- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
د.لبيب جار الله المختار يكتب: الدبلوماسية في الصراع الروسي الأوكراني
د.لبيب جار الله المختار يكتب: الدبلوماسية في الصراع الروسي الأوكراني
- 7 يناير 2024, 3:40:02 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتن واصفاً الدبلوماسية بأنها " القدرة على حل وسط، ليس بالأدب الدبلوماسي مع الشريك، بل هي مراعاة واحترام المصالح المشروعة لشريكك".
تعتبر الدبلوماسية إحدى أهم الوسائل القديمة التي تستخدم للتفاهم بين الدول في أوقات السلم والحرب، وقد لعبت دوراً كبيراً في تهدئة التوترات، وإخماد الصراعات، وحلحلة الكثير من الأزمات، وفيما يخص الازمة الروسية – الاوكرانية فقد انطلقت الكثير من المساعي الدبلوماسية لتهدئة النزاع القائم حالياً والذي بدءا يتوسع ويأخذ منحى خطير ينذر بأتون حرب عالمية كبرى، ومن المعلوم أن هذه المساعي تحمل في طياتها أماني وتطلعات كل دولة على حدا.
فهل ستنجح هذه المساعي الدبلوماسية في السيطرة على الموقف لإقناع طرفي النزاع وإيقاف الحرب؟، وهل سيقتنع الدب الروسي دون الاستجابة لمطالبه؟
الغيوم تتلبد فوق أوكرانيا
كانت أوكرانيا جزءًا من الاتحاد السوفيتي حتى عام 1991، ومنذ الاستقلال كان هناك خلاف في البلاد وبين الغرب وروسيا حول ميول أوكرانيا إلى الدول الغربية أو مع روسيا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وتعود بداية الأزمة الحالية إلى 21 تشرين الثاني 2013 عندما أوقف الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا في ذلك الوقت فيكتور يانوكوفيتش الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وتبع هذا الإيقاف تظاهرات واحتجاجات واسعة النطاق، وصدامات بين التنظيمات الانفصالية والقوات الحكومية الأوكرانية.
تحولت الاحتجاجات إلى ثورة كبيرة أدت إلى عزله في 22 شباط 2014 من قِبل البرلمان، وفراره، وتم تعيين رئيس برلمان أوكرانيا ألكساندر تورتشينوف بدلاً منه، ونتيجة لذلك سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014، التي كانت تتمتع بحكم ذاتي،وعلى أثرها فرض الغرب عقوبات على روسيا.
وقّعت أوكرانيا اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي عام 2014، ثم سعت بشكل حثيث للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ورغم أنها لم تنضم إليه بعد، فإن علاقاتهم في تطور مستمر.
لكن النزاع الذي بقي مستقراً، بعد انحسار القتال في شرق أوكرانيا عام 2016، عاد عام 2022 ليصبح قابلاً للانفجار مع إعادة تموضع القوات الروسية على الحدود المتاخمة لأوكرانيا .
دبلوماسية تدارك الموقف
عززت موجة من الدبلوماسية الآمال في دفع خطر اندلاع حرب واسعة النطاق في أوروبا، وقد جاءت الدعوات من كييف والغرب لإجراء محادثات سلام، فقد تحدث ماكرون وبوتين عبر الهاتف، ، ونقلت رويترز عن مصدر رئاسي فرنسي قوله إن بوتين وماكرون اتفقا على إجراء محادثات ثلاثية في 21 فبراير/ شباط بين روسيا وأوكرانيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وجاء في بيان الكرملين بعد محادثة ماكرون وبوتين أن " الرؤساء يعتقدون أنه من المهم تكثيف الجهود لإيجاد حلول من خلال الوسائل الدبلوماسية ".
كما أعلنت داونينج ستريت في 20 فبراير/ شباط إن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تحدث مع ماكرون أيضًا، محذراً من أن بوتين "يجب أن يتراجع" عن التهديدات وسحب القوات الروسية من الحدود الأوكرانية ،واصفاً التزامات بوتين المزعومة تجاه ماكرون بأنها علامة مرحب بها على أنه ربما لا يزال على استعداد للتعامل دبلوماسيا.
كذلك كثفت تركيا من تحركاتها الدبلوماسية بين البلدين لمحاولة نزع فتيل الازمة وعدم الدخول في حرب مباشرة .
وصلت الجهود والمساعي الدبلوماسية مع روسيا إلى الحضيض، وحسب مجلة الفاينانشيال تايمز: "على الرغم من أن البعض قد يفترض أن هناك دبلوماسية سرية أكثر مما تراه العين، فإن أولئك البعض يجب أن يعرفوا أن هناك القليل من القنوات المفتوحة مع الكرملين" .
