- ℃ 11 تركيا
- 27 نوفمبر 2024
سميح خلف يكتب: بعيد عن غزة.. وقف إطلاق نار في لبنان
سميح خلف يكتب: بعيد عن غزة.. وقف إطلاق نار في لبنان
- 27 نوفمبر 2024, 11:21:32 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مع غرق خيام النازحين على شواطئ غزة ودخول الشتاء مبكرًا ببرده القارس وحصار شبه كامل على المواد الغذائية، وفي المشهد الآخر، غزة بمقاومتها تكبد العدو خسائر في حرب استنزاف يدفع ثمنها الاحتلال لاحتلاله، وصبر لا يتحمله بشر على وضع كارثي لهذه الحرب، وهي ضريبة يدفعها الشعب الفلسطيني في غزة، وربما في المستقبل في الضفة، نتيجة تمسكه بأرضه ومطلبه الإنساني والوطني بأن يعيش في حرية واستقلال وسيادة على أرضه ولو جزء قليل منها. هكذا هو المشهد في غزة.
مع هذا المشهد، تتسرب أنباء من تل أبيب وبيروت عن الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، وشيك في خلال 36 ساعة. ونذكر أن من يقود المفاوضات بالوكالة عن حزب الله وقوى لبنانية وطنية هو نبيه بري، رئيس حركة أمل.
وقد يتساءل البعض أو الغالبية عن وحدة الساحات، هذا الشعار الذي تردد دائمًا منذ السابع من أكتوبر، وحالة التراشق بين حزب الله وما يسمى إسرائيل في الشمال الفلسطيني المحتل تحت تفسيرات وتعليلات بحرب استنزاف. أرادت إسرائيل لها أن تستمر، وخاصة أن ما زالت قوات حزب الله وقوات الرضوان تشكل خطرًا ما يسمى قوميًّا على دولة إسرائيل. وبالتالي، صعَّدت إسرائيل هجماتها بسلاح الجو، سبقتها اغتيالات للرأس الهرمي لحزب الله، وربما قيادات الصف الثاني أيضًا، وسبقها أيضًا التفجيرات في أجهزة الاتصال. من المعلوم أن تواجد حزب الله في الجنوب اللبناني، بل في لبنان كلها، هو خطر استراتيجي على إسرائيل، وخاصة، وبدون مواربة، عندما أعلن رئيس حزب الله السيد حسن نصر الله أنه جزء من الجمهورية الإيرانية وهو ذراعها الأقوى في المنطقة.
نختصر: بعد أن حقق الجيش الإسرائيلي غزوًا بريًّا لغزة ودمَّر 90% من بنيتها التحتية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية، كان من المؤكد أن تنتقل الفرق العسكرية الإسرائيلية للشمال لاجتياح يُرى لما يسمى المنطقة الآمنة لإسرائيل وحدودها لنهر الليطاني. بالتأكيد، لنُعطي كل ذي حقٍّ حقَّه، هذا الاجتياح البري لم يكن للتنزه، بل واجه مقاومة شرسة من قوة الرضوان وغيرها، بالإضافة إلى سلاح الصواريخ التي أصبحت الحياة تكاد تكون معدومة في حيفا والجليل بأكمله، ورشقات مؤثرة على تل أبيب تحت معادلة الردع (تل أبيب مقابل بيروت).
هذا هو المشهد الآخر إذا ما أضفنا له الإسناد اليمني والعراقي، واللتين تعرضتا لعدوان أمريكي بريطاني مقابل هذا الإسناد وتهديد للحكومة العراقية بشن غارات جوية من قبل سلاح الجو الإسرائيلي على العراق إذا لم توقف الصواريخ من أراضيه.
منذ السابع من أكتوبر وبعدها بأسبوع، وتحرك جبهة الإسناد، كانت هناك محاولات حثيثة لفصل المسارات على كل الجبهات، أي فصل حلف الإسناد عن غزة. ونذكر أن نتنياهو في آخر حديث له قال: (نحن نتعامل مع لبنان الدولة بغير ما نتعامل مع حماس). وأمام المسار السياسي بين لبنان وإسرائيل بقيادة أمريكية، صرح نتنياهو ليلة أمس في تحذير لأهل غزة أن يختاروا (بين الحياة والموت). أي أن القصة ليست حماس وحدها، ولكن المطلوب رفع الرايات البيضاء والتنازل عن كل شيء في الوطنية الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني مقابل (رغيف الخبز والعمل). هكذا تجرأ نتنياهو، الذي أُدين بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب. فمن الأجدر الآن أن يُؤخذ هذا التصريح بصوته وصورته ليقدم لمحكمة العدل الدولية والجنائية الدولية. فهذا التصريح يعني إبادة شعب بالتجويع أو بالقنابل الأمريكية الفتّاكة.
التسريبات التي ظهرت الآن حول اتفاق وشيك بين لبنان وإسرائيل تعني شيئًا واحدًا: أن السياسة الأمريكية نجحت في فصل المسارات وتركت جبهة الإسناد غزة وشعبها ومقاومتها. فلا خيارات أمام غزة إلا الصمود أو الاستسلام.
