- ℃ 11 تركيا
- 27 ديسمبر 2024
د. سنية الحسيني تكتب: أيام صعبة تنتظرنا في الضفة
د. سنية الحسيني تكتب: أيام صعبة تنتظرنا في الضفة
- 26 ديسمبر 2024, 11:38:28 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
رغم أن تعقيدات المرحلة التي تعيشها الضفة الغربية اليوم لم تتبلور كنتيجة لهجوم السابع من أكتوبر من العام الماضي، إلا أن تتبعات ذلك الهجوم قد يساعد على تفاقمها. ورغم أن الاحتلال لم يخف أطماعه في ضم الضفة الغربية منذ اليوم الأول لاحتلالها في العام ١٩٦٧، واتخاذه لاستراتيجية إدارة الصراع مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بعد توقيع إتفاق أوسلو للسلام في العام ١٩٩٣ بما يضمن له الضم الزاحف للضفة الغربية.
إلا أن وصول حكومة نتنياهو اليمينية الحالية لسدة الحكم نهاية عام ٢٠٢٢ دشنت مرحلة جديدة مع الفلسطينيين باتجاه حسم الصراع وضم الأراضي الفلسطينية دون مواربة، والتنكر لاستحقاق حق تقرير المصير للفلسطينيين وإقامة الدولة الفلسطينية فيها.
إلا أن تبعات هجوم السابع من أكتوبر، وما كشفه الهجوم الإسرائيلي على غزة من دعم أميركي مطلق للاحتلال، وصمت دولي وإسلامي وعربي على جرائمه، وعجز التنظيم الأممي عن ممارسة دوره سواء في ردعه للاحتلال أو في إغاثته لشعب محتل أعزل يقبع تحت سلطة الاحتلال ويتعرض لإبادة جماعية أمام أنظار العالم، لا يجعلنا نتوقع الكثير في حال تفاقمت الأوضاع في الضفة الغربية.
كما أن هجوم السابع من أكتوبر كشف مدى تغلغل أجهزة أمن ومخابرات الاحتلال في دول الجوار، الأمر الذي مكنها من نسج المؤامرات وارتكاب لجرائم اغتيال فيها، ما يجعلنا نقر بمدى امكانية تدخل وانخراط تلك الأجهزة في الأراضي الفلسطينية، التي تقع بالفعل تحت سيطرتها ومتابعتها الفعلية.
ولعل أكبر أدلة على ذلك جرائم الاغتيال التي ارتكبت في لبنان وطالت المستوى الأعلى لقيادة حزب الله، وجريمة تفجير "البيجرات" والتي طالت آلاف العناصر للحزب، وجريمة إغتيال إسماعيل هنية في عقر دار الإيرانيين.
كما أن الموقف الأميركي المثير للجدل، سواء في إدارة بايدن الراحلة، التي شجعت الاحتلال على مواصلة جرائمه وتحقيق أهدافه، أو ادارة ترامب القادمة، والتي لا تبشر بحقبة مزهرة للفلسطينيين. ويعول نتنياهو وأعضاء حكومته اليمينية على بدء حقبة ترامب لتنفيذ مخططاتها في ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وبشكل يفوق ما عرضه ترامب خلال ادارته السابقة في صفقة القرن في العام ٢٠٢٠. وقد تشير تعينات ترامب لمساعديه في الملف الإسرائيلي الفلسطيني، وتصريحاته المثيرة للجدل، إلى أن الضفة الغربية تنتظرها أيام صعبة.
لم يخف الاحتلال أطماعه في ضم الضفة الغربية، منذ اليوم الأول لاحتلالها في العام ١٩٦٧، وتدشين أول مستوطناته فيها، وقد ضم بالفعل القدس الشرقية في العام ١٩٨٠، ويخضع مستوطنيه حالياً في الضفة الغربية للقانون الإسرائيلي، وتعمل حكومة الاحتلال حالياً على توسيع مثل تلك الإجراءات التي ترسخ حالة الضم.
