- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
د. سنية الحسيني تكتب: مستقبل غزة إلى أين؟
د. سنية الحسيني تكتب: مستقبل غزة إلى أين؟
- 30 نوفمبر 2023, 11:43:18 ص
- 323
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في أعقاب الهدن المتتالية التي بدأ الحديث عنها وتنفيذها مع نهاية الأسبوع الماضي، والتي تبلورت وتوسعت في إطار لتبادل المعتقلين الفلسطينيين والمحتجزين الإسرائيليين، وإدخال الاحتياجات الفلسطينية الضرورية للحياة عبر معبر رفح، اعتبر بايدن، يوم أمس، أن استمرار الهجوم الإسرائيلي على غزة يأتي لمصلحة حركة حماس، في تراجع عن دعمه لاستمرار هجوم إسرائيل على غزة.
ومؤخراً، غير الإعلام الأميركي مصطلحاته المستخدمة في التعامل مع هذا الهجوم، والتي انتقلت من الدعوة لهدن إنسانية إلى هدن طويلة الأمد حتى وصلت إلى وقف لاطلاق النار، في تطور سياسي أميركي ملاحظ.
كما تأتي زيارة رئيس المخابرات الأميركية والإسرائيلية لقطر، يوم الثلاثاء من الأسبوع الجاري، في إطار الحديث عن بلورة صفقة متكاملة وموسعة استكمالاً لصفقات الهدن المتتابعة المحدودة، في ذات السياق.
على الجانب الآخر، تواصل الحكومة الاسرائيلية وجيشها التأكيد على استعدادها لمواصلة هجومها على غزة باتجاه الجنوب، وأنها ملتزمة باعادة المحتجزين عبر الهدن أو الحرب والقضاء على قوة حركة حماس وتحقيق السيطرة الأمنية على القطاع. ويبدو أن إسرائيل لاتزال تتمسك بذلك الخطاب حفاظاً على ماء الوجه، في ظل معضلة وقف هجومها على غزة دون تحقيق أي من الاهداف المعلنة من ذلك الهجوم.
ابتعدت المواقف الأميركية والغربية تدريجياً عن احتضان تواصل الهجوم الإسرائيلي على غزة، خصوصا بعد ارتكاب جيش الاحتلال مجازر بحق المدنيين فيها، وعدم نجاح الاحتلال باستعادة المحتجزين بالقوة كما وعد، وبدء استعادتهم باتفاق تبادل مرحلي مع حركة حماس، كما عرضت الحركة قبل بدء اجتياح الاحتلال البري للقطاع، وعدم اتضاح مدى واقعية القضاء على قوة حركة حماس، في ظل المعطيات الميدانية على الأرض، التي اتضحت بعد 54 يوما من الهجوم. وقتلت إسرائيل في ذلك الهجوم الانتقامي على غزة أكثر من 20 ألف مدني فلسطيني وجرحت أكثر من ضعف ذلك العدد ودمرت 50 في المائة من بنية القطاع، في ظل جرائم وصفت من قبل منظمات غربية وانسانية بالأشد عنفاً خلال هذه الألفية.