في جردة حساب لهذا الاتفاق وما سُرِّب عنه، وإن صحت الأخبار مع حذر أمريكي من وزارة الخارجية الأمريكية بنفي سرعة الوصول لاتفاق وإن كان هناك إيجابيات، ما زال التصعيد قائمًا في الجبهة الجنوبية والشمالية. ولكن سنورد ما أتى من تسريبات حول هذا الاتفاق، التي قالت وسائل أمنية إسرائيلية بأن نتنياهو وافق على الاتفاق في انتظار تصديق الكابينيت المصغر.
بنود الاتفاق:
- التزام الطرفين بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي لم تنفذ إسرائيل بنوده بسحب قواتها من أراضٍ لبنانية ما زالت محتلة في شبعا والغجر.
- تعهد أمريكي برفع الحظر عن بعض الأسلحة لإسرائيل لضمان قدرتها على ردع كل التهديدات والخروقات في الجنوب.
- الاتفاق تحت رقابة دولية بقيادة أمريكا ودول خمس، منها فرنسا.
- سحب قوات حزب الله إلى شمال الليطاني.
- تحجيم قدرات حزب الله في الأسلحة الثقيلة.
- سحب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في غضون 60 يومًا.
- وقف إطلاق النار خلال 36 ساعة.
في حين أن بعض الأنباء تحدثت عن أن هناك تعديلات إسرائيلية أخرى.
وفي جردة حسابات حل هذا الاتفاق، إن تم، فإن هذا يعني أنه انتصار سياسي إسرائيلي تحققه إسرائيل والولايات المتحدة لم تحققه في نتائج حاسمة في الحرب (كالعادة في كل الحروب). ولذلك نستطيع القول إن جبهة الإسناد لغزة لم تؤتِ ثمارها ولو بـ10% ولم تخفف الضغط عن غزة. وأعتبر أن الوصول لهذا الاتفاق هو هزيمة لحلف المقاومة وإدراك إيران في المنطقة. أي أن غزة بمقاومتها المشروعة وأهدافها لا بكاء على موقفها، ولكن البكاء على من اعتقدت غزة أنهم حلفاء في معركة استراتيجية تخص القدس وفلسطين. وإن موقف حزب الله الحالي يتناقض مع التزامات الشهيد حسن نصر الله نحو القضية الفلسطينية في معركة مصيرية ووجودية.
هذا الاتفاق ينقذ نتنياهو من مساءلات دولية وداخلية، ويعطيه إشارة النصر من الجبهة الداخلية الإسرائيلية، بصرف النظر عن معارضة بن غفير وسموتريتش، الذي يطمع في أراضي الجنوب. أما المطلب اللبناني من الوصول لهذا الاتفاق، فهو أن تنسحب إسرائيل من الأراضي اللبنانية منذ 2006.
ولكن هناك تساؤل آخر: هل أمريكا، التي زودت إسرائيل بكل أدوات الفتك في غزة والضاحية وسوريا، هي وسيط أمين في ظل تعهدها بأنها ستقف مع إسرائيل أمام أي خروقات يمكن أن تكون وتحت أي مبرر أو حجة إسرائيلية؟
إذا ما تم الاتفاق بصورته الحالية، يعني هزيمة سياسية لحلف المقاومة ومبرر آخر لعدم الرد الإيراني على القصف الإسرائيلي للدفاعات الجوية الإيرانية في إيران. وأعتقد في حال وجود هذا الاتفاق فإنه سينعكس على المعادلات الداخلية اللبنانية التي تطالب بالتنحي عن التزاماتها نحو القضية الفلسطينية.
أما غزة، وكما قلت، فإن جبهة الإسناد هذه لم تكن بالفاعلية والتفاعل للتأثير على مجريات الأحداث في غزة. فكان بالإمكان لجبهة الإسناد هذه، إذا كانت تعتقد كما اعتقدت غزة بأنها حرب استراتيجية، وبإمكان هذه الجبهة، بامتلاكها صواريخ بعيدة المدى وخاصة حزب الله وامتلاكه أسلحة دقيقة وطويلة المدى، أن تضرب في الساعات الأولى من الاجتياح البري لغزة القوات المهاجمة في غلافها. وإذا ما كان هناك تكتيك سابق حول الاستنزاف، فلماذا لم توجه الصواريخ الآن للقواعد الارتكازية لجيش الاحتلال في نتساريم وفيلادلفيا وشمال غزة، الذي يتعرض للإبادة؟
ولكي أختم، وبعد هذه الخسارة التي خسرتها لبنان، ماذا حققت من مكاسب؟
ملاحظة: قد أجمل بأن خسارة إسرائيل منذ عام، وبتقارير دولية، 126 مليار دولار. وفي غزة وحدها، أكثر من 1200 ناقلة ودبابة، وحوالي 14,000 جريح و7,000 قتيل، وما زالت إسرائيل تفقد في غزة رتبها العسكرية العالية والمجندين وقوات النخبة. هذه غزة التي تُركت وحيدة أمام معادلات إقليمية ومصالح وتشابكات أخرى.
تنويه مهم:
المقال مكتوب يوم الاثنين 25 نوفمبر 2024، قبل الإعلان عن بنود الاتفاق