- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
رسائل "الوحدة" و"حرب الاستقلال الثانية" غير كافية لإنقاذ نتنياهو
رسائل "الوحدة" و"حرب الاستقلال الثانية" غير كافية لإنقاذ نتنياهو
- 30 أكتوبر 2023, 7:46:40 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لأول مرة منذ اندلاع الحرب على غزة، خرج، ليلة السبت الماضي، رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على الإعلام برفقة وزير الأمن يوآف غالانت والوزير بني غانتس، عضو الحكومة المصغرة لإدارة الحرب، وأجابوا عن أسئلة الصحافيين.
حمل اللقاء الصحافي هذا عدة رسائل داخلية للمجتمع الإسرائيلي، وفي قضية الأسرى والمخطوفين، وألمح إلى حصول تحول ما في إدارة الحرب والاجتياح البري، وقدم توضيحاً بالنسبة إلى أهداف الحرب.
رسالة الوحدة والمسؤولية الجماعية
الرسالة الأولى التي أراد نتنياهو إيصالها إلى المجتمع الإسرائيلي من خلال الظهور المشترك مع غالانت وغانتس هي الوحدة والعمل الجماعي لطاقم إدارة الحرب. فقد رشحت في الأيام الأخيرة معلومات وأخبار عن وجود خلافات بين نتنياهو وغالانت حول كيفية إدارة الحرب، وعن أزمة ثقة بين نتنياهو وقيادات الجيش.
هذه الأخبار والمعلومات، من وجه نظر إسرائيلية، تلحق الضرر بتماسك المجتمع الإسرائيلي وبقوات الجيش، وهي آخر ما يحتاج إليه نتنياهو في هذه المرحلة. من هنا كانت أهمية إبراز الوحدة والعمل الجماعي وتماسك القيادات.
يعمل نتنياهو جاهداً لإبعاد تحميله المسؤولية عن إخفاق الهجوم
نتنياهو مُتهم من قبل كافة وسائل الإعلام، والمجتمع الإسرائيلي، والقيادات السياسية، بالمسؤولية المباشرة عن الإخفاق الكبير الذي حصل في هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وهو يعمل جاهداً لإبعاد هذه التهمة عنه، ويدير معركة بقاء سياسي بالتوازي مع إدارة الحرب. نتنياهو يحاول من الآن إبعاد أو تخفيف مسؤوليته في هذا الإخفاق، لأنه يعي أن ذلك يشكل خطراً على استمرار مسيرته السياسية. لذلك أراد إظهار الوحدة والعمل الجماعي وتماسك الحكومة في إدارة الحرب، وحاول الاستجابة للضغوط الإعلامية بسبب عدم ظهوره في مؤتمر صحافي ليرد على اسئلة الصحافة.
واختار نتنياهو الظهور المشترك بغية توزيع المسؤولية وإشراك غالانت وغانتس في مسؤولية نتائج الحرب. ظهورهم المشترك يعني أنه بعد تشكيل حكومة الطوارئ، فإن المسؤولية عما يحصل في أرض المعركة ونتائج الحرب ستكون مشتركة لكافة قياداتها.
كما أراد أيضاً أن يوضح أن قرار تأجيل الاجتياح البري الشامل هو قرار جماعي وليس قراره وحده كما رشح قبل أيام، وأن ذلك غير نابع فقط من ضغط الإدارة الأميركية. وبذلك يوزع نتنياهو مسؤولية هذا القرار على الجميع.
نتنياهو يحاول بالتوازي مع إدارة الحرب إدارة معركة بقاء شخصية، ويرفض تحمل المسؤولية عما حصل. بل إنه كتب، ليلة السبت الماضي، تدوينة على منصة "إكس"، يدعي فيها أنه لم يتلق أي تحذير من الأجهزة الأمنية، خاصة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهرون حليوة ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار، حول إمكانية قيام حماس بمهاجمة إسرائيل، وأن الحركة تحت ردع شديد وجل ما تسعى إليه هو ترتيب وتحسين الأحوال الاقتصادية لغزة.
وكتب: "لم يجر تحذير رئيس الوزراء نتنياهو تحت أي ظرف من الظروف، ولا في أي مرحلة من وجود نوايا حرب من طرف حماس". وأضاف أن "جميع المسؤولين الأمنيين، بمن فيهم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ورئيس الشاباك، قدّروا أن ثمة حالة من الردع لدى حماس وتوجهاً إلى تسوية. هذا هو التقييم الذي قُدّم مراراً وتكراراً إلى رئيس الوزراء والمجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) من قبل جميع أجهزة الأمن وأجهزة الاستخبارات، حتى اندلاع الحرب".
