- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
صادق الطائي يكتب: الاتفاقية الصينية العراقية بين الوهم والحقيقة
صادق الطائي يكتب: الاتفاقية الصينية العراقية بين الوهم والحقيقة
- 5 يونيو 2023, 4:00:02 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عاد موضوع الاتفاقية الصينية الى الأضواء في العراق مرة أخرى، وقد أصبح أسطوانة مشروخة تدورها الطبقة السياسية في العراق مع كل أزمة تمر بها الحكومات المتعاقبة منذ عشر سنوات، وتتلقفها مجموعة المحليين السياسيين شبه الأميين ليغدقوا على الاتفاقية وعلى الموضوع برمته مبالغات وأكاذيب لا حدود لها.
ومع كل التصريحات والدراسات التي كتبها وقالها اقتصاديون وسياسون مختصون حول الحدود الفعلية لما جرى من اتفاق مع الصين، نعود دائما كل مرة الى نقطة الصفر في أسطوانة الاتفاقية الصينية ليعلو بعد ذلك صراخ المعلقين.
الترويج لخرافات الاتفاق الاستراتيجي مع الصين أخذت مناحي مغايرة إذ روجت الماكنة الإعلامية للفصائل والأحزاب الولائية المقربة من طهران لإشاعة مفادها أن الحل الاقتصادي لوضع العراق الكارثي يكمن في الارتماء كليا في حضن الصين
هذه المرة ابتدأت لعبة الإعادة من تصريحات رزاق محيبس، وزير النقل في حكومة محمد شياع السوداني، التي أعلن فيها استغرابه من علاقة العراق بـ»طريق الحرير»، الذي وصفه بأنه «ليس له أساس». وقال محيبس في حوار تلفزيوني يوم 30 أيار/مايو الماضي: «أول استلامي للوزارة، سألت عن طريق الحرير والاتفاقية الصينية، وطلبت أوليات طريق الحرير، وإذا بالمسؤولين في الوزارة يقولون: لا نملك أوليات. وسألت هل هناك تواصل من الجانب الصيني بشأن طريق الحرير. وكانت الإجابة: لا، قلت إذن ما هذا الحديث عن طريق الحرير، قالوا نسمع في الإعلام فقط عن هذه المسميات ولا توجد هناك دعوات أو مؤتمرات»، وأضاف إن «الموضوع ليس له أساس».
يبدو أن هنالك خلطا، عن حسن أو سوء نية، بين ما يعرف باتفاقية الإطار بين العراق والصين، وبين دخول العراق كعنصر فاعل في مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013 لربط الصين تجاريا واقتصاديا بدول في أوربا وآسيا وافريقيا. فاتفاقية الإطار شيء موجود ومعروف، ومحدد المهمات، إذ وقع رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي مع الحكومة الصينية في أيار/مايو 2018 اتفاق إطار التعاون لائتمان الصادرات (Cooperation Framework Export Credit Insurance) الذي عرف إعلاميا بـ «الاتفاقية العراقية الصينية». ولم يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ إلا بعد التوقيع على الاتفاقين الحسابي والمالي المكملين له واللذين وقعتهما حكومة عادل عبد المهدي في 23 أيلول/سبتمبر2019.
«اتفاق إطار التعاون» مع الصين نص على قيام العراق بتصدير 100 ألف برميل نفط يوميا إلى الصين (بالأسعار العالمية)، حيث تودع عوائد التصدير (بالدولار) في حساب بنكي في الصين، واستنادا لآلية التمويل (الإئتمان) هذه، تقوم الشركات الصينية بناء على رغبة وطلب الحكومة العراقية بتنفيذ مشاريع بنية تحتية يختارها العراق، والشروع بتنفيذها وفق المعايير والأسعار التنافسية العالمية. وقد بدأ العراق فعليا في إيداع أموال 100 ألف برميل يوميا في الصندوق العراقي – الصيني المخصص لهذه المشاريع، ودار الحديث عن أول مشاريع الاتفاق الصيني المتمثل ببناء ألف مدرسة أحيل تنفيذها لشركات صينية.
وقد أشار باحثون وأساتذة اقتصاد عراقيون الى بعض نقاط الضعف في اتفاقية إطار التعاون، مثال ذلك تعليق أستاذ الاقتصاد في جامعة بغداد د. عماد عبد اللطيف سالم الذي كتب: ينص هذا الاتفاق على خضوعه مع جميع الالتزامات غير التعاقدية الناشئة عنه والمتعلقة به لقانون جمهورية الصين الشعبية. كما ينص على حل النزاع بصدده بما في ذلك النزاع المتعلق بوجود هذا الاتفاق أو تحديد مدة صلاحيته، أو إنهائه، من خلال لجنة التحكيم الاقتصادي والتجاري الصينية في بكين، لتقرر نوع التحكيم الذي يجب إجراؤه، وفقا لقواعد تحكيم اللجنة السارية وقت تقديم طلب التحكيم». وأضاف: «لا يشير الاتفاق إلى أي دور رقابي من جهات عراقية مثل ديوان الرقابة المالية الاتحادي على كيفية اختيار المشاريع، ولا على تقييم أداء تنفيذها، ولا حتى إسلوب إحالتها، علما بأن اللجنة العليا للاستثمارات والإعمار في العراق هي المسؤولة عن اختيار مشاريع البنية التحتية بموجب الاتفاق».
