- ℃ 11 تركيا
- 18 ديسمبر 2024
سميح خلف يكتب: دولة بلا قوة ردع
سميح خلف يكتب: دولة بلا قوة ردع
- 13 ديسمبر 2024, 1:46:01 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الاحتلال دمر الأسطول البحري السوري
ما حدث في سوريا لا يخرج عن معطيات وفرضيات وأهداف ما يسمى بالربيع العربي في 2011. أصيب هذا المشروع بالجمود فترة من الزمن، ولكن ما زالت أهدافه قائمة، وتم الإعداد لاستكمالها. المطلوب أولاً هو القضاء على الدولة الوطنية التي جاءت بثورات ما بعد الحرب العالمية الثانية وإنهاء مقومات وجودها من خلال ضرب مؤسساتها السيادية ببدائل تخضع للمنظور الأمني والعسكري والاقتصادي الأمريكي.
وبالتأكيد، فإن حرب أوكرانيا أثرت وأضعفت النظام الروسي الذي كان يطمح في بقائه بشرق البحر المتوسط بعد أن خسر شمال إفريقيا، وخسر العراق، وخسر مصر. فليس غريباً على الرئيس الروسي بوتين أن يسحب غطاؤه وحمايته للنظام السوري برئاسة بشار الأسد، واكتفى فقط بإعطائه اللجوء (الإنساني) للرئيس السوري. وهذا يعني أن روسيا تتعامل مع بشار ليس كرئيس دولة له حق ممارسة النشاط السياسي. فكان من المفترض أن يتعامل الروس مع بشار كرئيس دولة. وهذا يعني أيضاً إعطاء الشرعية لما يسمى هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) وللفصائل الأخرى المنضوية تحت غطاء هيئة تحرير الشام، وهي فصائل كانت تُصنف بالإرهاب سواء في المنظور الروسي أو الأمريكي والغربي. وهنا يمكن أن نطرح تساؤلاً: هل يمكن أن يتحول فصيل إرهابي إلى فصيل وطني معترف به؟ تلك هي المقاييس المتقلبة والمتناقضة التي تأتي بأهواء المنظور الأمني والسياسي لأمريكا والغرب وروسيا أيضاً.
سوريا غنية عن التعريف كركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي العربي والجغرافي والديموغرافي. وإن سقطت سوريا، فهذا يعني أن إحدى رئتي الوطن العربي قد سقطت. طبعاً، شيء مذهل ومفجع تلك السرعة والتسارع في سقوط نظام البعث العربي والاشتراكي في سوريا الذي كان له منظور قومي بشعار: وحدة، حرية، اشتراكية. وهو السقوط الثاني بعد سقوط بغداد وضرب كل مؤسساتها الوطنية، جيشها ومؤسساتها الأمنية. وإن كانت بغداد قد تعرضت للاجتياح من 36 دولة، فإن سقوط سوريا أتى بمعادلات وتفاهمات دولية بين أمريكا وروسيا وتركيا وإيران لمكتسبات إقليمية سواء لإيران أو تركيا أو لروسيا في أرض أوكرانيا، وثمنها سقوط سوريا والتخلي عنها لصالح ميليشيات أتى بها الغرب عدةً وعدداً وعتاداً. تركيا تطمح للاستيلاء على مساحة من الأرض في الشمال الشرقي لسوريا بالإضافة إلى لواء الإسكندرونة المحتل من قبل تركيا عام 1949 بحجة تأمين حدودها من منظمة (قسد) الكردية التي تهدف إلى تشكيل دولة للأكراد تضم أكراد سوريا وتركيا والعراق وإيران. فهم مجتمعون على منع قيام دولة كردية كل من إيران وتركيا والعراق، في حين أن منظمة قسد تدعمها أمريكا للحفاظ على التوازن في الشمال الشرقي لسوريا.
