- ℃ 11 تركيا
- 23 نوفمبر 2024
شيماء المرسي تكتب: إيران ترى أن طالبان تآمرت مع أمريكا في قتل الظواهري
شيماء المرسي تكتب: إيران ترى أن طالبان تآمرت مع أمريكا في قتل الظواهري
- 11 أغسطس 2022, 9:27:08 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قبل أيام أعلن الرئيس الأمريكي أن طائرات بلاده المسيرة قتلت أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي في العاصمة الأفغانية كابول، وعلى حد قوله: “الآن تحققت العدالة، وسينعم الأمريكيين بمزيد من الأمان”، وهو بذلك يحقق وعده الذي قال فيه “مهما استغرق الأمر زمنًا وفي أي مكان تختبئ، فلو كنت تهديدًا لشعبنا فستعثر عليك الولايات المتحدة وتقتلك”.
وبرغم أن تلك العملية كان مخطط لها سلفًا وموجهة من قبل وكالة المخابرات الأمريكية، إلا أن اجتماع مسؤولي حركة طالبان وواشنطن من أجل الإفراج عن الأصول الأفغانية بعد مرور أربعة أيام فقط على الضربة الأمريكية، يُعزّز فرضية أن طالبان جعلت من الظواهري كبش فداءٍ للمصالحة مع الأمريكيين مقابل تلك الأصول، كما أن تمنع طالبان عن إدانة ذلك الهجوم يؤكد هذه الفرضية.
الضربة الثانية لأمريكا
بعد 11 عامًا من قتل أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة الإرهابي، لقيّ ثاني أقوى فرد في التنظيم المصير نفسه، ولعلنا نتذكر خروج الرئيس باراك أوباما أمام عدسات الكاميرات لتأكيد مقتل أسامة بن لادن على يد فريق من “نيفي سيل” في أبوت أباد بباكستان، وتصدّر الخبر مانشيتات الصحف العالمية.
اليوم نراه بمشهدٍ ثانٍ، عندما خرج الرئيس جوزيف بايدن صباح الثلاثاء 2 أغسطس 2022 وإعلانه، مقتل أيمن الظواهري في كابول واتهامه بالتورط في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر 2001. علاوة على تأكيده أن الظواهري كان العقل المدبر وراء الهجمات الإرهابية على الأمريكيين لعدة عقود.
جدير بالذكر أن الظواهري انتخب زعيمًا لتنظيم القاعدة منذ عام 2011، وخلال تلك المدة قاد جميع مهام التنظيم في سوريا واليمن وليبيا. وقد عاش الظواهري حياته بسرية تامة، ولم تكن هنالك معلومات عن مقره السري ولهذا السبب وضعت أمريكا فيما مضى مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يأتي برأسه.
تقول الولايات المتحدة الأمريكية إن الظواهري لعب دورًا مهمًا في تنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية في العالم، وبطريقة ما كان المخطط والعقل المدبر لها.
أما تهديدات بايدن للإرهابيين بأن “لا تحاولوا الاختباء، سنجدكم أينما كنتم” وتصريحاته بمنع أفغانستان من أن تكون ملاذًا للإرهابيين، يبين تغير في الاستراتيجية الأمريكية تجاه أفغانستان، ما يعني أن دور أمريكا بخروج جيشها من هنالك، لم ينته بعد.
وهو ما يعني أنه لازال لأمريكا أوراق أخرى تلعبها مع طالبان، لكنها ومع ذلك، تعلن بفخر قتلها زعيم القاعدة، الذي عدّ المؤسس الرئيس للجماعات السلفية في العالم، والذي دعم الجماعة عسكريًا ما آل لاضطراب الشرق الأوسط أمنيًا مدة ثلاثة عقود.
