- ℃ 11 تركيا
- 30 يناير 2025
د. سنية الحسيني تكتب: هل يستفيد ترامب من دروس الماضي في الشرق الأوسط؟
د. سنية الحسيني تكتب: هل يستفيد ترامب من دروس الماضي في الشرق الأوسط؟
- 30 يناير 2025, 12:04:50 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قبل مرور أسبوع واحد على تقلده السلطة، أفصح الرئيس الأميركي دونالد ترامب عما يحمله في جعبته للفلسطينيين، بعد أن طلب من الأردن ومصر استقبال الغزيين، في تبنٍ لمقاربة التطهير العرقي التي تمارسها حكومة الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. فلم يُخفِ الاحتلال نواياه بتهجير الفلسطينيين منذ بداية حرب الإبادة التي شنها في غزة قبل أكثر من عام، وهو ما رفضته مصر صراحة في ذلك الوقت، وأعادت تكرار موقفها الآن، مشددة على أن مثل تلك الأطروحات لا تهدد فقط مستقبل مشروع السلام في المنطقة بل أيضاً استقرارها. الأردن أيضاً يرفض أطروحة تهجير الفلسطينيين اليه، لأنها لا تهدد أمنه فقط، بل مستقبله السياسي بأكمله، وهو ما عكسه تشدد الردود الرسمية تجاه دعوة ترامب. تذكرنا دعوات ترامب حول تهجير الغزيين من ديارهم بمبادرته التي قدمها في ولايته السابقة وعرفت بـ «صفقة القرن»، والتي تقوم على أساس ضم أراضي الفلسطينيين لدولة الاحتلال. وكما سقطت مبادرته الأولى يبدو أن مساعيه الجديدة لحل القضية الفلسطينية قد تفشل أيضاً، إن تجاهلت الواقع والتاريخ والعدالة. ترجعنا تصريحات ترامب الجديدة حول تهجير الفلسطينيين لمراجعة إخفاقات السياسة الأميركية في المنطقة، والتي تعكس جهلاً عميقاً بطبيعتها، فاستخدام أدوات القوة للتعامل مع دول المنطقة التي يلوح بها ترامب اليوم، كانت أحد أهم عوامل الفشل في العقود الماضية.
يشكل موقف ترامب تجاه حل القضية الفلسطينية، سواء في عهده السابق أو الحالي قطيعة مع السياسة الأميركية المعلنة المؤيدة لحل الدولتين، وإن اختارت عدم فرض ذلك الحل على إسرائيل، رغم قدرتها على ذلك. ولا يخفي ترامب ما يدور في أروقة صنع القرار في بلاده ولا يراعي الدبلوماسية التي راعتها في العادة إدارات بلاده المختلفة، والتي تضمن مصالح إسرائيل والاحتفاظ بحلفائها من دول المنطقة في نفس الوقت. إن ذلك يفسر نقله لسفارة بلاده إلى القدس وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن وتبني مقاربة الاحتلال بالضم والتهجير صراحة، وكلها قضايا تعاملت معها الإدارات الأميركية السابقة بمراوغة، حققت مصالح إسرائيل عموماً، وإن كان بشكل غير مباشر في الغالب. ويدخل ترامب عهده الرئاسي الجديد ضمن ثلاثة معطيات ترتبط بموقفه تجاه حل القضية الفلسطينية. يقوم الأول على اعتماده على استخدام أداة القوة والإجبار، التي تمتلكها بلاده كقوة عظمى، لتحقيق أهدافه، وهو ما عكسته تصريحاته حول كندا وبنما وغرينلاند. ويركز الثاني على دعمه المطلق لإسرائيل، فألغى العقوبات عن المستوطنين، ورفع الحظر المؤقت عن إرسال القنابل الثقيلة لها، في ظل عدم انقطاع عن سياسته السابقة. ويتمحور الثالث حول رغبته في تحقيق إنجاز لم يستطع أسلافه تحقيقه، وقد يكون حل القضية الفلسطينية حافزاً مهماً لإنجاز ذلك. فلم تكن دعواته لمصر والأردن باستقبال الغزيين منفصلة عن قراره بوقف المعونات الأميركية عن الدول التي تستفيد منها لمدة ٩٠ يوماً. ورغم أن القرار استثنى إسرائيل ومصر، وأصاب الأردن مباشرة، التي تستفيد من مساعدة أميركية سنوية كبيرة، تعدت الـ ٢٠٠ مليار دولار منذ العام ١٩٥١، في ظل وضع اقتصادي متردٍ، الا أن مصر أيضاً قد تخضع لنفس ذلك التهديد، في ظل واقع اقتصادي معقد أيضاً. وتعد الأردن ومصر حلفاء وشركاء مهمين للولايات المتحدة في المنطقة، وتدعم أميركا القدرات العسكرية والأمنية في البلدين. وتستضيف الأردن قواعد عسكرية أميركية. وتعد مصر والأردن، التي تربطهما معاهدات سلام مع إسرائيل منذ عقود، من بين أهم أسباب الاستقرار الأمني والعسكري في المنطقة.