من المهم، إذا تعمقنا فيما حدث مؤخراً في سوريا واستيلاء هيئة تحرير الشام على السلطة والدولة في سوريا، أن نتعمق في النشاط الإسرائيلي بعد دخول تلك الفصائل إلى دمشق، حيث قامت القوات الإسرائيلية بالاستيلاء على جبل الشيخ الاستراتيجي وتمددت في الجولان والقنيطرة بما يقدر بـ300 كيلومتر مربع، بما يخالف اتفاقية الهدنة عام 1974، وهي أبعد وأعمق من المنطقة العازلة. لم يكتفِ النشاط والأطماع الإسرائيلية عند هذا الحد، بل قامت بتنفيذ الهدف الأساسي بالقضاء على كل مقدرات القوات المسلحة السورية بـ450 غارة جوية وباستخدام أكثر من 350 طائرة حربية، حيث دمرت المطارات وسلاح الجو السوري وضربت ميناء اللاذقية والأسطول البحري السوري. طالت تلك الغارات كل أنحاء سوريا. والذي يزيد الأمر خطورة، هو استهداف كل مقدرات الدولة السورية باغتيال علماء في الفيزياء والكيمياء سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. هذا النشاط العدواني أوضحه نتنياهو في تعليقه وحديثه عن هذا العدوان، حيث قال إنه قضى على كل من يهدد دولة إسرائيل خوفاً من وقوع الأسلحة الاستراتيجية في أيدي مسلحين.
الغريب أن هيئة تحرير الشام لم تقم بأي إجراء أو استنكار أو إرسال مسلحين لحماية الأرض السورية في منطقة تعتبرها إسرائيل منطقة فراغ ومنطقة ميتة بالنسبة للسوريين. وهذا شيء غريب ومستغرب أيضاً، يدل على أن هيئة تحرير الشام والسيد أحمد الشرع في توافق مع هذا النشاط. أما الجانب الأمريكي، فيبحث جدياً رفع القرار الأمريكي باعتبار هيئة تحرير الشام والنصرة من قوائم الإرهاب، وتطمح أمريكا في تعاون مع النظام الجديد في سوريا.
لا أعتقد أن الأمور في دمشق ستقف عند التصريحات بأن سوريا لكل مواطنيها. وما زال المشروع في بدايته. عندما لا يكون لسوريا جيش وقوة ردع، فقد تم القضاء عليهما واستبدالهما بميليشيات مختلفة المساقات والرؤى والأيديولوجيات. فـ"هيئة تحرير الشام" عبارة عن خمس فصائل كبرى وحوالي 18 فصيلاً صغيراً. وما زالت أهداف الربيع العربي لشرق أوسط جديد تحدث عنه نتنياهو قائلاً إنه سيغير منطقة الشرق الأوسط وستكون إسرائيل فيه هي الدولة المركزية، بعد أن حقق مكتسبات في لبنان وسوريا وغزة. هذا الشرق الأوسط الجديد تحدثت عنه كونداليزا رايس عام 2005 بما يسمى الفوضى الخلاقة، وتبنى هذا المشروع الرئيس الأمريكي السابق أوباما وهيلاري كلينتون، وخططت له الإدارة الأمريكية لاستئنافه بالرئيس المنتهية ولايته بايدن. يجب النظر إلى ما يحدث في السودان وليبيا المستعصية الحل، والعراق الذي فيه دولة مركزية وميليشيات مركزية أيضاً. سايكس بيكو جديدة بجغرافيات جديدة قد تبدأ من سوريا إلى 4 أو 5 دول، بتأمين دولة موالية لإسرائيل على حدود فلسطين المحتلة، ودولة أخرى في الشمال الشرقي لسوريا موالية لتركيا، وربما تولد دولة كردية باعتراف أمريكي، ودولة سنية، ودولة في اللاذقية وطرطوس وهي دولة علوية. ربما هذا المخطط إن لم يكن هناك ما يخالفه من تحرك وطني داخل الشعب السوري. وإن كانت الأمور مستعصية نتيجة أخطاء قام بها النظام السابق والارتكاز على قوى أجنبية كروسيا وإيران كحماية ومواجهة الفصائل الإسلامية. المهم في هذا الموضوع أن هناك دولاً دعمت هذا الربيع العربي بالمال والإعلام وربما الأمن، وما زالت مستمرة في هذا الدور بنفس السيناريوهات والأدوات التي تشابه ما حدث في سقوط بغداد أو الساحة الخضراء في ليبيا. المهم بعد القضاء على الجيوش الوطنية والدولة الوطنية في أكثر من دولة عربية، مثل اليمن، ليبيا، العراق، وسوريا، يجب أن تتيقظ ما تبقى من الدول الوطنية العربية في مصر والجزائر. فالمستهدف ربما في المرحلة القادمة هما هاتان الدولتان وجيشاهما، اللذان ما زالا يسببان الرعب لما يسمى نظرية الأمن الإسرائيلي.