- ℃ 11 تركيا
- 23 نوفمبر 2024
حوار للراحل د.شاكر عبد الحميد مع الكاتب أحمد سراج
حوار للراحل د.شاكر عبد الحميد مع الكاتب أحمد سراج
- 21 مارس 2021, 11:32:51 م
- 1241
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
المطالع لسيرة شاكر عبد الحميد – أستاذ متفرغ بأكاديمية الفنون المصرية، ووزير الثقافة الأسبق - الحافلة بالدراسة والتدريس والترجمة والنقد والعمل العام، يعرف أنه أمام أحد البناة العظام؛ فالرجل يأخذ تخصصًا بالغ الندرة والتعقيد، ويعمل فيه دون صخب ما يربو على أربعين عامًا؛ ورغم أهمية دراساته من جهة، وإهمالها من جهة أخرى فإنه يكمل طريقه دون اكتراث بالعقبات، ودون رغبة في جني ثمرة قريبة.الإبداع هو محور دراسة عالم النفس الكبير، من أجله ترجم لفرويد، وتشومسكي وشتراوس، عشرات الكتب المراجع الرائدة، ومئات المقالات النقدية التي تنم – لا عن جهد وعلم فقط - بل عن بصيرة نافذة..يجوب كالمستكشف، ويرود كالمغامرين، وعلى كثرة دروبه وطرقه فغايته واضحة.. وها نحن نتتبع خطاه.. لعل هناك من يقرأ أو يسمع أو يتبع.. لعل!..وإلى نص الحوار :-
كيف يمكن أن يفيد علم النفس في دراسة الأدب.. وكيف يمكن معرفة الأدب في دراسة علم النفس؟
هذا مجال للتفاعل الخصب بين حقلين من حقول المعرفة الإنسانية، فدائما ما اهتم الأدباء باستكشاف النفس البشرية، والغوص في أعماقها، وسبر أغوارها، ومحاولة ما يدور في أعماقها من صراعات وأحلام وإحباطات وخوف وأحلام وأوهام ورهبة، هذه النفس العجيبة المليئة بالمتناقضات، والمليئة بالطموحات والإنجازات.
وهذا مجال اهتم به الكتاب منذ الدراما الإغريقية وقبلها ووصولا إلى الآن، وعبر تاريخ الأدب هناك أسماء مهمة تحركت في هذا الاتجاه على مختلف العصور مثل شكسبير وديستوفسكي وستريندبيرج، وغيرهم، بل إنه لن تجد أديبا لا يحاول استكشاف النفس البشرية.
كلما ازدادت القدرة على الاكتشاف، أصبح أدبه أكثر تأثيرًا، وأصبح أدبه أكثر خلودًا ونضرب مثلا بشكسبير؛ فعدد مسرحياته كبير لكن ما خَلُد منها أكثر من غيره هو ما تعرض للنفس البشرية، مثل هاملت وحالة التردد والإرجاء وصراعه النفسي، وماكبث وحالة الكراهية والحقد، والملك لير الفجيعة في الأبناء وحالة شبه فصامية، يصل فيها حد مخاطبة نفسه ويسألها من هو؟ وكيف أصبح لير هكذا؟، والغيرة في عطيل. هذا نوع من الخبرة الإنسانية الخصبة.
أما من اهتموا بدراسة الأدب من منظور سيكولوجي، نقول إن أول من بدأ فرويد، وهذا خطأ فهناك معابد الأحلام الفرعونية – وفيها خبرة شبيهة بالتحليل النفسي -التي كان يشيدها الفراعنة للمريض ويضعون لهم بخورًا وأعشابًا ويقرأون تعاويذ وأدعية ثم يتركونه ينام، وعندما يستيقظ يحكي لهم ما جرى فيقومون بتحليل الأحلام. وجاء فرويد واستفاد منها.
سبق فرويد مئاتُ العلماء بعشرات القرون فسروا الأحلام ودرسوها، لكنه ربط هذه بشكل واقعي أكثر، وبالخبرة المعاصرة، وربطه بخبراته كمعالج نفسي، وبمعرفته الكبيرة بالأدب قديمه وحديثه، وباطلاعه على الأساطير المصرية والتراث الفرعوني والثقافة الإنسانية،مع قدرته على التعبير عن أفكاره، وما لا يعرفه كثيرون أن نوبل رشح لجائزة نوبل للأدب نظرًا لجمال أسلوبه في الكتابة، رغم أنه لم يكتب أدبًا، لكن كتبه في مجال الدراسات النفسية قطع من الأدب الرفيع.