مع اقتراب انتهاء تمديد الهدن الإنسانية المرتبطة بافراج متبادل عن أعداد محدودة، والمساعي الأميركية والعربية للتوصل لصفقة تبادل متكاملة، في ظل تبدل مواقف الولايات المتحدة وكذلك الحلفاء الغربيين الداعمة لاستمرار الهجوم على غزة، ودعوات الولايات المتحدة لإسرائيل بضرورة عدم تكرار ذات النهج الذي تبنته خلال هجومها على غزة على مدار الأسابيع الماضية، ما هي فرص استئناف هذا الهجوم في ظل المتغيرات الحالية؟
تبدلت مواقف الإدارة الأميركية تدريجياً من الهجوم الإسرائيلي على غزة في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر. وبعد أن بلغ دعم الولايات المتحدة لذلك الهجوم الاسرائيلي الانتقامي على غزة مستوى جعلها توصف بالشريكة في هذا الهجوم، في اطار دعم سياسي مالي وعسكري واستخباراتي، وتبن مطلق للرواية الاسرائيلية دون تحقق، بدأت الولايات المتحدة، في ظل تزايد جرائم إسرائيل بحق المدنيين خلال الأسابيع الأولى للهجوم وعدم وجود شواهد على تحقيق أهداف عسكرية محددة، حث إسرائيل على عدم الذهاب لهجوم بري، غير مضمون النتائج، والاستفادة من تجربة الولايات المتحدة في غزوها لافغانستان والعراق بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وركزت على ضرورة تجنب استهداف المدنيين، والسماح بادخال الاحتياجات الإنسانية للقطاع، وطالبتها بإعادة الاتصالات مع أهل القطاع. إلا أنه وتحت وطأة الهجوم البري، الذي لم يحقق أهدافه، وتصاعد أعداد الشهداء والجرحى الفلسطينيين، علت الأصوات الأميركية المعارضة لاستمرار هجوم إسرائيل على غزة ودعم الولايات المتحدة له من داخل أروقة الحكم نفسها، سواء من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو وكالة الاستخبارات، حيث لوح مسؤولون فيها بخطورة مواقف الولايات المتحدة المؤيدة لاستمرار الهجوم الإسرائيلي على مستقبل سياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط لعقود قادمة.
كما واجهت ادارة بايدن بسبب موقفها من دعم هجوم إسرائيل على غزة معارضة من داخل أروقة الكونجرس موظفين ونواب، في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية في عدة ولايات أميركية، خصوصا تلك التي جاءت من أوساط الطلاب والديمقراطيين من الشباب والجالية العربية والإسلامية، والتي باتت تشكل تهديد حقيقي لفرص بايدن الانتخابية القادمة خصوصاً في الولايات المتأرجحة. إن ذلك يفسر تلك التحولات الجوهرية التي تجلت مؤخراً في موقف الادارة الأميركية من تبنى لمفاوضات الهدنة، ومساعيها لتوسيع مفاوضات التبادل باتجاه تحقيق صفقة متكاملة، وتحذيراتها لإسرائيل من إمكانية مواصلة هجومها إن استمر ضمن ذات النهج السابق، فما هي الحدود والوقت الذي ستتحمله واشنطن في حال تواصل الهجوم، ضمن المعطيات سابقة الذكر؟
ورغم دعم معظم الدول الغربية لهجوم إسرائيل على غزة في أسابيعه الأولى، خصوصاً بريطانيا وفرنسا وألمانيا، استرشاداً وتبعية بالرؤية الاسرائيلية للهجوم وبالموقف الأميركي، إلا أن تطورات ذلك الهجوم وهمجيته وردات الفعل عليه أعاد ترتيب المواقف الغربية، تماماً كما حصل داخل الولايات المتحدة. فرفضاً للهجوم الإسرائيلي على غزة، اجتاحت لندن احتجاجات طلابية وشبابية لم تشهد مثلها العاصمة البريطانية من قبل، ناهيك عن بروز معارضة لسياسة البلاد الداعمة لهجوم إسرائيل من داخل الحكومة ومجلس النواب البريطاني، الأمر الذي استدعى اقالة احد الوزراء، ودعوة رئيس الوزراء لهدنة كان يرفضها بإصرار. في فرنسا كذلك تراجعت حدة تصريحات الرئيس الفرنسي الداعمة لهجوم إسرائيل على غزة، وباتت تميل نحو الدعوة لمراعاة المدنيين والذهاب لهدن إنسانية، في ظل معارضة من داخل الحكومة الفرنسية نفسها ووزارة الخارجية، التي دعت جمعيتها لضرورة مراعاة علاقة فرنسا بدول الشرق الأوسط، ومراعاة مشاعر جالية عربية وإسلامية ضخمة في البلاد. ونظمت العديد من الاحتجاجات في البلاد، انتقادا لموقف فرنسا الداعم لهجوم إسرائيل على غزة، في ظل مجتمع يعد الأكثر تأييداً للفلسطينيين من بين شعوب دول الاتحاد الأوروبي. وواجهت شوارع عواصم دول أوروبية عديدة احتجاجات شبابية وطلابية واسعة ومستمرة طوال الأسابيع الماضية، تدعو حكوماتها لتبنى مواقف ضد الهجوم الإسرائيلي على غزة، وتبنت بالفعل عدد منها ذلك. إن هجوم إسرائيل الانتقامي على غزة كشف عن وجهها الحقيقي أمام العالم الغربي، الذي تناست قيادته عبر العقود الماضية واقع الاحتلال وممارساته، وحق الفلسطينيين بالتحرر وتقرير المصير. وحصرت معظم الحكومات الغربية القضية الفلسطينية خلال العقود الماضية بالمساعدات المالية، والقليل من حقوق الإنسان، فغير هذا الهجوم المفاهيم وبدل المعطيات. فإلى أي مدى يمكن أن تدعم حكومات الدول الغربية الحليفة لإسرائيل مواصلة جيش الاحتلال هجومه على غزة، خصوصاً بعد نجاح عملية التبادل الجزئية والهدنة الحالية؟.
