- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
د.محمد سيف الدولة يكتب : رغيف العيش
د.محمد سيف الدولة يكتب : رغيف العيش
- 4 أغسطس 2021, 4:11:43 م
- 964
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لم تكن هذه هى المرة الاولى الذي يعبر فيها رئيس الدولة عن موقفه السلبي من قضية الدعم، فلقد سبق ان عبر عن ذلك، ومنذ اللحظات الاولى، فى عديد من التصريحات والمناسبات:
(ان السلعة يجب أن تباع بثمنها الحقيقى، وانه منذ ما حدث فى 1977 والجميع يخشى تكرار هذه القرارات)) ـ فى لقاء مع قيادات عسكرية )
(ان رفع أسعار الوقود هى خطوة هامة "تأخرت 50 عاما")) ـ حديث مع الصحفيين فى 6 يوليو 2014 )
(الدعم أخطر من الفساد)) ـ فى اجتماعه الثانى بالصحفيين فى 24 أغسطس 2014 )
(لابد من رفع سعر رغيف العيش)) 3 اغسطس 2021 )
ولقد جاء فى تصريحه الأخير انه سيتحمل شخصيا مسئولية قرار رفع سعر رغيف الخبز، وانه لن يحمله لرئيس الوزراء او لوزير التموين.
ولكنى أظن أنه من المهم والمفيد تتبع المرجعيات الرئيسية لمثل هذه القرارات، واقصد بها مؤسسات الاقراض الدولي؛ فإلغاء الدعم ليست فكرة خاصة بالرئيس المصرى، كما انها لا تقتصر على مصر، بل هى فكرة قديمة سمعناها وعانينا منها كثيرا منذ منتصف السبعينات، فهى كما يعلم الجميع فى مصر وفى العالم كله، احدى التعليمات الرئيسية لصندوق النقد الدولي التابع تبعية وثيقة للدول الرأسمالية الكبرى، والذى يأتي على رأس وظائفه اخضاع اقتصاديات الدول النامية لروشتات محددة من اجل ادماجها في السوق الرأسمالي العالمي وضرب وتصفية صناعاتها الوطنية وفتح اسواقها للشركات والمنتجات الاجنبية وتعويم عملتها الوطنية وربطها بالدولار، وتمكين القطاع الخاص من السيطرة على الاقتصاد والثروات، مع تصفية القطاع العام، واغراق الدول فى دوامة لا تنتهى من القروض والديون والفوائد..الخ
وتاريخ البنك والصندوق معنا محفور ومحفوظ فى ذاكرتنا الوطنية، بدءا بانتفاضة يناير 1977 ضد قرارات رفع الأسعار التي تمت بأوامرهم، ومرورا بروشتاتهم المتتالية واجتماعات نادى باريس واتفاقات وخطابات النوايا عام 1991 وصولا لقرارات 2016 وما بعدها من تعويم الجنيه وتخفيض قيمته وتخفيض الدعم عن الطاقة ورفع اسعار عديد من السلع والخدمات والمنتجات ...الخ والتي فرضوها علينا وعلى عديد من الدول الاخرى باسم الإصلاح الاقتصادي المزعوم والتي تتضمن سلسلة من الأوامر والنواهي الصريحة والقاطعة على وزن:
لا تدعم السلع والخدمات.
لا تفرض أسعارا إجبارية (تسعيرة) حتى على سلع الفقراء.
لا تعالج الناس مجانا.
لا تجعل التعليم مجاني الا فى المراحل الأساسية.
لا تبنى مساكن للفقراء.
لا تعين موظفين جدد، بل حاول ان تتخلص من الحاليين او تقلصهم.
لا تقضى على البطالة، فكثرة العاطلين تمكن القطاع الخاص من التحكم فى الأجور.
لا تنفق على الفقراء، فهذا ليس من شأنك.
لا تقدم لهم خدمات مجانية أو رخيصة.
لا تنتج بنفسك، وقم فورا ببيع القطاع العام وتصفيته.
لا تقترب من القطاع الخاص، ودعه يفعل ما يريد.
لا تشترط عليه مشروعات محددة، فهو حر يستثمر فيما يريد.
ولا تضع اى سقف لأرباحه، ودعه يربح كما يريد.
لا تقيد الملكية، فليملك من يريد ما يريد.
ولا تتدخل فى حق التصرف من بيع وشراء للمصريين أو للأجانب.
وليس لك شأن بثروات رجال الأعمال، فليكتنزوا ما يريدون.
ولا تضع حدا أعلى للأجور.
ولا تضع حدا أدنى لها.
ولا تقاوم الفوارق بين الطبقات ولا تسع لتقريبها.
ولا تزيد الأجور، ودع السوق والقطاع الخاص يحددها.
ولا تحمى العمال من الطرد أو الفصل.
ولا تحمى عملتك الوطنية ودعها للسوق يحدد قيمتها.
ولا تحمى منتجاتك الوطنية بالجمارك.
لا تستقل اقتصاديا، وارتبط بالسوق العالمى واتبعه.
لا تخطط للمستقبل، فالتخطيط يضر بحرية السوق.
لا تُرَشّد الاستيراد.
لا تقاوم البذخ.
لا تغلق بابك أبدا أمام الاستثمار الاجنبى.
ولا تضع عليه شروطا، وقدم له ما يريد من تسهيلات واعفاءات.
لا تمنع نقل الأموال الى الخارج.
لا تكف عن الاقتراض منا.
ولا تتأخر فى السداد.
وإياك أن تحاول الاستغناء عنا.
لا تعادىِ (إسرائيل) فهى صديقتنا.
ولا تعارض السياسات الغربية.
بل يجب ان تتعاون معها وتدعمها.
لا تأخذ قرارا الا بعد العودة إلينا.
لا تتباطأ فى تنفيذ تعليماتنا.
والحقيقة انه فى ظل التضييق الشديد المفروض على اى معارضة سياسية، فاننى أشك فى امكانية ادارة حوار وطنى حر يتناول ويطرح الحلول والرؤى الاقتصادية البديلة عن اجندات صندوق النقد الدولى، ليضعها امام مؤسسات الدولة فى محاولة لاقناعها ليس فقط بمراجعة قرار رفع سعر الخبز، وانما باعادة النظر فى مجمل السياسات الاقتصادية التى تم تطبيقها فى السنوات الاخيرة التزاما بالشروط التى وضعها الصندوق للموافقة على اقراض الدولة المصرية 12 مليار دولار.
ولذلك فان أخشى ما نخشاه فى ظل غياب مثل هذه الآليات والمنابر لعرض الرؤى الاقتصادية البديلة ولفتح بوابات للتشاور والمراجعة والتراجع، ان تتحول طوابير المواطنين امام الافران ومراكز توزيع الخبز، الى ساحات للتعبير العفوى والعشوائى عن مشاعر الرفض والغضب من رفع قيمة السلعة الوحيدة فى مصر التى تجعل من التعبير المصرى الشهير (محدش بيموت من الجوع) الملاذ الأخير الذي يحتمى به ملايين الفقراء فى مصر، فى ظل قسوة الحياة وغلاء المعيشة وضيق ذات اليد.