سيناريو أمريكا المحبوك
وحول سيناريو مقتل الظواهري، قالت مصادر أمريكية لصحيفة نيويورك تايمز، إن الهجوم الأمريكي على منزله الآمن والذي يقيم فيه مع أفراد آخرين من عائلته، تم بواسطة صاروخ بالغ الدقة ــ النسخة المطورة من صاروخ هيلفاير (AGM-114) ــ ما يشير إلى أن المخابرات الأمريكية هي من نفذت العملية وليس الجيش الأمريكي كما ادعى بايدن.
أما تقرير رويترز فقد جاء فيه أن الظواهري كان مختبئًا منذ عدة سنوات، وأن عملية العثور عليه وقتله هي نتيجة مثابرة وصبر مجتمع الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة.
على هذا المنوال، كانت الحكومة الأمريكية على علم بالشبكة التي تدعم الظواهري، وقد رصدت في خلال انسحاب جيشها من أفغانستان العام الفائت وجود القاعدة في هذا البلد، وعليه تمكن مسؤولو المخابرات الأمريكية من التعرف على الظواهري في ذلك المنزل الآمن، وفي إبريل الماضي أجروا محادثات مع كبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية بشأن ما توصلوا إليه.
أما سيناريو تنفيذ العملية، فقد بدأ مع دخول الظواهري المنزل، ورصده في شرفته، عندها تأكدت السلطات الأمريكية من إمكانية إنفاذ مهمة القتل، كما اتخذت إجراءات احترازية لتفادي تعرض المدنيين وعائلة الظواهري لأي خطر.
هذا وتدعي الولايات المتحدة أنها صممت مثل هذا البرنامج المعقدّ لعدة أشهر، بينما الأخيرة غادر جميع مواطنيها أفغانستان العام الفائت.
هذه المسألة من الناحية العملية تجعل ادعاء المراقبة المخابراتية عن كثب يبدو أمرًا بسيطًا. فبرغم التأكيد الرسمي للولايات المتحدة على مقتل الظواهري، تساءل أحد قادة الجماعة المعروفة باسم “الجماعة الإسلامية” في مصر، عن صحة ادعاء واشنطن، قائلًا: “حتى الآن انتشر خبر قتله مرات عديدة في وسائل الإعلام الغربية ومع ذلك لا يمكن التأكد من صحة هذه المعلومات”.
مبادلات ثنائية
يبدو جليًا أن أمريكا ترغب في إظهار كفاءة أجهزتها المخابراتية، ومع ذلك هنالك أدلة تُظهر احتمالية أن الظواهري كان كبش المصالحة بين طالبان وأمريكا، إذ ظلت الولايات المتحدة تتعقب مقرات القاعدة لفترة طويلة، حتى منذ خروجها من أفغانستان لم تضطلع في أي هجمات على الأراضي الأفغانية.
لكن أن يُنفذّ الهجوم الذي أودى بحياة الظواهري، بعد اجتماع ممثلي طالبان والبيت الأبيض على هامش قمة سمرقند بأوزباكستان؛ فيعني ذلك ببساطة أن الاجتماع لم يكن محضّ جلسة عارضة وإنما فيه تم الاتفاق على تسليم الظواهري للأمريكان.
خاصة وأن الاتفاقيات المبرمة مع طالبان خلال الاجتماع، توصلت إلى إفراج أمريكا عن جزء من الأصول المجمدة لأفغانستان، وهي الأصول التي تحتاجها طالبان بشدة لتتخطى الأزمة الاقتصادية في البلاد.
كذلك عدم إدانة طالبان مقتل الظواهري، واكتفائها بأن الهجوم الجوي على كابول يعتبر انتهاكًا لوحدة الأراضي الأفغانية، نقطة أخرى تبرهن على تلك الفرضية، علاوة على أن لين موقف أمريكا تجاه طالبان خلال قمة طشقند الأسبوع الماضي، يستحق التأمل هو الآخر.