هنا يرد سؤال: ترجمت لفرويد بعض دراساته النفسية.. ما الدوافع لذلك؟
الدافع الأساسي أنني كنت أريد معرفة طريقته في التحليل، وكيف يحلل الأديب لأنهكان يركز على الأدبب، لكنه يضع إشارات كاشفة عن العمل الأدبي، ورغم أنه كان يكتب عن ديستوفسكي - فقد حلل ديستوفسكي ونفى عنه إصابته بمرض الصرع، وأثبت إصابته بأمراض أخرى كالهيستيريا، وأنه كان يفعل ذلك استدرارًا لعطف الآخرين أنه كان مستغرقًا في القمار والديون، فقد كان يأخذ عربون أعماله ويقامر بها، وعندما يضغط عليه الناشرون يضغط على نفسه بالكتابة، وهكذا - فإنه اهتم بالعمل الأدبي ووضع إشارات مهمة.
أثناء تحليله لديستوفسكي تجد هامشًا مهمًّا يشير إلى رواية "أربعة وعشرون ساعة في حياة امرأة" لستيفان زفايج الكاتب النمساوي الشاب – في ذلك الوقت، وقد صار كاتبًا مشهورًا - ويركز فيها على حركة يديه أثناء لعبه للقمار، وانتبه فرويد هنا إلى لعبة القمار، وعلاقتها بالوسواس القهري للإدمان.
والقصة تدور حول امرأة تحب مقامرًا وتنجح في أن توقفه عن إدمانه للقمار، لكنها حين تعود من سفر تجده عاد للقمار، دليل على أن هناك سلوكًا قهريًّا.
من المسؤول عن تخوف الكتاب من الدراسات النفسية.. هل هو فرويد لأنه تكلم عن الأدب بوصفه اختلالات وهروبا؟
بالعكس فرويد محبوب جدا، وله قابلية وجاذبية أكثر من الاتجاه السلوكي أو المعرفي، فدراساته تثير الخيال، ويونج أيضًا مؤثر. وهناك كتاب كتبوا أعمالهم لتتطابق مع تحليلات فرويد مثل عقدة أوديب.
لكن المسؤول أن هناك أدباء يعتقدون أنهم فوق التحليل، وهناك أدباء يخافون التحليل، كما أن هناك نظرة ميتافيزيقة للأدب، فهناك من ما زالوا يعتقدون أن هناك وحيا وإلهاما، فليس هناك وحي ولا شيء بل إن عملية الوحي تفسر كما قال باستير: "إن الأفكارَ الإبداعية لا تزور إلا العقول المهيأة لها" فليس كل شخص تسقط على رأسه تفاحة، سيكتشف الجاذبية الأرضية، هذا كان نيوتن؛ لأنه كان مجهزًا لنفسه، وغارقًا في موضوعه، وهو نفسه يقر بأثر من سبقه: " إنني لو كنت رأيت أبعد من غيري فذلك لأنني كنت أقف على أكتاف السابقين عليَّ"
وهذا دور الخبرة التراكمية، في العلم والفن وغيره، فبيكاسو ما كان ليوجد لولا سبق"ماتيس" ولا تراث أسبانيا العربية والإسلامية، وأسبانيا الحديثة، وتجد في لوحاته الحصان العربي والثيران وغيرها مما رأى بيكاسو.
كيف يدرس علم النفس نصًّا أدبيا رغم أن كاتبه ربما لم يكن يعي لأنه يكتب وفق نظريات هذا العلم..؟
معرفة النفس البشرية أقدم من علم النفس ذاته؛ فتاريخ ظهور علم النفس – بالمعنى العلمي -يعود إلى 1879في ألمانيا، وهذا تاريخ إنشاء فيليلهم فونت أول معمل لعلم النفس، وقبل ذلك بقرون كتب شكسبير، وديستوفسكي وغيرهما، معنى هذا أنه لا يشترط لمن يكتب عن النفس البشرية أن يكون عارفًا بعلم النفس.