لكن الترويج لخرافات الاتفاق الاستراتيجي مع الصين أخذت مناحي مغايرة، إذ روجت الماكنة الإعلامية للفصائل والأحزاب الولائية المقربة من طهران لإشاعة مفادها أن الحل الاقتصادي لوضع العراق الكارثي يكمن في الارتماء كليا في حضن الصين، وأن الولايات المتحدة و»عملاءها» يريدون تدمير هذا الحل وقد تمثل ذلك بشكل جلي في سياسة الولايات المتحدة عبر تحريك أذرعها لإطلاق حراك أكتوبر/تشرين الاحتجاجي الذي أطاح بحكومة عادل عبد المهدي لأنه وقع الاتفاقية الصينية.
محصلة ذلك كانت منع الولايات المتحدة الحكومة العراقية استكمال الاتفاق الصيني. وبالطبع كل هذا الكلام عبارة عن أوهام وأكاذيب تم تسويقها لتغطية فشل وإجرام أحزاب الحكومة التي قتلت بدم بارد مئات الشباب في حركة الاحتجاج لأنهم خرجوا مطالبين بوضع حلول حقيقية للأزمة العراقية.
وقد أصبح موضوع طريق الحرير «تريند» في السوشيال ميديا العراقية بوصفه «المنقذ لاقتصاد العراق». وقد أطلقت جيوش الكترونية فقاعة «ميناء الفاو هو البديل عن النفط»، وتم تداول أرقام «خرافية» تتعلق بطريق الحرير، من قبيل أن الصين ستقوم بصرف أكثر من 400 مليار دولار كمشاريع استثمارية لتطوير ميناء الفاو الكبير باعتباره أحد مفاتيح طريق الحرير المهمة، وهو رقم هائل ويعادل موازنة العراق لـ 5 سنوات دون عائد مادي من الممكن أن تحصل عليه الصين لاسترداد هذا المبلغ الكبير.
وقد رد عدد من الصحافيين الاستقصائيين على فقاعة ميناء الفاو وأنه «بديل للنفط» بما يلي: «من الجدير بالذكر أن قناة السويس التي تعد المنفذ الرئيسي الأكبر للبضائع بين آسيا وأوروبا لا تتجاوز إيراداتها السنوية 4 مليارات دولار، الأمر الذي يجعل الترويج لكون ميناء الفاو هو بديل عن النفط كذبة، فإذا كانت إيرادات ميناء الفاو في أحسن أحوالها ملياري دولار في العام الواحد وهو ما لا تحققه أكبر الموانئ العالمية، فإن هذا الرقم سيمثل 2% فقط من الموازنة السنوية للعراق التي يحتاج لتغطيتها نحو 100 مليار دولار».
وقد كتب الدكتورعماد عبد اللطيف سالم حول الأمر قائلا: «أمر عادي أن يقوم مسؤولون وسياسيون وخبراء وأكاديميون عراقيون بتخدير المواطنين العراقيين بطريق للحرير لا يمر بالعراق أصلا ، لأن العراق لا يمتلك غير فتحة ضيقة على البحر، وميناء صغير قيد الإنشاء، وصحراء شاسعة، وتخلف غير مسبوق، وليس له نظير، في كل مرافق البنية التحتية الأساسية».
أما الباحث في الشؤون الاقتصادية رامي جواد فقد كتب حول مشروع طريق الحرير في العراق قائلا: «لا توجد أي مباحثات بين حكومة الصين والعراق حول الموضوع، ولم تدرج الصين طريق العراق – تركيا ضمن تقاريرها الصادرة بخصوص مبادرة الحزام والطريق حتى هذا اليوم». ومن جانبه، يعتبر الصحافي الاستقصائي رياض محمد الذي يكتب حول هذه الفقاعة منذ سنتين قائلا: بأنها «كذبة وشماعة للفساد والفشل أطلقتها أحزاب حكمت العراق منذ 17 سنة، وغطاء لاتهام كل معارض لهذه الأحزاب بأنه عميل، ونظرية مؤامرة جديدة يريدون بها أن ينسى الناس من هو الفاشل والسارق والقاتل الحقيقي، وهجوم ضد احتجاج تشرين/اكتوبر ودفاع عن نظامهم الآيل للسقوط».