على صعيد آخر، صرّح أمير خان متقي وزير خارجية طالبان أن اجتماع طشقند حمل الكثير من المكاسب للحكومة المؤقتة، إلى جانب تبادل وجهات النظر حول التنمية الاقتصادية في أفغانستان.
ثم أن إطلاق بعض أطراف الحكومة المؤقتة اسم الحكومة على طالبان يقوي مسألة الاتفاقات التي تجري وراء الكواليس بين هذه المجموعة والبيت الأبيض. وعلى الرغم من ذلك كتب الممثل الأوروبي الخاص لأفغانستان توماس نيكلاسون، على حسابه بتويتر حول ادعاء طالبان أن: “هذه الحقيقة غير صحيحة، وسبق أن قال الاتحاد الأوروبي بوضوح أن أفغانستان ليست لديها حكومة معترف بها”.
ومع هذا، فإن تعبير مسؤولي طالبان عن سعادتهم بنتائج قمة طشقند، يُظهر أن هنالك تطورات إيجابية على الساحة السياسية والاقتصادية لأفغانستان. ففي وقت سابق حجزت أمريكا أكثر من 7 مليارات دولار من الأصول الأفغانية، واشترطت تشكيل حكومة شاملة نظير إفراجها عن تلك الأصول. لكن الإفراج الحالي عن جزء من الأصول يشير لاحتمالية إبرام اتفاقيات مختلفة بشروط أخرى.
هنالك تكهنات أن البيت الأبيض كان بانتظار تأكيد المصادر المحلية ــ من طالبان بطبيعة الحال ــ لخبر مقتل الظواهري، ولهذا السبب انتظر بايدن يومين بعد تنفيذ الهجوم، ليعلن عنه رسميًا.
غير أن التراشق الإعلامي بين أمريكا وطالبان، يُظهر امتعاضا لبعض الأطراف الساخطة، فهذا وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين، يدين استضافة وإيواء حركة طالبان لأيمن الظواهري، ويعتبره انتهاك صارخا لاتفاق الدوحة؛ لأنه وبحسب اتفاق الدوحة المبرم فبراير 2020 تعهدت طالبان بمنع أنشطة القاعدة على الأراضي الأفغانية.
ليس هذا فحسب، بل هنالك أدلة على وجود الظواهري في أفغانستان منذ وصول طالبان إلى السلطة. وأنها كانت على علم باختبائه في منزل أحد كبار مستشاري سراج الدين حقاني زعيم شبكة حقاني ووزير الداخلية في الحكومة المؤقتة لطالبان.
وعلى النقيض أدان المتحدث باسم الحركة الهجوم الأمريكي على منزل سكني في كابول، بأنه انتهاك لاتفاق الدوحة هو الآخر.
خاتمة
على ما سبق يمكن اعتبار عملية قتل الظواهري أسلوبا قصير الأمد يعززّ من شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن من ناحية، ويثير تساؤلات حول استراتيجيته في أفغانستان من ناحية أخرى.
لكنه وبرغم ذلك يثير مخاوف حول حقيقة دعم أمريكا لحركة طالبان وتواطؤهما معًا على التضحية بالظواهري نظير مصالحهما المتبادلة؛ لأنه وبطبيعة الحال من الصعب تصديق أن قتله دون جرح أحد من المدّنيين لم يكن بترتيب مع طالبان.
إلا أن السؤال المثير للقلق هنا، هل تأييد الولايات المتحدة لطالبان سيتحول من السرية إلى العلنّية؟! خاصة وأن الدّعم الصريح لحكام أفغانستان الجدد وتوفيرهم الملجأ الآمن للإرهابين، يعني كشفا صريحا للدور الذي تلعبه أمريكا منذ سنوات وراء الكواليس، وأن الجماعات الإرهابية لم تكن لتكون سوى بتخطيط وتنفيذ ودّعم أمريكي، ما علينا سوى الانتظار لما ستفصح عنه الأحداث خلال الأيام القادمة.