لم يمنع اتفاق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في العام ١٩٩٣ إسرائيل من مواصلة سياسة الضم، بل على العكس، وضع الاتفاق ليضمن تنفيذ تلك السياسة، عندما قسّم الأراضي الفلسطينية لثلاث شرائح، ووضع الشريحة الأكبر والتي تشمل ثلثي مساحة الضفة الغربية تحت سلطة الاحتلال الكاملة، الإدارية والمدنية والأمنية، وضَمِن تمدد الاستيطان والمستوطنين اليهود فيها، وقلص التواجد الفلسطيني فيها للحد الأدني، لدرجة بات عدد الفلسطينيين في تلك الشريحة من الأرض أقل من عدد المستوطنيين اليهود، دون أن يتخلى الاحتلال عن السيطرة والمتابعة الأمنية في باقي المناطق الأخرى.
نقل الاحتلال حوالي ١٠٠ ألف مستوطن إلى الضفة الغربية من دون القدس منذ احتلالها حتى توقيع إتفاق أوسلو، ومنذ توقيع ذلك الإتفاق حتى اليوم تخطى عدد المستوطنين فيها ٥٠٠ ألف، وتعلن حكومة الاحتلال اليوم نيتها رفع العدد إلى ٧٠٠ ألف مستوطن خلال السنوات الأربع القادمة، وفق استراتيجية ضم معلنة لأراضي الفلسطينيين.
لم تخف حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة الحالية تبديل إستراتيجية عملها في الضفة الغربية منذ اليوم الأول لوصولها لسدة الحكم، والتي عكستها صراحة الإتفاقيات الائتلافية بين أركان هذه الحكومة. وقد يكون أهم ما يلفت النظر في تلك الإتفاقيات والممارسات التي انتهجها وزراء تلك الحكومة بعد ذلك، هو التركيز على المواطن الفلسطيني نفسه، وومن هنا تتضح الخطورة. كانت استراتيجية الضم السابقة للأراضي الفلسطينية تقوم خلال السنوات الماضية بالتركيز على التمدد الاستيطاني، وزيادة عدد المستوطنين، وتعتمد اليوم التحرك وفق ذلك الإطار ضمن منظومة أكبر وأسرع.
بالإضافة إلى ذلك، ركز نتنياهو في حكوماته السابقة على الاحتفاظ بحالة الانقسام الفلسطيني، من خلال سياسات تم توجيهها لقطبي القيادة الفلسطينية في الضفة وغزة. إلا أن سياسة نتنياهو اليوم، والتي بدأت منذ صعود حكومته نهاية العام ٢٠٢٢، وتواصلت بقوة بعد هجوم السابع من أكتوبر من العام الماضي، باتت موجهة للمواطن الفلسطيني نفسه، بالإضافة لسياساته الموجهة لإضعاف القيادة الفلسطينية.
بعد وصول حكومة نتنياهو اليمينية الحالية للحكم، زادت نسبة الاستيلاء على أرضى الفلسطينيين، والتوغلات العسكرية والقتل والاعتقالات وهجمات المستوطنين على المدن والقرى الفلسطينية. وبلغت مساحات الأرض التي استولى عليها الاحتلال الاسرائيلي في العام ٢٠٢٣ وحده أكثر من ٥٠ ألف دونم خمقارنة بحوالي ٢٦ ألف دونم خلال العام ٢٠٢٢. ومنذ السابع من أكتوبر من العام الماضي، أعلن عن مصادرة حوالي أكثر من ٢٤ ألف دونم كـ "أراضي دولة"، أي ما يقدر بحوالي نصف المساحة المعلنة كأراضي دولة منذ إتفاقات أوسلو.
كما ارتفعت نسبة التعدي الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المصنفة منطقة "ب" في اتفاقية أوسلو، والتي تعود مسؤوليتها الإدارية للسلطة الفلسطينية، وباتت التعديات تتجاوز حدود تلك المنطقة المتقاطعة من منطقة "ج" إلى أعماقها. هذا بالإضافة إلى تشييد بؤر استيطانية جديدة في منطقة "أ"، التي تعود مسؤوليتها بالكاملة تحت اشراف السلطة. فالاحتلال لم يعد يكفي بمصادرة الأراضي المصنفة بـ منطقة "ج" في اتفاق أوسلو، والتي تشكل ثلثي الضفة الغربية، بل تمدد ذلك لاراضي الفلسطينيين المصنفة أ وب، والتي تحتضن الغالبية العظمى من الكثافة السكانية في الضفة الغربية.