بعد فشل جميع التحركات الدولية في الوصول الى حل دبلوماسي بين الطرفين، كذلك فشل ممثلو روسيا وأوكرانيا في التوصل إلى اتفاق في المحادثات التي أجريت على الحدود البيلاروسية الأوكرانية في 24 فبراير/ شباط، اندلعت الحرب بين الطرفين باجتياح روسي للمناطق الشرقية الأوكرانية .
الدبلوماسية الاخيرة قبل فوات الاوان
في خضم التطورات الاخيرة للحرب الروسية الاوكرانية والمستوى الذي وصلت اليه التصريحات من جميع الأطراف، بالإضافة الى التوسع العسكري والتلويح باستخدام السلاح النووي، تتواصل الجهود الدبلوماسية الحثيثة لإنهاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، كما وصرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مقابلة إن روسيا مستعدة للتواصل مع الولايات المتحدة أو مع تركيا بشأن سبل إنهاء الحرب، لكنها لم تتلق بعد أي اقتراح جاد للتفاوض.
ففي الآونة الأخيرة، أتاحت الدبلوماسية التركية التي تلعب دوراً كبيراً منذ بداية الازمة، فرصة تبادل الأسرى بين الدول المتحاربة، وتم توقيع اتفاق 28 في اسطنبول لإعادة فتح بعض الموانئ الأوكرانية للإفراج عن الحبوب التي كانت عالقة منذ شهور بسبب الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة .
وبحسب صحيفة "الغارديان"، هناك تحركات حثيثة من قبل رؤساء بعض الدول وهم : الرئيس التركي،، رئيس دولة الإمارات، رئيس الوزراء الهندي،، ورئيس وزراء الاحتلال (الإسرائيلي)، وأكدت هذه الدول الأربعة التزامها الحياد في هذه الحرب، مما يجعلها في موقف جيد للعب دور الوسيط بين الطرفين لأنهاء الحرب .
وفي التقرير الأخير الذي نشره المجلس الروسي للشؤون الدولية على موقعه الإلكتروني، إن دول الشرق الأوسط يمكن أن تكون الأنسب للقيام بدور الوسيط مستقبلا، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية.
وقد طرحت الجامعة العربية استعدادها للوساطة الدبلوماسية بين البلدين لانهاء الاقتتال الدائر.
وقد ابدى الرئيس الغيني بيساو اومارو استعداده للوساطة بين البلدين ونقل دعوة روسيا لأوكرانيا للتفاوض .
وقد أدت عملية طوفان الاقصى والحرب في غزة الى تقويض آمال أوكرانيا في عقد قمة للسلام تجمع زعماء العالم في الأشهر المقبلة، وفق ما ذكره دبلوماسيون غربيون لصحيفة "وول ستريت جورنال"، مشيرين إلى أن المساعي الأوكرانية لذلك بدأت تفقد زخمها، نتيجة التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط.
كما أدت الى حدوث انقسامات جديدة بين الولايات المتحدة ودول غربية أخرى وبعض القوى العربية ودول العالم النامي التي كانت أوكرانيا تأمل في ضمها إلى جانبها.
وقالت موسكو إنها منفتحة على مفاوضات السلام إذا كانت مبنية على تنازل أوكرانيا أولا عن مساحات من الأراضي التي يدعّي الكرملين أنه ضمها، في حين تصر كييف على ضرورة انسحاب روسيا من أراضيها.
نظرة في المستقبل المجهول
من المستحيل معرفة ما ستؤول إليه الأمور ما بعد الحرب، لكن من الممكن إعطاء نظرة عامة مستقبلية وفق الحيثيات الموجودة في الساحة، فإن الرأي العام الأوربي منزعج من الأوضاع الاقتصادية والسياسية ومن المتوقع انهيار الحكومات تباعاً بسبب ضعف الاستراتيجية الأوروبية في الرؤية المستقبلية، كما انه من المستحيل عودة النظام العالمي الى ما قبل الحرب.
كذلك فإن النصر الروسي سيؤدي مستقبلاً الى مواجهة حتمية مع الناتو، والنصر الأوكراني الغربي سيطيح بحكم بوتين وعودة روسيا الى ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بصورة عامة فإن الأمن الغذائي وأمن الطاقة سيستمران كمشكلة في العالم بعد الحرب، وسيكون لتركيا شأن كبير في السياسة العالمية وفق المعطيات الحالية، وستظهر الصين بحجم أكبر في المكانة الدولية، أما الولايات المتحدة ستزيد من ظلها على أوروبا وتعتبر الرابح الاكبر اذا تراجعت روسيا، ختاماً فإن الدبلوماسية ستكون توجه بوتين وخلاصه بعد التعثر العسكري ، و سيخفض من سقف مطالبه تباعاً، وقد شكلت الحرب الحالية في غزة صورة ضبابية لما ستؤول اليه الحرب في اوكرانيا.