- ℃ 11 تركيا
- 25 نوفمبر 2024
صراع في البحر الأسود.. لماذا تستميت روسيا في الدفاع عن «جزيرة الأفعى»؟
صراع في البحر الأسود.. لماذا تستميت روسيا في الدفاع عن «جزيرة الأفعى»؟
- 26 يونيو 2022, 6:02:36 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
منذ أيام قليلة شنت القوات الأوكرانية هجومًا موسعًا على القوات الروسية في جزيرة الأفعى بالبحر الأسود، في محاولة لتحرير أحد المواقع التي سيطرت عليها القوات الروسية منذ اليوم الأول للحرب، ففي 24 فبراير (شباط) 2022 اليوم الأول للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وبالتزامن مع تحرك القوات الروسية تجاه منطقة للدونباس، تحركت سفينتان حربيتان فاسيلي بيكوف، وموسكفا من أسطول البحر الأسود الروسي تجاه جزيرة الأفعى للسيطرة عليها.
وهاجمت السفينتان القوات الأوكرانية المتمركزة على جزيرة الأفعى بقوة، بينما حاولت القوات الأوكرانية الصمود في وجه الهجوم، لكنها فشلت؛ لتهبط القوات الروسية في النهاية مسيطرة على تلك الجزيرة الصخرية.
لتبدأ أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون بعد ذلك محاولات عدة لاسترجاعها، ومنها المحاولة الأخيرة التي استخدمت فيها كييف أنواعًا متعددة من المدافع، والطائرات المقاتلة ذاتية القيادة والمسيرة، وصواريخ مضادة للسفن، والتي قابلها الروس بدفاع حديدي مستعينين بأنظمة المضادات المتنوعة، ودارت تلك المعركة الشرسة في مساحة لا تتعدى 700 متر هي مساحة الجزيرة.
وعلى الرغم من الفشل المتكرر لتلك المحاولات، فإن قائد المخابرات الأوكرانية، الجنرال كتيريل بودانوف، قال إنّ قوات بلاده «ستقاتل لاسترداد الجزيرة مهما تطلب الأمر من وقت». فما قصة تلك الجزيرة؟ وما أهميتها؟ وكيف يمكن أن تغير في شكل الحرب وما بعدها؟
جزيرة الأفعى.. هدفًا روسيًا منذ أكثر من قرن
على بعد 35 كم من الساحل الأوكراني تقع قطعة صغيرة من الصخور تصل مساحتها نحو 700 متر تبدأ من الشرق حيث مصب نهر الدانوب وتمتد إلى جنوب غرب مدينة أوديسا الساحلية، ولم يتخط عدد سُكان الجزيرة الثلاثين شخصًا، وأطلقت أوكرانيا عليها «قرية بيل» لفرض سلطتها على الجزيرة التي ظلّت لوقت طويل مُتنَازعًا عليها مع جارتها رومانيا، حتى عام 2009 حين أَطُلِّقَتْ محكمة العدل الدولية يد أوكرانيا عليها.
وللجزيرة تاريخ ممتد رغم حجمها الضئيل، كما أضفى موقعها أهمية إستراتيجية كبيرة عليها، إذ شهدت العديد من الأحداث التاريخية على أرضها وفيما حولها، مثل معركة فبدونيسي عام 1788، وفي الحرب العالمية الأولى، استخدم الروس الجزيرة الرومانية كمحطة لاسلكية، لكنها تعرضت للتدمير على يد الأسطول العثماني، ولم يعدها لرومانيا بعد ذلك إلا معاهدة فرساي.
الحرب العالمية الثانية
وفي الحرب العالمية الثانية كانت الجزيرة تحت السيطرة الرومانية، ولأنّ رومانيا كانت في حرب مع السوفييت، ولأن الجزيرة كانت موقعًا لمحطة إذاعية تستخدمها قوات المحور، فقد جعلها ذلك هدفًا لأسطول البحر الأسود السوفيتي.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 1942، تعاون الأسطول الروماني مع نظيره الألماني، في وضع الألغام حول الجزيرة، وتحركت المدمرة السوفيتية نحو الجزيرة وقصفتها بأكثر من 100 قذيفة، مُحطمةً محطة الراديو، والثكنات، والمنارة في الجزيرة، لكنها فشلت في إلحاق خسائر كبيرة بالقوات الرومانية.