وسرعان ما محى نتنياهو منشوره، واعتذر بسبب الانتقادات الشديدة التي وجهت له. وقال: "لقد اخطأت. الأشياء التي قلتها بعد المؤتمر الصحافي لم يكن ينبغي أن تقال وأعتذر عن ذلك. أقدم الدعم الكامل لجميع رؤساء الأجهزة الأمنية. أدعم رئيس هيئة الأركان وقادة الجيش الإسرائيلي والجنود الموجودين على الخطوط الأمامية ويقاتلون من أجل البيت (إسرائيل). معًا سننتصر".
إلا أن هذه الأقوال تشي عن نوايا نتنياهو بعد انتهاء الحرب، واتهام المؤسسة العسكرية بالمسؤولية عن الإخفاق الكبير لإنقاذ نفسه ومسيرته السياسية. وقد نشر في الإعلام الإسرائيلي في الأيام الأخيرة أن نتنياهو بدأ بجمع معلومات وتصريحات لقيادات الجيش لاستعمالها ضدهم بعد الحرب.
تصريحات نتنياهو وغالانت وغانتس لم توضح مصير الاجتياح البري
ومن بين ردود الفعل البارزة ما قاله غانتس، الذي طالب نتنياهو بالتراجع عن أقواله. وكتب غانتس، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن "القيادة تحتاج إلى إظهار المسؤولية. أي تصرف أو تصريح آخر يضر بصمود الشعب وقواته". وتوجه غانتس إلى رؤساء الأجهزة الأمنية قائلاً: "جميعنا معكم ومن خلفكم. المجتمع الإسرائيلي برمته يحمل العبء. لا تلتفتوا إلى الأعلى أو إلى الخلف، وواصلوا مهمتكم".
وقال زعيم المعارضة يئير لبيد إن نتنياهو "تجاوز الخط الأحمر". وأضاف أن "محاولات التهرب من المسؤولية وإلقاء اللوم على المؤسسة الأمنية تضعف جيش الدفاع الإسرائيلي بينما يقاتل أعداء إسرائيل".
تبديل الاجتياح البري بهجمات موضعية
تصريحات نتنياهو وغالانت وغانتس في المؤتمر الصحافي لم توضح مصير الاجتياح البري، على الرغم من تشديدها الدائم على ضرورته. إنما جرى التلميح إلى أنه استبدل في هذه المرحلة بعمليات برية موضعية، ولو تنوعت بحجمها ومداها.
وكان رئيس هيئة أركان الجيش هرتسي هليفي خرج، قبيل المؤتمر الصحافي المشترك لنتنياهو وغالانت وغانتس ببضع ساعات، معتبراً أنه لا مفر من التوجه إلى حملة برية واسعة، ومن دون ذلك، لن يتمكن الجيش من تحقيق أهداف الحرب التي وضعتها الحكومة. ويشير هذا الأمر إلى وجود تصورات مختلفة بين قيادات الجيش والقيادات السياسية، خصوصاً نتنياهو، وإلى أن قرار الاجتياح البري لم يتخذ بعد نتيجة المخاطر الكبيرة، منها احتمال الخسائر البشرية لقوات الجيش، والمخاوف من فتح جبهة شمالية واسعة، والقلق من ازدياد الانتقادات الدولية.
يمكن تأجيل قضية الأسرى
رسالة أخرى شدد عليها المشاركون في المؤتمر الصحافي تناولت قضية الأسرى والمخطوفين، بحيث تزايدت في الأيام الأخيرة الانتقادات حول تعامل الحكومة مع هذا الملف.
وشدد كافة المشاركين في المؤتمر على أهمية هذا الموضوع، وأن الحكومة ستعمل كل ما بوسعها لإعادة المخطوفين والأسرى بأسرع وقت. مع العلم أن الحكومة الإسرائيلية لم تقرر إن كانت عملية إعادة الأسرى والمخطوفين أحد الأهداف الرسمية للحرب، بل قالت إن ذلك في سلم الأولويات الأولى للحرب.
إن إعادة ترتيب مكانة هذا الهدف جاء بسبب الضغط الجماهيري، وبدء العائلات بفعاليات احتجاج وتجنيد الرأي العام لدعم مطلبها. وأوضح نتنياهو وغالانت وغانتس أن الحكومة تدرس كافة الإمكانيات، من ضمنها الإفراج عن كافة الأسرى السياسيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مقابل الإفراج عن كافة الأسرى الإسرائيليين في غزة.
