- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
سامح المحاريق يكتب: قراءة أردنية جديدة لتسوية محتملة… الحدود والشروط
سامح المحاريق يكتب: قراءة أردنية جديدة لتسوية محتملة… الحدود والشروط
- 29 سبتمبر 2023, 12:19:55 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أتت إجابة الملك عبد الله الثاني على السؤال الأول في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مؤسسة المونيتور حول الشرق الأوسط، خارج التوقعات التي يحملها أي متابع للمواقف الأردنية تجاه القضية الفلسطينية، سواء في مستوى العلاقة الأردنية – الفلسطينية، أو على مستوى المنطقة ككل. السؤال حول إمكانية المضي قدماً في عملية السلام وتحقيق حل الدولتين في ظل وجود الحكومة الإسرائيلية الحالية في السلطة، ليس جديداً، وإجابته الواقعية والدبلوماسية معروفة، فالملك يحمل امتعاضاً دائماً من تصرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي، وانتهازيته السياسية، ونتنياهو يجد في إصرار الملك على حل الدولتين، أمراً مزعجاً للقيادة الإسرائيلية التي تجد قدراً أكبر من المرونة مع شركاء آخرين.
الخيار الأردني ليس موضوعاً للنقاش، بمعنى أن أي تسوية يجب أن لا تكون على حسابه، ومن غير المقبول أن تعمل أي معادلة لاستدعائه لتغطية أي نواقص داخلها
تغاضى الملك عن الرسالة الواضحة في السؤال، ولم يقدم الإجابة المتوقعة ليتقدم تجاه زاوية أخرى تتعلق بالقيادة الفلسطينية، والحاجة إلى وجود أصوات جديدة وشابة في بنيتها، خاصة أن موضوع خلافة الرئيس محمود عباس، لم يعد من الأمور المسكوت عنها فلسطينياً، وفي ظل الموقف الأردني الذي يتمسك بالسلطة الوطنية ومؤسساتها، لتجنب انزلاق الضفة الغربية إلى الفوضى، فإن الأمر لا يخلو من ملاحظات أردنية بحكم دور الأردن الذي لا يمكن استبعاده من معادلة تتعلق بالضفة الغربية. المعلومات التي تحدث بها أحد الصحافيين المتابعين للملف الفلسطيني، تدور حول زيارات متعددة لشخصيات فلسطينية قدمت نفسها بصورة غير مباشرة للأردن، لتحصل على الدعم، أو على الأقل الرضا في المستقبل، وذهبت هذه المعلومات إلى أن الأردن لم يعد متحمساً لمزيد من هذه الزيارات، ويفضل أن يمنح الرئيس عباس الفرصة من أجل ترتيب هذه الملفات بصورة مستقلة، وتجنب الزج بالأردن في أي صراع مستقبلي محتمل.
يتوجه الملك بالنصيحة والتشجيع للرئيس عباس تجاه بناء جيل جديد من القيادات الفلسطينية، تستطيع أن تحمل على عاتقها مسؤولية المرحلة المقبلة، فالمرجح أن الأردن وفي ظل المستجدات التي ظهرت أثناء الفترة الرئاسية السابقة لدونالد ترامب، وفي ظل المحتمل من التحولات مستقبلاً، لا يرى أن الصف الثاني الحالي من القيادات الفلسطينية يمتلك المخيلة السياسية الضرورية، من أجل التعامل مع التفاعلات المقبلة، ولا يعتقد أنها قادرة على إنتاج خطاب سياسي ودبلوماسي منتج، ومع إشادة الملك بخطوات فعلية اتخذها الرئيس عباس بإدخال عناصر جديدة في الحكومة الفلسطينية، فإنه يشدد على ضرورة تقديم هذه الوجوه إلى الأطراف المعنية، فالأردنيون والعرب، وإسرائيل وأمريكا، جميعهم لا يعرفون الجيل الجديد في القيادة الفلسطينية. الجيل الجديد مطلوب من أجل تجاوز الاستغلاق الذي تعانيه السلطة الوطنية بين جناحين، يتمثل الأول في المرجعيات الوطنية التي استطاعت أن تبني سمعتها أثناء الانتفاضة الأولى، ويشمل الثاني فئة