- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
رياض معسعس يكتب: الإرهاب ذلك اللباس الفضفاض
رياض معسعس يكتب: الإرهاب ذلك اللباس الفضفاض
- 9 ديسمبر 2021, 11:32:20 ص
- 5755
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من هو الإرهابي؟
سؤال الإجابة عليه عديدة، ومتنوعة. ولا يوجد أي توافق دولي حوله أو قانوني يمكن أن يعتمد لتصنيف من هو إرهابي. فصفة الإرهابي، وحسب كل الحالات التي قمنا بدراستها وتتبعها، يتبين أن هذا المصطلح الذي شاع بشكل كبير وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية قد تم استخدامه بداية من قبل الدول الاستعمارية ضد كل حركات التحرر.
حركات التحرر
حركات التحرر وصفت بشكل عام أنها حركات إرهابية، أو كل الحركات الانفصالية حتى في أوروبا وصفت بالإرهابية كحركة أيتا الإسبانية، أو الشين فين الإيرلندية، وسواها. لكن إذا أخذنا بعض الحالات في الشرق الأوسط كمنظمة التحرير الفلسطينية، على سبيل المثال لا الحصر، فمنذ انطلاقتها في منتصف ستينيات القرن الماضي أطلقت دولة الاحتلال على المنظمة حركة إرهابية، واعتمدت الصحافة الغربية هذه الصفة في تعاطيها مع المنظمة، فكانت الصحف الفرنسية مثلا تتخذ هذا المصطلح لوصف أي عملية كانت تقوم بها منظمة التحرير الفلسطينية في الأراضي المحتلة، لكن بعد أول عملية تواصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين في منتصف سبعينيات القرن الماضي بدأت الصحافة الفرنسية التخلي عن وصف المنظمة بالإرهاب، واتخذت مسمى ” الفدائيين” بدلا عنه في كتاباتها.
ومع زيارة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لفرنسا واستقبال الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران له اختلف الأمر جذريا وصارت الصحف تذكر المنظمة باسمها الكامل أو المختصر، وبعد اتفاق أوسلو أصبحت السلطة الفلسطينية في الأراضي المحتلة ويتم التعاطي معها كسلطة شرعية مقبولة من كل الجهات الدولية حتى من دولة الاحتلال التي كانت تصمها بالإرهاب. في حين أن حركة حماس التي تعرف نفسها كحركة تحرر وطني ضد دولة الاحتلال تختلف الآراء حولها فدولة الاحتلال، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومؤخرا بريطانيا وحلفاؤها تعتبر حماس كحركة إرهابية في شقيها السياسي والعسكري، مع أنها كانت قد فازت بانتخابات 2006 التشريعية واحتلت معظم مقاعد البرلمان الفلسطيني قبل أن يقع الخلاف مع منظمة التحرير الفلسطينية.
في حين أن دولا عديدة أخرى كروسيا والصين وفنزويلا وسواها تتعامل معها كحركة تحرر، حتى في صلب العالم العربي اختلفت المواقف حولها فهناك دول قطعت العلاقات معها أو جمدتها، وأخرى تتعامل معها سياسيا واقتصاديا وتؤيدها في نضالها ضد الاحتلال.
الإرهاب ليست صفة دائمة، وتختلف رؤية الدول حولها حسب مصالحها السياسية، ومواقعها من هذه الدولة أو تلك، أو من حركة ما، كما أن الوقت، والأحداث المرافقة لها أيضا تأثير مباشر عليها.
حزب الله اللبناني الذي وضعته مؤخرا أستراليا على قائمة الإرهاب تتضارب الآراء حوله، فالحزب يقدم نفسه كحركة مقاومة وممانعة ضد إسرائيل تحديدا، لكن وبعد انسحاب إسرائيل في العام 2000 من لبنان بقي الحزب محافظا على وجوده كدولة داخل دولة في لبنان، وعمليا أصبح هو الدولة وامتدادا لنفوذ إيران في لبنان، ومع اندلاع الثورة السورية في العام 2011 تحول الحزب إلى ميليشيا تقف إلى جانب النظام السوري في قتل السوريين وتهجيرهم، كما تتهمه دول كثيرة، وخاصة في أمريكا الجنوبية بالقيام بعمليات إرهابية، كما يتهم بتجارة المخدرات لتمويل الحزب وعملياته.