بل إنه - من وجهة نظري - من الأفضل أن يبتعد الكاتب عن الدراسة الأكاديمية؛ لأنها تقيده بنظرياتها، وأطرها ؛ فالكاتب يكتب عما يعتقد أنه صدق؛ النظريات تفسد الإبداع، وللدليل ابحث في كثير من كتابة كثير من الأكاديميين الذين يكتبون إبداعًا، تجده إبداعًا متواضع القيمة، وأحيانًا تطغى النظريات على الإبداع. فكلما كان الكاتب وكان خياله أكثرَ تحليقًا، ووجدانه أكثر انفتاحا كان ذلك أفضل وأكثر انفتاحًا وتحليقًا؛ لأنه يكتب عن رؤيته للعالم وما يؤمن به وما يعتقده.. الإبداع سابق على النظريات لا لاحقًا لها، ولا تابعًا.
إمبرتو إيكو- على سبيل المثال - الروائي أستاذ جامعي وعالم سيموطيقا و نعتبره كاتبًا كبيرًا في مصر، مع ذلك فهناك عدد من النقاد والأكاديميين في إيطاليا يعتبرونه متواضع القيمة.
على ذكر "إمبرتو إيكو" واسم الوردة.. أظن أن هناك علاقة قوية بينكما؟
نعم، فروايته اسم الوردة المعروفة تدور حول البحث عن كتاب "الضحك" لأرسطو ولهذا الكتاب قصة شخصية معي، عندما كنت أعمل في كتابي عن الفكاهة والضحك، كنت أجمع مصادر عربية وأجنبية، تراثية ومعاصرة، الجاحظ وبرجسون، وكان هناك فصل عن الضحك في الأدب وتضمن باختين و محمد مستجاب وهدىبركات، وسألني دكتور مصطفى سويف عن عملي الحالي فقلت له كتاب عن الضحك من منظور ثقافي، فقال لي: إن هناك كتابًا كاملاًلأرسطوعن الكوميديا: "وصية أو نصيحة لكونتيليانوس" فاشتريته من أمازون، وهذا هو الكتاب الضائع الذي تدور حوله أحداث رواية "اسم الوردة".
على ذكر إيكو وسيموطيقاه .. لماذا ترجمت معجم السيموطيقا؟
لأن الدكتور فوزي فهمي– وقد كان رئيسًا لأكاديمية الفنون وقتها - طلب مني ترجمته لطلاب الأكاديمية دارسي المسرح؛ حيث لم يكن هناك معجم للسيموطيقا بالعربية مع شدة الاحتياج إليه.. كنت في الإمارات فطلب مني ترجمته مع تحديد زمن؛ فحددت ستة أشهر، لكنه طلبها في ثلاثة، وبالفعل استطعت إنجازها.
هل هناك علاقة بين علم العلامات وعلم النفس؟
بالطبع؛ فعلم العلامات يدرس العلامات اللغوية والعلامات البصرية وغيرها،فالعلامة مرتبطة بالسلوك الإنساني، وبالإبداع، وأي منتج فني هو مجموعة من العلامات فلوحة الفنان مجموعة من العلامات بدءا من الخط، واللون نفسه علامة، وكل هذا له علاقة بالنفس.
