- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
رسائل “كيشيناو”: ما الذي كشفت عنه قمة المجموعة السياسية الأوروبية في مولدوفا؟
رسائل “كيشيناو”: ما الذي كشفت عنه قمة المجموعة السياسية الأوروبية في مولدوفا؟
- 6 يونيو 2023, 4:08:58 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
شهدت دولة مولدوفا يوم 1 يونيو 2023 انعقاد قمة المجموعة السياسية الأوروبية، وهي اجتماع قمة رفيع المستوى يجمع القادة الأوروبيين؛ حيث هدفت قمة العام الحالي إلى إظهار جبهة أوروبية موحدة في مواجهة الحرب الروسية في أوكرانيا، وتأكيد الدعم الأوروبي لطموحات الدولة الواقعة في أوروبا الشرقية للتقرب من الغرب، والتخلي عن الروابط التقليدية التي تجمعها بموسكو. هذا وقد سخَّرت مولدوفا – التي تُعتبَر من أفقر الدول في أوروبا، والتي تحدها أوكرانيا من ثلاث جهات – كلَّ ما توافر لديها من إمكانات لعقد وإنجاح الاجتماع الثاني للمجموعة السياسية الأوروبية، الذي جمع زعماء الدول الأوروبية من داخل الاتحاد ومن خارجه، فيما وصفه المنظمون بأنه أكبر اجتماع دولي حدث في تاريخ البلاد. وعلى ضوء هذا الحدث غير المسبوق، تكتسب دلالات انعقاد هذه القمة في مولدوفا أهميةً مضاعَفةً، وكذلك المخرجات الناتجة عنها.
دلالات جوهرية
حمل انعقاد قمة المجموعة السياسية الأوروبية في مولدوفا مجموعة من الدلالات الهامة التي يمكن اعتبارها أسباباً لاختيار مولدوفا لعقد القمة، وفي الوقت نفسه انعكاسات ونتائج لهذا الاختيار، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1– تأكيد عدم رهبة الدول الأوروبية من روسيا: تعطي ملاصقة مولدوفا الجغرافية لأوكرانيا، بل وقوعها في القلب منها، رسالة إلى روسيا أن الدول الأوروبية الحليفة لا ترهب قوة الآلة العسكرية الروسية، وترديد موسكو المتواتر لسردية اللجوء إلى الأسلحة النووية، والدليل على ذلك اجتماعهم في أكثر الدول قرباً من العاصمة كييف – باستبعاد بيلاروسيا التي تدور في فلك روسيا بالكامل – وكأنهم يساندون أوكرانيا من داخلها، وقبل الهجوم المضاد المتوقع أن تشنه كييف خلال الأيام المقبلة.
2– مساندة مساعي مولدوفا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي: في عام 2022 قدمت مولدوفا طلب انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في اليوم الذي قامت فيه أوكرانيا بالتحرك نفسه؛ لذلك فإن قادة الدول الأوروبية هدفوا من وراء عقد قمة المجموعة السياسية الأوروبية في مولدوفا إلى إيصال رسالة بأن الموافقة على طلب انضمام الأخيرة إلى الاتحاد ما هي إلا مسألة وقت، وما يحمله هذا الأمر من رمزية أيضاً بأن انضمام أوكرانيا كذلك هو مسألة محسومة لحين الإعلان الرسمي عن ذلك.
3– الإمعان في إظهار ميل كيشيناو التام إلى المعسكر الغربي: لا يُعَدُّ انعقاد القمة أول تحرك أوروبي فعلي على الأرض لإثبات استقطاب مولدوفا بالكامل إلى المعسكر الغربي، بل يعتبر التحرك الثاني الفوري الذي من شأنه إظهار هذا الاستقطاب الحاد لمولدوفا في تحدٍّ صارخ لروسيا؛ ففي أبريل الماضي، تم الإعلان عن تدشين ما تُعرَف باسم “بعثة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في مولدوفا”، التي عقَّب على إنشائها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل جازولين بأن “الاتحاد الأوروبي يسعى إلى تعزيز المسار الموالي للغرب الذي تتبعه القيادة الحالية لمولدوفا، ودفع البلاد للدخول في مواجهة مع روسيا، متجاهلاً مصالح ومزاج السكان فيها”؛ لذلك تُعَد هذه القمة رسالة إضافية هدفها إظهار إمعان الاتحاد الأوروبي في تحدي روسيا من بوابة مولدوفا.
4– توجيه رسالة إلى موسكو أنها خسرت حلفاءها التقليديين: يُعتبَر عقد القمة في مولدوفا بمنزلة رسالة سياسية إلى موسكو أن إشعالها الحرب في أوكرانيا لم يؤدِّ فقط إلى مزيد من النفور إزاء سياستها لدى دول أوروبا الغربية، بل أدى كذلك إلى فقدانها رصيدها السياسي لدى حلفائها التقليديين من دول شرق أوروبا التي كانت جزءاً أصيلاً من أراضي الاتحاد السوفييتي السابق.