وقد قامت الولايات المتحدة منذ أن اتهمته بتدبير عدة عمليات ضد قواتها في لبنان بوضعه على قائمة الإرهاب، في حين أن دول الاتحاد الأوروبي هناك من اعتبر شق الحزب العسكري منظمة إرهابية، وتتعامل مع الحزب سياسيا كباقي الأحزاب اللبنانية، بينما قامت دول عديدة بوضعه بشقيه السياسي والعسكري على قائمة الإرهاب منها كندا، وبريطانيا في حين أن دولا أخرى قامت بحظره على أراضيها فقط.
أما الدول العربية فتتضارب مواقفها منه بشكل كبير ففي حين تفتح له سورية كل الإمكانيات لتأمين وجوده على الأراضي السورية ليدعمها في مواجهة المعارضة المسلحة وقتل السوريين، ودعمه في لبنان، وكذلك العراق، فإن دول الخليج قاطبة وضعته على قائمة الإرهاب، وكذلك الجامعة العربية.
الحالة السورية
في الحالة السورية ككل بعد اندلاع الثورة تختلف مواقف الدول بشكل كبير في تعاملها مع المعارضة السورية، وخاصة المسلحة منها، فالنظام الذي كان أول من استخدم لغة الرصاص لقمع المظاهرات السلمية ضده اعتبر كل السوريين المنتفضين كإرهابيين (كثورة خرجت من المساجد والذي كان يعتبر حزب الإخوان المسلمين منذ سبعينيات القرن الماضي كحزب إرهابي ويحكم بالإعدام كل من ينتمي إليه)، فالجيش السوري الحر المنشق، وكل الحركات المسلحة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) هي حركات إرهابية بالنسبة له، واتخذت الولايات المتحدة، ومجلس الأمن نفس الموقف منها، بينما رفضت المعارضة السورية الممثلة بالائتلاف الوطني السوري هذا التصنيف. روسيا التي قامت بالتدخل في الشأن السوري بطلب من النظام وبدأت عملياتها العسكرية ضد الشعب السوري اعتبرت كل المعارضة السورية المسلحة كحركات إرهابية، وهي تستمر في قصف المناطق المتواجدة فيها وخاصة في منطقة إدلب، في الوقت الذي لا ترى في كل الميليشيات الطائفية التابعة لإيران (الحرس الثوري، فاطميون، زينبيون، الحشد الشعبي، عصائب الحق.. وسواها) والتي ترتكب مجازر مروعة في الشعب السوري أنها إرهابية، وخاصة ميليشيا فاغنر المرتزقة الروسية التي بدورها ارتكبت مجازر بحق المدنيين السوريين.
أما ما تقوم به ميليشيات النظام المختلفة، وشبيحته، وقواته من قتل وتدمير وضرب المدنيين بالكيميائي، وكل أنواع الأسلحة فهذا بالنسبة للمجتمع الدولي ليس عملا إرهابيا بل تساهم دول كثيرة في تعويم النظام عن طريق إعادته لعضوية منظمات دولية كمجلس حقوق الإنسان، والأنتربول، وتسعى دول عربية عديدة لإعادة النظام إلى الجامعة العربية.
الحالة الأفغانية
وخارج إطار الشرق الأوسط نأخذ الحالة الأفغانية إذ وبعد أن غزا السوفييت أفغانستان في العام 1979 وبدأت مقاومتهم من قبل حركات إسلامية كانت موسكو تصف كل هذه الحركات بالإرهابية، في حين أن الولايات المتحدة التي قامت بإنشاء حركة طالبان ودعمها باستخدام كلمة “مجاهدين” ولكن بعد انتصار حركة طالبان ودخولها كابل، وتحالف منظمة ” القاعدة ” معها، ومعاداتها لأمريكا، صارت حركة طالبان بالنسبة لواشنطن (كالقاعدة التي قامت بتدمير برجي مركز التجارة العالمي في عملية إرهابية) حركة إرهابية ويجب محاربتها.
وبعد عقدين من الحرب في أفغانستان والتي اشتركت فيها قوات حلف شمال الأطلسي، انتصرت طالبان مرة أخرى، واستولت على السلطة واليوم تعامل كالند للند وتجلس واشنطن على طاولة المفاوضات معها، وألغيت عنها صفة الإرهاب.
وبالتالي فإن الإرهاب ليست صفة دائمة، وتختلف رؤية الدول حولها حسب مصالحها السياسية، ومواقعها من هذه الدولة أو تلك، أو من حركة ما، كما أن الوقت، والأحداث المرافقة لها أيضا تأثير مباشر عليها.