- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
ستيفن والت: كيف يفسر مفهوم "معضلة الأمن" العلاقات الدولية الراهنة؟
ستيفن والت: كيف يفسر مفهوم "معضلة الأمن" العلاقات الدولية الراهنة؟
- 28 يوليو 2022, 1:56:12 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عرض: د. إيمان أحمد عبد الحليم
لموقع إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية
نشر موقع “فورين بوليسي”، في 26 يوليو 2022، مقالاً للكاتب “ستيفن والت” أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “هارفارد”، بعنوان: (هل لا زال هناك من يفهم “معضلة الأمن”؟)، يتناول رؤيته حول مفهوم “المعضلة الأمنية” وما يشير إليه، موضحاً تفسير هذا المفهوم لكثير من المشكلات الدولية الراهنة، خصوصاً ما يرتبط بتصعيد الخلاف بين روسيا و”حلف الناتو” بسبب تنامي حالة عدم الثقة المتبادلة بين الجانبين، وبسبب السياسات الدفاعية للحلف، كما يعرض التقرير السبل التي يمكن من خلال تجاوز المعضلة الأمنية المستمرة وتأثيراتها على العلاقات الدولية قدر الممكن. ويمكن استعراض أبرز ما جاء فيه على النحو الآتي:
تأثيرات صراعية
بحسب ستيفن والت، في مقاله، فإن الكثير من الصراعات الدولية القائمة حالياً إنما مرّها في الأساس إلى مفهوم “معضلة الأمن”؛ تفسيراً وسلوكاً، وهو ما يمكن تناوله في النقاط الآتية:
1- مركزية مفهوم “معضلة الأمن” في السياسات الدولية: يشير “ستيفن والت” في مقاله إلى أن “معضلة الأمن” مفهوم مركزي في الدراسات الأكاديمية المرتبطة بالسياسات الدولية والسياسة الخارجية، صاغها “جون هيرز” لأول مرة في عام 1950 ثم حللها لاحقاً علماء مثل “روبرت جيرفيس” و”تشارلز” جلاسر وآخرون، وهي تصف كيف أن الإجراءات التي تتخذها دولة ما لجعل نفسها أكثر أمناً – من تكثيف عملية التسلح، ووضع القوات العسكرية في حالة تأهب، وتشكيل تحالفات جديدة – تميل إلى جعل الدول الأخرى أقل أماناً؛ ما يدفعها إلى الرد بالمثل، والنتيجة هي دوامة من العداء لا تترك أياً من الجانبين في وضع أفضل من ذي قبل، بحسب الرؤية التي يعرضها “والت”.
2- بروز “معضلة الأمن” في موقف موسكو من توسع “الناتو”: رغم تأكيدات الحلف الدائمة كونه “تحالفاً دفاعياً” بحتاً، ولا يحمل أي خطط عدوانية ضد روسيا، لكن مع ذلك تبرز معضلة الأمن في مخاوف روسيا من سياسات “الناتو” وتعمده التوسع ناحية الشرق؛ فحتى مع اعتبار مسؤولي الحلف هذه المخاوف خيالية أو مجرد “خرافات”، غير أن موسكو، كما يوضح “والت”، لديها أسباب وجيهة لاعتبار ذلك التوسع تهديداً لها؛ ما يدفعها إلى الرد على نحو غير مرغوب فيه، مثل الاستيلاء على القرم أو غزو أوكرانيا.
3- دور رئيسي لـ”معضلة الأمن” في التوترات مع إيران: بجانب المثال الذي يقدمه موقف روسيا من توسعات “الناتو”، تبرز معضلة الأمن كذلك في العلاقة المتناقضة للغاية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وأهم حلفائها في الشرق الأوسط؛ ففي حين يُفترض أن فرض عقوبات قاسية على إيران، وشن هجمات إلكترونية على بنيتها التحتية النووية، والمساعدة في تنظيم تحالفات إقليمية ضدها، سيجعل الولايات المتحدة وشركاءها أكثر أمناً، فإن إيران من ناحيتها ترى هذه الإجراءات على نحو مختلف باعتبارها تهديداً لها؛ ما يدفعها إلى مواجهتها بطريقتها الخاصة، مثل دعم “حزب الله”، ودعم الحوثيين في اليمن، وشن هجمات على منشآت وشحنات النفط، والأهم من كل ذلك تطوير قوتها الكامنة، من خلال بناء رادع نووي خاص بها؛ ما يتسبب في تنامي الشعور بعدم الأمن لدى الدول المجاورة التي تعمل على مضاعفة قوتها التسليحية، ولتزيد احتمالات مخاطر الحرب مرة أخرى.