ولعل الأهمية الإضافية التي تحظى بها مولدوفا في هذا السياق تتمثل في كونها أكثر الدول الأوروبية فقراً، بما يعني أنه حتى أكثر حلفاء روسيا اعتماداً عليها من الناحية الاقتصادية، وأكثرهم حساسيةً لتقلبات أسعار الغاز الطبيعي الذي تُعتبَر روسيا أكبر مُصدِّريه، باتوا غير راغبين في تقديم أيٍّ تنازلات سياسية أملاً في استرضاء موسكو.
5– منح ضمانات لمولدوفا بعدم تعرضها للسيناريو الأوكراني: كانت هناك تكهنات مستديمة بأن روسيا ستستخدم الحرب في أوكرانيا جسراً للسيطرة على منطقة ترانسنيستريا الانفصالية في مولدوفا؛ حيث تمتلك روسيا بالفعل وحدة عسكرية هناك. وفي منتصف شهر مايو، دعا “فيكتور بونداريف” رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ بالبرلمان الروسي إلى تعزيز الوجود العسكري الروسي في ترانسنيستريا، بجانب أماكن أخرى، مشيراً إلى تنامي النفوذ الخبيث للولايات المتحدة في المنطقة؛ لذا تأتي تلك القمة رسالةً إلى مولدوفا ذاتها؛ أن الدول الأوروبية، ومن ورائها واشنطن، لن تسمح بتكرار سيناريو أوكرانيا من جديد.
6– تطمين النظام الحاكم في مولدوفا بشأن الدعم الأوروبي: سبق أن حذرت رئيسة مولدوفا “مايا ساندو” من مؤامرات موسكو للإطاحة بحكومتها باستخدام مخربين خارجيين؛ وذلك استشعاراً منها بأن التقارب الوطيد مع الغرب قد يفتح عليها باب الضغوط الروسية، لدرجة تخطيط الكرملين للإطاحة بنظامها بالكامل. ومن هنا، تكتسب القمة أهميةً مضاعَفةً بتأكيدها أن دعم أوروبا لا يقتصر على مولدوفا بصفتها دولةً فحسب، بل يمتد أيضاً إلى النظام السياسي الحاكم حاليّاً، وبالتبعية تعزيز شرعية هذا النظام داخليّاً.
مخرجات القمة
نتج عن القمة المشار إليها مجموعة من المخرجات تعكس بصورة عملية الدلالات السابق عرضُها؛ حيث تمثلت أهم هذه المخرجات في الآتي:
1– الانطلاق الرسمي لبعثة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بمولدوفا: رغم سابق الإعلان عن تدشينها، فإن القمة شهدت الانطلاق الرسمي لأعمالها في مولدوفا، وقد تم الاستقرار على تسميتها “بعثة السياسة المشتركة للأمن والدفاع”، كما تَواكَب ذلك مع إعلان صندوق السلام الأوروبي عن تخصيص 87 مليون دولار مساهماتٍ لوجستيةً غير عسكرية لمولدوفا، وهي المساهمات التي تعتبر نواةً لأعمال بعثة الشراكة الجديدة.
2– إعطاء دفعة لترشح أوكرانيا ومولدوفا لعضوية الاتحاد الأوروبي والناتو: استغل الرئيس الأوكراني زيلينسكي خطابه في الجلسة العامة الرئيسية للقمة لطلب المزيد من المساعدات والأسلحة، مضيفاً أن بلاده مستعدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في أسرع وقت ممكن، كما طالب بضمانات أمنية مؤقتة لكلٍّ من أوكرانيا ومولدوفا، وهي مقترحات أيَّدتها فرنسا وألمانيا، كما حث الرئيس الليتواني جيتاناس نوسيدا، الذي سيستضيف قمة الناتو المقبلة في يوليو 2023 ، الحلف على اعتماد خارطة طريق واضحة لانضمام أوكرانيا.
3– الإعلان عن مساعدات أوروبية جديدة لمولدوفا: على هامش قمة المجموعة السياسية الأوروبية، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير” عن حزمة مساعدة جديدة لمولدوفا تقدر بـ1.6 مليار يورو، وستركز على مبادرات رئيسية، مثل تخفيض رسوم الاتصالات “التجوال” مع الاتحاد الأوروبي، والاستثمارات في الربط البيني لشبكات الكهرباء بين مولدوفا ورومانيا، وكذلك في قطاع الطاقة، وتحديث السكك الحديدية، كما تتضمَّن هذه المساعدات زيادة عدد أعضاء وفد الاتحاد الأوروبي في كيشيناو لتسهيل عملية دمج مولدوفا في الاتحاد الأوروبي.
