنّ الناجين الذين نقلوا إلى المستشفيات «كانوا ساخنين جداً عند لمسهم، كما أنهم كانوا يعانون من ضربة شمس ومن إنهاك حراري، ولم يتم كذلك العثور على ماء في الشاحنة». وفي السياق نفسه عثرت خدمة الإسعاف الليبية الأسبوع الماضي على جثث 20 مهاجرا بالقرب من تشاد بعد أن ضلوا طريقهم في الصحراء الليبية، وعرضت صورا للجثث وهي ممددة حول شاحنة صغيرة سوداء على الرمال. ويسود الاعتقاد بأن هؤلاء الأشخاص توفوا في الصحراء قبل نحو 14 يوما لأن آخر مكالمة على هاتف محمول هناك كانت في 13 يونيو /حزيران. وأصبحت ليبيا نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين الذين يسعون للوصول إلى أوروبا من خلال الطريق المحفوف بالمخاطر عبر الصحراء والبحر المتوسط. وتعيش بريطانيا هاجس اللاجئين الذين يخاطرون بحياتهم وهم يعبرون البحر من فرنسا إلى أراضيها. وما أكثر الذين فقدوا حياتهم في البحار بحثا عن ملجأ، وراحوا ضحية استغلال المتاجرين بالبشر من أجل المال.
كاتب بحريني