4- تفسير “معضلة الأمن” تنامي المشكلات الأمريكية الصينية: تظهر المعضلة كذلك في آسيا؛ ذلك أنه ليس من المستغرب أن تعتبر الصين مكانة أمريكا ونفوذها الإقليمي الواسع في القارة، من خلال شبكة قواعدها العسكرية ووجودها البحري والجوي، تهديداً محتملاً لها، وهو ما يدفعها إلى استخدام جزء من ثروتها لبناء قوات عسكرية يمكنها تحدي الموقف الأمريكي، بحسب ما يشير “والت”، موضحاً أن هذه الإجراءات في المقابل كانت سبباً لتراجع شعور بعض جيران الصين بالأمن؛ ما يدفعهم إلى اتنسيق السياسي، وتجديد علاقاتهم بالولايات المتحدة، والعمل على بناء قواتهم العسكرية؛ ما دفع بكين مرة أخرى إلى اتهام واشنطن بالتحشيد ضدها.
5- ارتباط “معضلة الأمن” برد الفعل الدفاعي لسلوك الأطراف: في جميع الحالات المشار إليها، أدت جهود كل جانب للتعامل مع ما يعتبره مشكلة أمنية محتملة إلى تعزيز المخاوف الأمنية للطرف الآخر؛ ما أدى إلى ردود فعل عززت المخاوف الأصلية للطرف الآخر، وليستنتج “والت” أن السلوك العدواني – مثل استخدام القوة – لا ينشأ بالضرورة من دوافع عدوانية، ولكن مع ذلك عندما يعتقد القادة أن دوافعهم دفاعية بحتة، وأن هذه الحقيقة يجب أن تكون واضحة للآخرين، فإنهم يميلون إلى رؤية رد الفعل العدائي للخصم كدليل على الجشع أو العداء الفطري.
6- استمرار “معضلة الأمن” حتى في حال تقديم التنازلات: كما يوحي الاسم، فإن معضلة الأمن هي في الحقيقة معضلة؛ وذلك ما يعني أن الدول لا يمكنها ضمان أمنها بمجرد نزع السلاح من جانب واحد، أو تقديم تنازلات متكررة للخصم، وهنا يوضح “والت” أنه حتى لو كان انعدام الأمن المتبادل يكمن في جوهر معظم العلاقات العدائية، فإن التنازلات التي قلبت التوازن لصالح أحد الأطراف قد تدفعه إلى التصرف بقوة، على أمل الحصول على ميزة لا يمكن التغلب عليها وتأمين نفسه إلى الأبد.
7- أهمية تجاوز تداعيات “معضلة الأمن” قدر المستطاع: إزاء المعضلة المشار إليها، يرى “والت” أن تجاوزها قدر المستطاع يكون من خلال محاولة الحكومات إدارة هذه المشكلات الأمنية من خلال فن الحكم والتعاطف والسياسات العسكرية الذكية، مشيراً إلى ما تناوله “جيرفيس” في مقالته المؤثرة في السياسة العالمية عام 1978؛ حيث أوضح أنه يمكن في بعض الظروف تخفيف المعضلة من خلال تطوير مواقف عسكرية دفاعية، خاصة في المجال النووي. ومن هذا المنظور تستقر القوى القادرة على توجيه الضربة الثانية الانتقامية لأنها تحمي الدولة من خلال الردع، لكنها لا تهدد قدرة رد الضربة الثانية للطرف الآخر.
على سبيل المثال، تستقر غواصات الصواريخ الباليستية لأنها توفر قوات هجومية ثانية أكثر موثوقية، لكنها لا يهدد بعضها بعضاً. على النقيض من ذلك، تعمل أسلحة القوة المضادة، وقدرات الحرب الاستراتيجية المضادة للغواصات، والدفاعات الصاروخية على زعزعة الاستقرار لأنها تهدد القدرة الرادعة للطرف الآخر، ومن قم تتفاقم مخاوفه الأمنية. وكما لاحظ النقاد، يصعب رسم التمييز بين الهجوم والدفاع عند التعامل مع القوات التقليدية.
بناء الثقة
ختاماً.. أوضح ستفين والت أنه يجب على الدول البحث عن المجالات التي يمكنها بناء الثقة فيها دون ترك نفسها عرضة للخطر، مشدداً على أن أحد الأساليب لذلك هو إنشاء مؤسسات لمراقبة سلوك الدول، ومراقبة احترام الوضع الراهن والالتزام بالاتفاقات السابقة؛ إذ تؤدي الانتهاكات الصارخة إلى تآكل جدار الثقة بين الدول، وهو أمر يصعب استعادته بمجرد فقدانه.
المصدر:
Stephen M. Walt, “Does Anyone Still Understand the ‘Security Dilemma’?”, Foreign Policy, July 26, 2022, accessible at: https://foreignpolicy.com/2022/07/26/misperception-security-dilemma-ir-theory-russia-ukraine/