شيماء المرسي تكتب: كيف وظفت التيارات السياسية مبارايات إيران في كأس العالم بقطر؟!

profile
شيماء المرسي باحثة دكتوراة بالشأن الإيراني
  • clock 3 ديسمبر 2022, 8:02:42 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تابعت الأوساط السياسية في إيران مباريات منتخبها الوطني لكرة القدم بعد مشاركاته في المجموعة الثانية لبطولة كأس العالم 2022 في قطر، وقد بدأت هذه المتابعة عندما وضعت قرعة الفيفا منتخب إيران في مجموعة واحدة مع أكثر دولتين يتوجس منهما العقل الباطن الإيراني، وهما إنجلترا وأمريكا، وتفاعلت تلك الأوساط مع مباريات إيران الثلاثة في هذه المجموعة تفاعلا سياسيا احتلت فيه كرة القدم المرتبة الأخيرة في قائمة الأولويات الوطنية.

وفي مباراة إيران مع إنجلترا التي انتهت بسداسية إنجليزية في مرمى إيران، زعمت بعض الصحف الإيرانية المحافظة أن لاعبي منتخبهم الوطني تعرضوا لحرب إعلامية ونفسية شرسة من وسائل الإعلام التابعة لـ”النظام الصهيوني والسعودي وبائعي الوطن في الداخل والخارج”. وأنه لولا الدعوات المنكلة والداعية لاستبعاد المنتخب بل وطرده من البطولة على خلفية الاحتجاجات الجارية في إيران منذ وفاة الشابة الإيرانية الكردية “مهسا أميني” التي توفيت بعد احتجازها من قبل شرطة الإرشاد الإيرانية يوم 16 سبتمبر 2022، ما كانت لتحدث تلك الهزائم القاسية لمنتخب بلادهم أمام الإنجليز والأمريكان.

المنتخب الإيراني بين رحى الإعلام والعدو

برغم الهزيمة القاسية لمنتخب إيران أمام المنتخب الإنجليزي 2 ــ 6، أشادت الصحف المحافظة بأداء اللاعب الإيراني “مهدي طارمي” لتسجيله هدفين في مرمى أقوى المنتخبات الكروية -منتخب إنجلترا ــ في البطولة، حتى إنها اعتبرته صانعًا للتاريخ؛ كونه اللاعب الإيراني الوحيد الذي تمكن من تسجيل هدفين في تاريخ كأس العالم.

هذا التحيز الصريح جاء كرد سريع من صحيفة كيهان المحافظة والمقربة من المرشد بعد المباراة؛ ردًا منها على الحملات الشامتة بهزيمة المنتخب الإيراني في مباراته الافتتاحية أمام الإنجليز.

ففي صباح يوم الثلاثاء الموافق 22 نوفمبر 2022 عنونت صحيفة “كيهان” المحافظة صفحتها الأولى بمانشيت “إيران 2 – إنجلترا وإسرائيل وآل سعود وبائعي الوطن 6” في إشارة إلى أن الأهداف الستة كانت حصيلة مؤامرة إنجلترا مع إسرائيل والسعودية والمعارضة الداخلية بعدما نجحت حربهم الإعلامية المنددة بإيران وبمنتخبها المشارك في البطولة.

وقالت الصحيفة المحافظة التابعة لمكتب المرشد إن هذا الاستهداف المستمر والمتكرر والذي استمر لمدة لا تقل عن شهرين كان أحد الأسباب في تراجع الروح المعنوية للاعبي المنتخب، بالإضافة إلى تذبذبهم بين حملة الاتهامات بالتواطؤ مع رادعي الحريات من جهة، وبين التخاذل في حق الوطن من جهة أخرى. الحرب النفسية هى الأخرى، كانت عاملًا قويًا خاصة وأن وسائل الإعلام الأجنبية سيست المباراة في سياق اتساقها مع حملتها الإعلامية.