وترفض الدول العربية مجتمعة إستمرار هجوم الاحتلال على غزة، وتسعى للوصول إلى هدنة لوقفه، ورحبت ودعمت عمليات التبادل المحدودة. وكشفت تصريحات إسرائيل التي جاءت بعد هجومها على غزة عن الوجه الحقيقي لحكومة الاحتلال أمام حلفائها من العرب، خصوصا بعد أن طلبت إسرائيل من مصر فتح حدودها لاستقبال الفلسطينيين، وفتح ذلك أيضا النقاش مع الأردن حول نوايا مشابهة لليمين الإسرائيلي لاقتراف ذات الجريمة بالتهجير القسري بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية. إن ذلك يعكس مدى خطورة استمرار الهجوم الإسرائيلي على غزة على أمن وسلامة الدول العربية المجاورة لفلسطين، تماما كخطورتها على الفلسطينيين. وتأتي المساعي العربية الحثيثة لتوسيع الهدنة ووقف العدوان من بين أهم أولوياتها اليوم، في ظل الخطر الذي تشكله إسرائيل على أمن المنطقة بشكل كلي، فما هي حدود ومدى قبول الدول العربية والشارع العربي لمواصلة إسرائيل عدوانها على غزة وعدد الأبرياء المسموح لإسرائيل قتلهم أيضاً إضافة للآلاف السابقة، خصوصاً بعد نجاح الهدنة عمليات التبادل خلال الأيام الماضية؟
وأما عن الشارع الإسرائيلي، الذي أيد غالبيته الهجوم على غزة بعد السابع من أكتوبر، فهل سيبقى مسانداً لاستمرار الهجوم على غزة في ظل عدة اعتبارات، أولها نجاح المفاوضات وليس الحرب في الافراج عن المحتجزين، والرغبة الاسرائيلية في عودة جميع المحتجزين والاسرى كذلك، في ظل ذلك الطريق الذي أثبتته التجربة، والثاني يرتبط بحدود تحمل الشارع الإسرائيلي لمواصلة الهجوم الذي لم يحقق أهدافه طوال الاسابيع الماضية، مع استمرار الاستنزاف البشري والاقتصادي وحالة عدم الاستقرار في البلاد؟
كشفت غزة الأقنعة وأحرجت حكومات دول عظمى أمام شعوبها، وفرضت القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني وحق لتقرير المصير، بالقوة على العالم، الذي تناساها لعقود وبات مطالباً اليوم بالوقوف أمام التزاماته تجاه الشعب الفلسطيني. لم توضع حلول بعد لما بعد الهجوم على غزة، وكيف سيتم التعامل معها، في ظل معطيات لم تكن في الحسبان، الا أنه في النهاية لا بقاء لاحتلال. وللشعب الفلسطيني الحق في تقرير مصيره، وحتى ذلك الحين، وحتى لا تستمر الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، والتي شهدها العالم بقوة على مدار الأسابيع الماضية، وتغافل عنها لعقود، نحن بحاجة لاجراءات انتقالية لحماية الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، كتواجد قوات أممية على سبيل المثال تحمي المدنيين الفلسطينيين من جرائم الاحتلال، لحين ترتيب البيت الفلسطيني، بعد زوال الاحتلال.