تعامل إسرائيل مع الحرب على أنها "حرب استقلال" ثانية يعني أن كل شيء مباح
وقد يكون هذا التحول في الموقف نتيجة تبدد التفاؤل الذي ساد في الأيام الأخيرة تجاه اتفاق على صفقة تبادل مرحلية مع حماس، فيما تحتاج القيادة إلى إعطاء أجوبة لعائلات الأسرى ولعامة الإسرائيليين. هذا التشديد لا يعني بالضرورة أن الحكومة الإسرائيلية جادة بالنسبة لقبول شروط حماس لتبادل الأسرى، وقد تعكس محاولة لاستيعاب واحتواء مطالب أهالي الأسرى والمخطوفين واحتجاجهم، أو محاولة استباقية لمنع انتقادات مستقبلية حول تعامل الحكومة مع هذا الملف، وعدم الإفراج سريعاً عن الأسرى، بحيث تمكن القيادات من الادعاء أنها فعلت كل ما بوسعها للإفراج عن الأسرى والمعتقلين.
حرب الاستقلال الثانية
الرسالة الرابعة والخطيرة التي خرجت من المؤتمر الصحافي المشترك، كانت أن الحرب الحالية هي "الحرب الإسرائيلية الثانية من أجل الاستقلال" وأنها ستكون طويلة وصعبة. بذلك يعود نتنياهو ووزراؤه إلى الرسالة نفسها التي صدرت منذ الساعات الأولى للحرب، بأنها حرب على "البيت والوجود".
تعامل إسرائيل مع الحرب على أنها "حرب استقلال" ثانية يعني أن كل شيء مباح، كما كان في النكبة عام 1948، وأن للجيش حرية التصرف من دون رادع أو أي اعتبارات لقوانين الحرب. كما أنها تأتي لتعزيز الوحدة الداخلية واستعمال الشعور بالخوف لتوحيد وتجييش المجتمع الإسرائيلي، المجيش أصلاً في هذه الحرب، وللتحفيف من الانتقادات الداخلية.
وقال نتنياهو إنه في هذه الحرب، إما "نحن" أو "هم"، من دون أن يعرف من "هم". هل "هم" حماس، أو سكان غزة أو كل الفلسطينيين. وهذا يعني إعادة القضية الفلسطينية إلى نقطة البدايات، من وجه نظر إسرائيلية، وتشي بأن الحرب الحالية لا تقتصر على غزة، وأن نتائج الحرب ستحدد إلى حد بعيد مستقبل القضية الفلسطينية، وإعادة تعريف الصراع كصراع وجودي، وصراع "صفري" يمكن أن يكون فيه رابح أو خاسر فقط. وهذا نقيض لمبدأ إمكانية حل الصراع على أساس "رابح رابح" للطرفين، كما حاول البعض تصويره مع بدء العملية السلمية بدايات تسعينيات القرن الماضي، واتفاقيات أوسلو.
مع مرور الوقت، تتضح أكثر فأكثر أزمة إسرائيل من خلال تصريحات قياداتها السياسية والعسكرية، وأزمة نتنياهو السياسية الشخصية، بحيث تدعي قيادات الحرب في إسرائيل أن نتائج الحرب ستحدد مستقبل ومصير إسرائيل والمشروع الصهيوني، وستحدد كذلك مصير القضية الفلسطينية.
قد يكون ذلك نابع عن حاجة تلك القيادات، بل والمجتمع الإسرائيلي، لتضخيم الحدث لتجنيد المجتمع والعالم إلى جانب المجهود الحربي الإسرائيلي، لكن قد تكون أيضاً نابعة عن تضخيم شعور القلق الإسرائيلي، والحاجة للتعويض عن الإخفاق الكبير الذي حصل في السابع من أكتوبر الحالي. لغاية الآن تقوم إسرائيل بتدمير غزة وارتكاب جرائم حرب، بدعم كامل من المجتمع والإعلام والمحللين.
إلا أن تأجيل الاجتياح البري، وعدم تحقيق نتائج عسكرية جدية واستراتيجية، وتغيير الأجواء الدولية، يمكن أن تغير الأجواء داخل إسرائيل، وتبدأ الانتقادات، وتطرح الأسئلة حول أداء القيادات السياسية والعسكرية، وحول قدرات الجيش الإسرائيلي على تحقيق مصير وأهداف الحرب.