من المستفيدين المزمنين من التنسيق الأمني والمالي، وهي التي تمكنت من تعزيز نفوذها وسطوتها على العديد من المؤسسات الفلسطينية، وتظهر بوصفها خياراً مريحاً لإسرائيل ولأطراف أخرى، ولكنها لا تستطيع أن تتقدم بحل دولة فلسطينية تمثل الحد الأدنى من الطموح الفلسطيني. يحضر حل الدولتين في الجزء الثاني من إجابة الملك، مع الإشارة إلى أن حل الدولة الواحدة الذي يتبناه الأردن يختلف عن الحل الذي تفهمه إسرائيل، وتعتقد أنه يناسبها، ويطرح الملك في إجابته، وربما للمرة الأولى، مقولة الدولة الواحدة، في رسالة مبطنة يستطيع الإسرائيليون وحدهم، وربما يكونون الطرف الوحيد المعني بتفسيرها في سياق الخطاب الأردني. هل تحضر في قراءة الملك التغيرات الموشكة في المنطقة، التي تحدث عنها نتنياهو نفسه في صورة المعبر اللوجيستي الممتد من الإمارات تجاه إسرائيل، عبوراً بالسعودية والأردن، خاصة أنه جزء من خيار دولي طرحته قمة العشرين الأخيرة في الهند، بما يجعله متجاوزاً للرغائبية السياسية الإسرائيلية، وهل الانتقال من الطرح الإقليمي، الذي كان حاضراً منذ اتفاقيات إبراهام إلى طرح عالمي تتمحور حوله مصالح عالمية متعددة يتطلب مقاربات مختلفة لتسوية القضية الفلسطينية، وبمعنى أن الأردن ربما يرى الفرصة مناسبة للحصول على تنازلات إسرائيلية غير مسبوقة، ويطلب من القيادة الفلسطينية أن تتجهز لمناقشتها خارج الإطار الكلاسيكي، وبعيداً عن المخيلة السياسية المحدودة التي تنحصر في الإدارة اليومية المتسيدة على أولوياتها حالياً. الحلول التي يطرحها الأردن، أو يبدي استعداده لمناقشتها، واستقراء ملامح الملك في الإجابة، وترتيب معطيات الإجابة نفسها، تظهر أن الأردن يوصل رسالته بخصوص أمرين مهمين،
الأول، أنه ومهما كانت البدائل المطروحة، فالخيار الأردني ليس موضوعاً للنقاش، بمعنى أن أي تسوية يجب أن لا تكون على حساب الأردن، وأنه من غير المقبول أن تعمل أي معادلة لاستدعاء الأردن لتحمل أية فوائض، أو تغطية أي نواقص داخلها، فالرسالة لنتنياهو واضحة، لتطبيق حل الدولتين بطريقة مقبولة يمكن التفاوض عليها، أو حل الدولة الواحدة، ولكن لا تعتبر الأردن بأي طريقة جزءاً من الحل الذي ينقذك من أزمة التحالف مع اليمين المتشدد.
الأمر الثاني، يتمثل في ضرورة توفير حياة كريمة وآمنة للفلسطينيين، فالأردن الذي يمثل مدخلاً للفلسطينيين على العالم من خلال تنقلهم، ويعيش فيه مئات الآلاف ممن يرتبطون بصورة قرابة وثيقة مع أهل الضفة الغربية، يعرف تفاصيل المعاناة الفلسطينية التي يتجاهلها العديد من الدول العربية، فهذه المعاناة تصل إلى ذروتها مع الاشتباكات التي تغطيها المنصات الإعلامية، ولكنها تمثل قمة جبل الجليد الذي تتفاعل تحت مياهه آلية هدر ممنهج لحياة الفلسطينيين وكرامتهم في ظل هندسة التنغيص، لدفعهم تجاه تهجير ناعم، ولذلك لا يمكن أن يتجاهل الأردن هذه الحقائق والوقائع المرئية من جانبه، ولا أن يعتقد، وبحكم الخبرة التاريخية لعقود من الزمن، أن أي حل يتغافل عن الحقوق الأصيلة للفلسطينيين مجتمعاً وأفراداً يمكن أن يكون قابلاً للاستمرار أو الاستدامة.
الإجابة غير التقليدية وبما حملته من مصطلحات جديدة مع وضعها في إطار التوقيت والتطورات الإقليمية والدولية، ستمثل غالباً أرضية استراتيجية الأردن المقبلة، أما ما ستنتجه من خيارات فسيبقى موضوعاً للمتابعة في المرحلة المقبلة.
كاتب أردني