لنضرب مثالا؛ فالعلم علامة ومع ذلك يرتبط بالفخر والانتماء والتوحد،وهذه كلها سلوكيات.. أيضًا الخبرة الجمالية أي حين تستمتع بالعمل الفني فهذا جانب سيكولوجي، علم الجمال "الإستاطيقا" لا يدرس الجمال الداخلي بل أثر الأشياء الجميلة عليك، ما الخبرة الجمالية التي نتجت؟ فدراسة الخبرة هي دراسة علامات، فالإنسان صانع علامات، ولنذهب إلى ما هو أبعد؛ فالطفل أول صانع للعلامات؛ فحين يرسم خطًّا ودائرة فهو يرسم إنسانًا، وهذا يدل على أن العقل يحاول أن ينتج ما يدل عليه، أو يرتبط به، أو يتعلق به. كل شيء في الحياة علامة
هذا يستدعينا لسؤال مهم.. من الذي اهتم بالعلامات في علم النفس؟
في مجال علم النفس أشهر من تكلم هو كارل جوستاف يونج زميل فرويد، عبر المراسلة ثم تقابلا، واشتدت العلاقة لكن يونج اختلف مع فرويد فأنتج: "الشعور الجمعي" عكس فرويد، وبناء على هذا اهتم بالرموز الموجودة في الأديان والأساطير والفنون، فذهب إلى جنوب شرق آسيا ودرس دياناتها، ووجد أن الرموز تعبر عن النفس الإنسانية، فهو يؤمن أن الرموز ليست أشكالا هندسية، بل تعبر عن النفس الإنسانية كما في حالة الدائرة الموجودة في الماندالا، بل إفرازات للنفس من خلال الأحلام والحدس، فالإنسان يطلع في الأحلام على مخزون النفس البشرية الجمعي. والرموز يمكن أن تكون علامات أو أعمال أدبية أو أعمال فنية.
هنا يختلف يونج عن فرويد الذي يرى الحلم حيلة دفاعية؟
هناك اختلافات كثيرة نذكر بعضها، حلم يونج يتحدث عن المستقبل عكس حلم فرويد، كذلك حلم يونج جمعي وليس فرديًّا كفرويد، الحلم لدى فرويد يعبر عن الاختلال والمرض، فيما هو لدى يونج يرتبط بالتنبؤ والإبداع.
فيفسر فرويد أحلام الطيران من خلال ارتباطها بالجنس، فيما هو لدى يونج الطموح والعلو، بالتالي حين يتكلم يونج عن الأدب يختار "موبيديك" ويعتبرها أعظم رواية في التاريخ البشري؛ لأنها تعبر عن صراع الإنسان مع القدر السيئ ومع المستحيل؛ فإيهاب البطل قطع رجل حوت، وقرر أن ينتقمن ويبحث عنه حتى يقتل.
ميزة يونج ليست فيما قدمه، بل في تأثيره فيمن جاء بعده؛ فقد تحدث يونج عن اللاشعور الجمعي وقال إن مكوناته هي النماذج الأولية وهي الأفكار الكبرى المتعلقة بالثنائيات مثل: الخير والشر. الرجل والمرأة. الله والشيطان، الأبوة والأمومة، أو الحياة والموت.
جاء بعده فراي الذي أسس "المدرسة النماذجية" كما أثر على جاستون باشلار الذي قام بتحليل أحلام الميثولوجيا اليونانية؛ الماء والنار والتراب والهواء. كما أثر على جوزيف كامبل الذي قام بعمل دراسات في الأساطير صاحب "البطل ذو الألف وجه"، وأثر على مخرج جورج لوكاس حروب النجوم. في السينما.
ما المكان الأفضل لتخريج عالم نفسي يدرس الأدب؟
أكاديمية الفنون الآن هي أفضل مكان الآن، وكان أفضل مكان بالنسبة لنا هو قسم علم النفس بجامعة القاهرة لوجود مصطفى سويف، هناك مؤهلات للدارس؛ أولا أن يكون متخصصا في علم النفس ولديه استعداد، لا وجود لمشروع مؤسسي الآن لكن يمكن عمل هذا بتعاون كامل بين الأقسام؛ لأن هذا مجال بيني يضم علم النفس واللغة العربية ويمكن أن يكون فيه من اجتماع وفلسفة والبيولوجيا والفسيولوجيا فلا يمكن الكلام عن الإبداع دون الحديث عن الدراسات الفسيولوجية المتعلقة بالمخ؛ لأن هناك دراسات تتعلق بالمخ والإبداع مثل دراسات المناطق المتخصصة بالمخ، ومناطق المنطق منذ 1884 (بعدها بمائة عام حصل روجر سبيري على جائزة نوبل في الطب؛ بسبب دراساته عن مراكز اللغة والتفكير والإبداع في المخ) ثم جاءت دراسات الإنزيمات والهرمونات، فنحن نحتاج إلى هذا التضافر.نحتاج إلى فريق دراسي متكامل، أدعو كل كلية آداب إلى إنشاء فريق دراسي، إلى إنشاء قسم دراسات بينية موجهة.
حاوره أحمد سراج