- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
سيد أمين يكتب: تفجيرات بلوشستان.. ابحث عن المستفيد
سيد أمين يكتب: تفجيرات بلوشستان.. ابحث عن المستفيد
- 3 أكتوبر 2023, 1:09:07 م
- 427
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
استهدف تفجيران مسجدين جرت فيهما فعاليات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في ولاية بلوشستان (جنوب غربي باكستان)، وراح ضحيتهما عشرات القتلى والمصابين، وأثارا كثيرا من علامات الاستفهام حول أسبابهما، خاصة أن الولاية عُرفت تاريخيا بكثير من العمليات الإرهابية، مما يعني بشكل آخر ضرورة وجود توقع مسبق لوقوع مثل هذه العمليات خلال مثل هذه المناسبات لدى الأجهزة الأمنية الباكستانية، التي تُعرف عنها قدرتها الاستخبارية العالية، والتي نجحت من قبل في إحباط عديد من العمليات الإرهابية.
توجد في باكستان عديد من الجماعات المسلحة والانفصالية، وبالطبع لكل منها أجندتها، ومع تنوعها تنوعت أيضا العمليات المسلحة ومن تستهدفهم، فتارة توجه ضد الجماعات الصوفية كما في هذا الحادث، وتارة ضد الأقليات المذهبية كالشيعة والأحمدية، وأخرى ضد الأقليات الدينية التي تستهدف الكنائس، وكثير منها تستهدف قوات الأمن.
هذا الإقليم يعد موردا اقتصاديا مهما لإسلام آباد، ومن ثم فإن التشويش عليه وتخويف المستثمرين منه، لا سيما الصينيين والروس، يهدف في الأساس للتأثير الاقتصادي على الدولة
أسباب قريبة
الشواهد المباشرة تشير إلى احتمال وقوف تنظيم الدولة وراء الجريمة، فسِجله يحفل في كل البلدان التي كان فيها بمناصبة الحركات الصوفية العداء، ويعزز هذا الاتجاه أن حركة طالبان الباكستانية لا تنفذ أي عمليات عسكرية ضد أي أقليات أو حركات مذهبية ودينية وفكرية، ويقتصر نشاطها في صورة رد على قيام قوات الجيش والشرطة باعتقال قياداتها أو مهاجمة أماكن وجودهم، فضلا عن أن الحركة سارعت بنفي صلتها بالحادث فور وقوعه.
ومن المؤكد أن تنظيم الدولة- ولاية خراسان سيعلن تبنيه الحادث خلال الساعات المقبلة، خاصة أنه يتفاخر بمثل هذه الهجمات الإرهابية التي يريد إظهار نفسه من خلالها بأنه موجود على الأرض ويستطيع المهاجمة في أي وقت.
وقد يكون هذا التصور خاطئا أيضا، وهناك من يريد من وراء التفجيرات خلط الأوراق والحيلولة دون إعادة الزخم للحديث عن إجراء انتخابات إقليم البنجاب الذي تحظى فيه حركة الإنصاف وزعيمها رئيس الوزراء الأسبق عمران خان بقاعدة شعبية واسعة،. فهذه الانتخابات كان يجب أن تتم بعد مرور 90 يوما فقط من حكم المحكمة العليا بإجرائها أبريل/نيسان الماضي، وهو ما لم يحدث، بل حدثت استهدافات قضائية طالت معظم قادة حركة الإنصاف وأدت إلى حبس زعيمها نفسه في قضية تؤكد كل الشواهد أنها ملفقة، كما طالت الحركة نفسها تهديدات بالحظر.
وربما أيضا يتم استغلال هذا الهجوم في توجيه اتهامات لحركة إنصاف بالضلوع في الحادث بزعم رغبتها في زعزعة الأوضاع اعتراضا على تأجيل إجراء انتخابات إقليم البنجاب وربطها مع الانتخابات البرلمانية الشاملة نهاية يناير/كانون الثاني العام القادم.