4– تحقيق اختراق في علاقة مولدوفا مع كوسوفو: لم تعترف الدولة المضيفة مولدوفا باستقلال كوسوفو، وعادةً ما كانت ترفض دخول حاملي جوازات السفر الكوسوفية، وهو ما كان يشكل عنصر تخوُّف لدى مندوبي كوسوفو المقررة مشاركتهم في القمة. ومع ذلك، فإنه في الفترة التي سبقت القمة، تم إحراز تقدم في التشريع في البرلمان المولدوفي الذي أقرَّ بأن جوازات سفر كوسوفو هي وثائق سفر صالحة تسمح لحامليها بالتقدُّم للحصول على تأشيرات إلكترونية لدخول مولدوفا.
5– تثبيت التفاهمات المشتركة بين أرمينيا وأذربيجان: خلال أعمال القمة، عُقِد اجتماع بين رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، والرئيس الأذري إلهام علييف، بمشاركة كل من إيمانويل ماكرون، وأولاف شولتز، وتشارلز ميشيل. وقد هدف هذا الاجتماع إلى البناء على التقدم المُحرَز في المفاوضات التي عُقدت في براج في أكتوبر 2022، وفي الاجتماعات الخمس في بروكسل، وفي اجتماع مايو 2023 في واشنطن.
هذا، وقد أفادت وكالة رويترز بأنه تم إحراز مزيد من التقدُّم نحو اتفاق سلام بين البلدين في القمة؛ حيث تم التركيز على رفع الحظر عن النقل الإقليمي والبنية التحتية الاقتصادية، وترسيم الحدود والأمن وحقوق سكان ناجورنو كاراباخ وأمنهم وأسرى الحرب والمفقودين، كما اتفق كلاهما على الاجتماع مرة أخرى في 21 يوليو في بروكسل.
6– دعم الحل السياسي في الأزمة بين كوسوفو وصربيا: تمكَّن ماكرون وشولتز أثناء القمة من تنظيم لقاء وجهاً لوجه بين رئيسَي كوسوفو وصربيا؛ حيث أتى هذا اللقاء استجابةً لأزمة شمال كوسوفو التي اندلعت في الفترة من 2022 إلى 2023. وقد بلغت الأزمة ذروتها يوم 29 مايو الماضي عندما تعرَّضت قوات حفظ السلام التابعة لقوة كوسوفو لهجوم من قبل مجموعة من المتظاهرين، تدَّعي حكومة كوسوفو أنهم “عصابات إجرامية صربية”.
وبعد القمة، اقترح ماكرون وشولتز إجراء انتخابات جديدة في أربع بلديات ذات أغلبية من عرقية الصرب في شمال كوسوفو وسيلةً لحل الأزمة. في المؤتمر الصحفي الذي عقدته بعد القمة، صرَّحت رئيسة كوسوفو بأن قانون الحكم الذاتي للبلديات في كوسوفو يسمح بإجراء انتخابات سحب الثقة بالبلدية إذا وقَّع 20% من الناخبين المسجلين في تلك البلدية على عريضة يطلبون ذلك، وأن الحل للأزمة بات قريباً، كما صرَّح الرئيس الصربي “فوتشيتش” بأن الصرب العرقيين في شمال كوسوفو يرغبون في انسحاب وحدات شرطة كوسوفو الخاصة من المنطقة، ولا يريدون أن يحكمهم “رؤساء البلديات غير الشرعيين”.
7– تسليط الضوء على ظاهرة الهجرة إلى بريطانيا: أثناء انعقاد القمة، صرَّح رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بأنه سيضمن “إدراج موضوع الهجرة بقوة في جدول الأعمال الدولي”، وأضاف أنه “سيأخذ زمام المبادرة” في هذه القضية، وتعهد بـ”إيقاف القوارب” التي تتوافد على بريطانيا بشكل غير شرعي. وبينما خلا جدول الأعمال المنشور للقمة من موضوعات الهجرة بوجه عام، فإن جميع المراقبين أكدوا أنه كان على طاولة المفاوضات بشكل مكثف.
الخلاصة: على الرغم من تركُّز دلالات انعقاد هذه القمة في الاعتبارات المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، فإن مخرجات هذه القمة ونتائجها تشعَّبت لتشمل تناول أزمات القارة الأوروبية على اتساعها. وفي حقيقة الأمر، ساعدت هذه المنصة المستحدثة – أي قمة المجموعة السياسية الأوروبية – في دفع عجلة النقاش والتحرك في قضايا مُلحَّة عديدة، ربما تاهت في التعقيدات المؤسسية للاتحاد الأوروبي أو اصطدمت بعراقيل الأطراف غير الأوروبية في إطار حلف الناتو، وهو ما أكسب استضافة مولدوفا لها – بالطبع – الزخم المطلوب