إن القضية الفلسطينية مسألة مركزية لدول الشرق الأوسط على وجه الخصوص، لأنها تتعلق بظلم تاريخي ارتكب بحق أحد شعوبها، ترتب عليه موقف موحد لحكوماتها، حتى وإن اختلفت سياساتها الأخرى. إن ذلك يفسر طريقة تعامل الإدارات الأميركية السابقة مع القضية الفلسطينية، التي اعتمدت لغة دبلوماسية محسوبة، وتبنت سياسة المماطلة في حسمها، في ظل تعاطفها الكامل ودعمها المطلق لإسرائيل. لذلك فإن أي سياسات غير محسوبة مع دول المنطقة، خصوصاً الحليفة لأميركا قد يؤدي إلى مزيد من التدهور والتصعيد في المنطقة، وهو ما عكسته التصريحات الرسمية الأردنية والمصرية مؤخراً رداً على اقتراح ترامب بتهجير الفلسطينيين. وللولايات المتحدة تاريخ حافل في سوء استخدام أداة القوة، وعدم فهم لطبيعة دول المنطقة، الأمر الذي أخرج نتائج كارثية للولايات المتحدة ولدول المنطقة أيضاً. فاستخدام القوة وفرض قواعد على أساسها بعد حرب الخليج عام ١٩٩١، واستثناء إيران من المشاركة في مؤتمر مدريد، عكس فهماً قاصراً لطبيعة المنطقة ومعادلاتها. واستخدم التدمير والقتل وشن الحروب في العراق وأفغانستان، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، رغم أنه أسقط ملايين الضحايا، ودمر الكثير من مظاهر الحياة فيها، إلا أن الحروب لم تحسم النتائج لصالح الولايات المتحدة. فلم يتم القضاء على نظام طالبان في أفغانستان، رغم احتلال أميركي دام عقدين، ولم تترتب أوضاع العراق كما طمحت الولايات المتحدة، رغم القضاء على نظام صدام حسين، بل على العكس، بات العراق مدخلاً للاعبين إقليميين آخرين، لم يكن لصالح الوجود الأميركي فيها. وما بين عدم قدرة الولايات المتحدة على التخلي عن وجودها في المنطقة وبين حاجتها للاستدارة نحو آسيا لمواجهة الصعود الصيني المنافس للولايات المتحدة، سقطت الاستراتيجيات الأميركية في التناقضات بين الادارات المتلاحقة. فعقدت إدارة أوباما اتفاقاً مع إيران لتجميد برنامجها النووي، بينما انسحب منه ترامب في إدارته السابقة، وتبنى إستراتيجية الضغط الأقصى، والآن يفكر في العودة لعقد إتفاق. ومن الصعب وصف السياسة الأميركية مع إيران بأنها ناجحة أو حتى متفهمة لطبيعتها المعقدة، وتعرف كيف تتعامل معها. وفي إطار تناقض آخر بين استراتيجيات الولايات المتحدة في المنطقة، توجهت لصقل قدرات الحلفاء في المنطقة لمواجهة إيران، للتغطية على خروجها منها، الأمر الذي تطلب خلق حالة من التعاون بين حلفائها من الدول العربية وإسرائيل تحقيقاً لذلك، فتبنت سياسة التطبيع بينها، والتي ترتبط في الأساس بحل القضية الفلسطينية، بينما تواصل المماطلة في حلها، تلبية لرغبة إسرائيل. إن ذلك يفسر مدى تعقد المعادلات في ساحة تعد منطقة نفوذ للولايات المتحدة. وتزداد المعادلات تعقيدا بظهور قوى عالمية بدأت في بسط نفوذها في المنطقة، ضمن معطيات تتطلع للتعاون والتفاهم بعيداً عن تعقيدات الضغوط باستخدام القوة والمساومات السياسية.
تبقى منطقة الشرق الأوسط مهمة للولايات المتحدة، حتى وإن سعت أحياناً للاستدارة عنها. وتبقى دول الخليج مهمة لأميركا، ليست لأنها تشكل اليوم مورد الطاقة الرئيس لحلفائها الأوروبيين فقط، بل لأن البترول الخليجي، الذي يشكل ٦٠ في المائة من مجمل التجارة العالمية، مربوط بالدولار منذ سبعينيات القرن الماضي، وأي ضرر يصيب المنطقة من المؤكد سيصيب الولايات المتحدة. وأكدت السعودية، في موقف متفق عليه عربياً، أن حل القضية الفلسطينية بشكل عادل قضية لا يمكن إخضاعها للمساومة، خصوصاً في ظل تطورات المواجهة في الأراضي المحتلة. جاء رد الفلسطينيين صاخباً على أطروحات تهجيرهم من ديارهم، فعكست مسيراتهم الجرارة العائدة نحو شمال غزة إجابتهم الحاسمة عليها. ومن الصعب أن تجد دولة تقبل علانية ما دعا اليه ترامب في ظل عالم يدعي مساعيه لترسيخ مبادئ العدالة والقانون وملاحقة الجرائم الدولية والمجرمين عبر أنظمته ومؤسساته. كما أنه من المستبعد أن يقبل العالم اليوم بفرض واقع على الفلسطينيين شبيه بذلك الواقع الذي فُرض عليهم ما بين عامي ١٩٤٧ و١٩٤٨، وتكرر مرة أخرى في العام ١٩٦٧. وذلك يفسر التسريبات حول تعهد الولايات المتحدة بتأجيل إدخال معدات لإعمار شمال غزة لحين التوصل إلى اتفاق حول الترتيبات الأمنية التي تضمن سلامة سكان مستوطنات غلاف غزة، الأمر الذي يعيدنا مرة أخرى لتصريحات قيادات اليمين الإسرائيلي المتطرف حول الهجرة الطوعية. ولا شك أن الحل يبقى بيد الفلسطينيين، والشعب قال كلمته بصموده وعودته في غزة، وبتحمله وبقائه وتحديه في الضفة، فهل يكون لقيادته موقف موحد، في هذه اللحظات العصيبة؟