في العام ٢٠٢٢، استشهد ١٧١ فلسطينياً على يد قوات الاحتلال في الضفة الغربية وحدها، وهو العدد الأعلى منذ العام ٢٠٠٥، بينما حطم العام ٢٠٢٣ رقماً قياسياً من حيث عدد الشهداء، فاستشهد ٣١٧ فلسطينيا في الضفة قبل هجوم ٧ أكتوبر، وبلغ العدد ٥٢٧ شهيدا في نهاية ذلك العام، بينما وصل العدد اليوم في نهاية العام ٢٠٢٤ إلى ٨٢٤ شهيداً. ووصل عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في نهاية العام ٢٠٢٢ في سجون الاحتلال إلى ٤٧٠٠ فلسطيني، وارتفع إلى ٧ آلاف في نهاية العام الماضي، وتخطى ١٠ آلاف خلال العام الجاري.
وتوسع كذلك نطاق وشدة حوادث عنف المستوطنين ضد السكان الفلسطينيين، فبينما سجل العام ٢٠٢٢ حوالي ١٢٠٠ حالة اعتداء للمستوطنين، في إرتفاع ملحوظ في عدد تلك الاعتداءات عن السنوات الماضية، وثق العام ٢٠٢٣، وقبل هجوم السابع من أكتوبر أكثر من ١٢٠٠ حادثة اعتداء، وتخطى عددها ٢٤٠٠ اعتداء حتى نهاية ذلك العام، مسجلاً رقماً قياسياً. ولم يكن العام الحالي أفضل حالاً من العام الماضي، في ظل دعم من قبل المؤسسة الرسمية.
لم يقبل نتنياهو منذ صعوده للسلطة عام ١٩٩٦ بقيام دولة فلسطينية، وطالما ماطل في الحديث عن ذلك صراحة. وساعد نتنياهو ومكتبه ترامب في العام ٢٠٢٠ على وضع تفاصيل صفقة القرن التي تقوم على أساس الضم. وجرى طرح عروض إسرائيلية مختلفة لحدود ذلك الضم، منها ما طرح ضم منطقة الغور والأراضي التي ضمها السور العازل، بالإضافة إلى الكتل الاستيطانية الضخمة، ومنها ما اعتبر أن الضم يشمل منطقة ج باكملها أي ثلثي الضفة الغربية، التي حددتها إتفاقية أوسلو لتكون تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة، إلا أن ما يطرح اليوم يشير إلى ضم كامل للضفة الغربية، ومنع وجود أي تمثيل سياسي فلسطيني مستقبلي.
ووصلت الطروحات اليوم إلى تحويل الضفة الغربية لتكون جزء من إسرائيل وإلغاء وجود السلطة الفلسطينية، ووضع المدن الفلسطينية كسلطات محلية مسؤولة عن نفسها تحت السيطرة الإسرائيلية، وتصبح فيها مكانة السكان مثل مكانة المقدسيين، الذين يعطيهم الاحتلال صفة مقيم، على أن يكون التوجه الوطني والثقافي والتعليمي كما كان قبل العام ١٩٦٧ وفق النظام الأردني.
وقد لفت عدد من الصحفيين الإسرائيليين النظر في مقالات عديدة نشرت مؤخرا إلى سياسة حكومة بلادهم تجاه إضعاف وتقويض مكانة السلطة الفلسطينية، بأساليب وأدوات عديدة. إن ذلك يفرض على الفلسطينيين مراعاة أعلى درجات الحيطة والحذر، في ظل وجود عدو له أهدافه المعلومة، وموجود على الأرض ويحقق اختراقا أمنيا واستخباريا متوقعا، فهل سينجح الفلسطينيون في إحباط مخططات العدو في الضفة؟