وأضافت أن هذا بدا واضحًا في اللقاء الصحفي للمدير الفني البرتغالي لمنتخب إيران “كارلوس كيروش” عندما سأله مراسل إنجليزي أسئلة سياسية وهامشية؛ بهدف تشويش تركيز اللاعبين. إلا أن “كيروش” فاجأه بردوده وحديثه عن السلوك المشين للبريطانيين مع المهاجرين وتعنيف رجال الشرطة البريطانية لهم، وانعدام حقوق الإنسان في أرض الأحلام. هذه الحادثة في تسييس المباراة قبل انطلاقها تعد الأولى من نوعها في تاريخ المونديال، على حد قول الصحيفة.

تحفظ الصحافة الحكومية والأصولية

بعد هزيمة إيران في مباراتها الافتتاحية، شنّت الصحف الإيرانية بنوعيها الحكومية والمحافظة هجومًا مضادًا لدعم فريق البلاد، ودحض محاولات تشويهه. لاسيما وأن كثيرًا من الصحف الغربية أعزت عدم ترديد المنتخب الإيراني “النشيد الوطني” قبل انطلاق المباراة، إلى محاولة التمرد على النظام.

وكمزيدٍ من الدعم، تصدرت صورة المهاجم الإيراني “مهدي طارمي” ومعانقة لاعب الجناح “مهدي ترابي” له غلاف صحيفة إيران الحكومية ليوم الثلاثاء الماضي. وكانت الصورة معنونة بـ”ثنائية طارمي في يومٍ سئ للمنتخب الوطني”. لكن ما يستوقنا في تلك الصورة، هو تعمدّ الصحيفة عدم إظهار صورة قائد الفريق وممثله “إحسان حاج صفي” إلى جانب لاعب الهجوم “مهدي طارمي”؛ كاعتراض صامتٍ منها على تصريحاته الأخيرة قبيل المباراة في دعم الاحتجاجات، وتطلعه نحو التغيير.

لكن الملفت للنظر كان عنوان صحيفة “جام جم” التابعة للتلفزيون الإيراني، والتي حرصت على إظهار التفاف الفريق حول بعضه البعض على غلاف صفحتها معنونة إياه “التفاف الوحدة ولكن للتعويض” في إشارة منها إلى قسم المنتخب بالفوز على منتخب ويلز وأمريكا، كتعويض عن هزيمته الثقيلة أمام إنجلترا.

وبالفعل حقق منتخب إيران فوزًا على منتخب ويلز بهدفين في اللحظات الأخيرة من اللقاء الذي جمعهما الجمعة 25 نوفمبر، وهو ما حمس صحيفة كيهان المتشددّة على تغيير عنوان صفحتها صباح يوم السبت الموافق 26 نوفمبر الجاري من ““إيران 2 – إنجلترا وإسرائيل وآل سعود وبائعي الوطن 6” إلى ““إيران 2 – ويلز وإسرائيل وآل سعود وبائعي الوطن في الداخل والخارج صفر”، كرد شامتٍ منها على الحملات الإعلامية المنددة بالمنتخب، خاصة وأنها أشادت هذه المرة بترديد المنتخب “للنشيد الوطني”، ما أثبت أن رفضهم لترديده في السابق حدث نتيجة الضغط المسيس من الإعلام المعارض.

هذه الحماسة لم تستمر بعد هزيمة أمريكا لإيران بهدف دون مقابل في المباراة التي جمعتهما على ملعب اليمامة يوم الثلاثاء 29 نوفمبر، حتى إن الصحف الأصولية اتجه معظمها لتغطية زيارة رئيس الوزراء العراقي “السوداني” إلى طهران، والحديث عن العلاقات الاستراتيجية بين العراق وبين إيران. علی سبیل المثال: عنونت صحیفة كيهان المتشددة صفحتها الأولى صباح يوم الأربعاء 30 نوفمبر بتصريحات المرشد الإيراني “علي خامنئي” في أثناء لقائه بالسوداني بقوله: “إذا هُدِدَ أمن العراق فإننا سنحميه بصدورنا”.

ومع ذلك دعمت صحيفة “وطن امروز” المحافظة المنتخب رغم سقوطه أمام المنتخب الأمريكي بعبارة “مرفوع الرأس” على غلاف صفحتها الأولى الصادر صباح اليوم.