طريق الحرير
جدير بالذكر أن هناك منطقتين رئيسيتين تعدان مسرحا للتفجيرات التي تحدث بين الحين والآخر في باكستان، أولاهما إقليم بلوشستان الذي وقعت فيه التفجيرات الأخيرة. ولتوضيح أهمية هذا الإقليم، تكفي معرفة وجود استثمارات صينية هائلة فيه، وكان آخرها مشروع الحزام والطريق "المعروف بطريق الحرير"، الذي يربط مرفأ غوادار الإستراتيجي داخلها بمنطقة شينجيانغ في أقصى غرب الصين.
لذلك، فإن هذا الإقليم يعد موردا اقتصاديا مهما لإسلام آباد، ومن ثم فإن التشويش عليه وتخويف المستثمرين منه، لا سيما الصينيين والروس، يهدف في الأساس للتأثير الاقتصادي على الدولة، ومن ثم منعها من استمرار التوجه بشكل كامل إلى الصين. ويعزز ذلك أن الهجمات التي كانت تستهدف الشركات الصينية لفترة طويلة في الإقليم نجحت لفترة طويلة في تأخير التعاون الصيني الباكستاني في طريق الحرير، إلى أن استجابت الحكومة الباكستانية ونشرت آلاف الجنود لحمايته داخل أراضيها مؤخرا.
أما ثاني المناطق المستهدفة بالإرهاب في باكستان، فهي مدينة بيشاور التي تقع ضمن مقاطعة خيبر، ويكفي أيضا أن تعرف أنها الممر الوحيد الذي يربط بين باكستان وأفغانستان، ولذلك فقد يكون هناك من يحاول عقاب باكستان على فتحها المدينة للتواصل مع طالبان أفغانستان.
ولعل الأمر سيكون أكثر إثارة لو عرفت أن الأسباب الحقيقية وراء الإطاحة بعمران خان من منصبه هو سعيه لانفتاح أكبر على الصين وروسيا بدل الغرب، ودعمه دعوات التعاون مع حركة طالبان الأفغانية.
أسباب بعيدة
إذا بحثنا في الأسباب الإستراتيجية البعيدة وراء تكرار العمليات المسلحة في هذا البلد، فعلينا أن ننظر بعين التأمل إلى كون باكستان تحتل المركز الثاني في العالم الإسلامي من حيث عدد السكان، وتنفرد بكونها "صاحبة القنبلة النووية" الوحيدة التي تمتلكها دولة إسلامية، ولعل هذه المزايا -التي تعطيها ثقلا عالميا- قد تكون هي في حد ذاتها السبب وراء استهدافها وحصارها بالصراعات العرقية والسياسية، بغية وضعها في دائرة الفشل، مما يمنعها من التقدم والتحرر من دائرة التبعية الغربية.
كما أن إصرار بعض النافذين في المؤسسات العسكرية والقضائية على إدارة الحكم من خلف الكواليس، واختيار وتحريك حكومات البلاد حسب إرادتهم الشخصية وتوجهاتهم الفكرية وولاءاتهم السياسية، كان سببا في إثارة القلاقل السياسية المستمرة في هذا البلد، ونجم عنه الشعور بالغبن والمحسوبية لدى قطاع كبير من الشعب الباكستاني، وهو ما فجر بالضرورة نار "النزاعات" المسلحة، كما هي الحال مع طالبان باكستان، و"النزعات" الانفصالية مثل "جيش تحرير بلوشستان"، والحركات الإرهابية كتنظيم الدولة.
في حين أن هذا الوضع صنع انسدادا سياسيا جعل البلاد تعيش منذ استقلالها في دوامة مستمرة للصراع على الحكم، ووجدنا رؤساء وزراء ينزلون من كرسي الحكم ليُعدموا، أو يُغتالوا، أو يُعتقلوا، حتى أن عبد القدير خان -صاحب القنبلة التي أعطت البلاد مجدها- تم سجنه لفترة طويلة بتهم واهية.
وفي النهاية، تسبب انشغال العسكريون بصراعات الحكم في إهمالهم تخصصهم الأصلي وهو توفير الحماية الأمنية للبلاد، مما أدى إلى نمو الجماعات المسلحة وارتكابها الجريمة وراء الجريمة دون رادع.