بينما أفردت صحيفة “إيران” الحكومية صفحتها الأولى للهزيمة المُرّة أمام أمريكا في مباراة نفسية وحساسة مست عمق الكبرياء الإيراني بعنوان “توديع مُرّ لكأس العالم”.

حمى النقد للصحف الإصلاحية

على عكس الصحافة المحافظة، لم تجد الصحافة الإصلاحية ما يمكن الإشادة به، فالمنتخب خسر بنتيجة ثقيلة في أولى مبارايته في المونديال، وتراجع خلف منافسه في الشوط الأول بثلاثة أهداف ولم يسدد حتى تسديدة واحدة في مرمى الخصم. وفي الشوط الثاني لم يتغير شيء برغم استبدلات كيروش، الذي لم يسلم هو الآخر من هجوم الصحف الإصلاحية التي اتهمته بالفشل، وفداحة خطأه في التشكيلة الأولى للمجموعة.

من ذلك، عنونت صحيفة “اعتماد” الإصلاحية حول الموضوع بكلمة “سخيف” على صورة اللاعب “مهدي طارمي”، كما انتقدت أداء الفريق على لسان المهاجم السابق للمنتخب “علي لطيفي” وتحليله للمباراة.

بينما نشرت صحيفة “سازندگی” الإصلاحية في عددها الصادر يوم السبت 26 نوفمبر، مانشيت بعنوان “فرحة مليئة بالكره”. حيث قالت الصحيفة إنه وبرغم النصر الكبير للفريق الوطني على منتخب ويلز، يجب عليه التعلم من فشله أمام منتخب إنجلترا، لاسيما وأن الشعب الفرح بالنصر لاتزال حناجره يملأها الغضب والكراهية تجاه النظام!

على نحو آخر، كانت الاحتفالات الشامتة من خروج المنتخب الإيراني من المونديال محفزة للصحف الإصلاحية  بعد أن كانت قبل المباراة تشيد بوطنية اللاعبين وصلابتهم، لتواصل الهجوم من جديد على هزيمة المنتخب والأداء المخيب له أمام نظيره الأمريكي.

فهذه صحيفة “هم ميهن” الإصلاحية” تعنون حول الموضوع، وتكتب “خلف الجدار الأمريكي”. إذ قالت إن المنتخب خرج من المونديال ومُني بهزيمة حادة ليتراجع خلف خصمه اللدود.

في حين عبرت صحيفة “شرق” الإصلاحية عن استيائها من تشكيلة المدير الفني للمنتخب وفشل اللاعب “مهدي طارمي” في إعاقة تمريرة اللاعب سيرجينيو  للاعب كريستيان بوليسيتش ليحرز هدفًا في مرمى إيران، وتودع الأخيرة المونديال بـ“هزيمة لاذعة” كما وصفتها الصحيفة على غلاف صفحتها الأولى.

خاتمة

جملة ما أعلاه أن الرياضة في إيران لا تخرج عن الإطار السياسي، لاسيما وأن الأوساط السياسية تجدها منفذًا لتوطيد مواقفها والتغطية على الأزمات الداخلية، ولعل هذا ما كان يثير قلق المعارضة الداخلية في حالة صعود المنتخب إلى نهائيات كأس العالم، لأن هذا يعني مزيدًا من الاستغلال السياسي للتغطية على أزمة الاحتجاجات في الداخل.

من أجل هذا، دشنت المعارضة كل منصاتها الإعلامية احتجاجًا منها على مشاركة المنتخب الإيراني في المونديال ومحاولات تسييسه.

من جهة أخرى، أعادت تلك المبارايات أيضًا، السجال المعتاد بين الصحف الإيرانية بفئتيها المحافظة والإصلاحية، بعد أن خف صداه في الأيام الأخيرة. فالصحف المحافظة أرخت بظلها لدعم الفريق الوطني وتحفيذه، بينما استمرت الأخيرة في سلوكها المعارض والمناوئ عن نهج المحافظين. حتى بدت نبرتها النقدية أكثر شراسة عن ذي قبل كلما ارتفاع صوت المعارضة في الداخل، وهذا لتجذب مزيدًا من الاصطفاف الشعبي حولها، والذي قد يكون سببًا لصعودها للسلطة مقابل المحافظين.

التعليقات (0)