وفي المقابل أضرت الألغام حول الجزيرة بالغواصات السوفيتية كثيرا، وقوضت تحركها نحو بحر إيجة، وفي 11 ديسمبر (كانون الأول) 1942، غرقت الغواصة السوفيتية «Shch- 212» بواسطة حقل ألغام روماني بالقرب من الجزيرة مع طاقمها المكون من 44 فردًا.
كما جرى إغراق الغواصة السوفيتية M- 31 أيضًا بسبب قنابل المناجم الرومانية بالقرب من الجزيرة في 17 ديسمبر من نفس العام، سريعًا، ليقرر السوفيت السيطرة على الجزيرة، فتقدم الأسطول السوفيتي نحو الجزيرة، التي تحولت لعائق يمنع تحرك سفنها في البحر، في أغسطس (آب) 1944.
وتألفت دفاعات الجزيرة بشكل أساسي حينذاك، من عدة مدافع مضادة للطائرات عيار 12 ملم و76 ملم، كما جرى تجهيز الفصيلة البحرية الرومانية التي تدافع عن الجزيرة بمدفعين ساحليين عيار 45 ملم، ومدفعين مضادين للطائرات مقاس 37 ملم، ومدفعين رشاشين مضادين للطائرات، لكنها لم تصمد أمام الروس، وجرى إجلاء مشاة البحرية الرومانية من الجزيرة.
معارك شرسة.. «الأفعى» التي ألهمت المقاومة الأوكرانية
تحولت قصة صمود 13 من حراس الحدود الأوكرانيين، إلى قصة مُلْهَمَة للجنود الأوكرانيين وسط حربهم لصد الهجوم الروسي في أواخر فبراير 2022، وانتشر تسجيل صوتي حصلت عليه وكالة الأنباء الأوكرانية، يظهر فيه سفينة حربية روسية تطلب من الحراس الـ13 المتمركزين في جزيرة «زيميني»، أو جزيرة الأفعى، بضرورة الاستسلام، أو «التعرض لضربة قنبلة»، ورد أحد حرس الحدود الأوكراني على السفينة الروسية بكلمات قليلة «اذهب عليك اللعنة»، بعد انتشار المقطع بفترة وجيزة خرجت وزارة الداخلية الأوكرانية، مؤكدة صحته معلنة مقتل الجنود الـ13.
وأصبحت تلك اللحظة صرخة حشد لأوكرانيا وسط الهجوم الروسي المستمر، حتى أنّ البلاد بدأت تُصدر طوابع تذكارية للحدث، لتصبح جزيرة الأفعى رمزًا للتحدي والمقاومة الأوكرانية لروسيا مع رموز أخرى، وعلى هذا النحو حملت الجزيرة قيمة كبيرة لمعنويات البلاد
وقالت قيادة العمليات الجنوبية في أعقاب غارة بطائرة مسيرة الأسبوع الماضي: «أصبحت جزيرة الأفعى رمزًا للصخرة القوية لصمودنا وهزيمة جهود العدو الأكثر إلحاحًا» وقد شنت القوات الأوكرانية غارات جوية في مايو (أيار) 2022، وتزامنت تلك الضربات مع هجوم لطائرات دون طيار أوكرانية من نوع «بيرقدار» أكدت أوكرانيا أنها أغرقت سفينة إنزال روسية، كانت تجلب نظام صواريخ أرض جو من سلسلة «تور».
ومنذ تلك الضربات، حاولت القوات الروسية بنشاط بناء قدرات دفاع جوي في الجزيرة، بما في ذلك نشر المزيد من أنظمة صواريخ أرض- جو من سلسلة «تور» وأعاد سلاح الجو الأوكراني غارته صباح الجمعة الماضية، على الجزيرة مستخدمًا الطائرات؛ ما أدى إلى إلحاق ضرر بالأنظمة الدفاعية الروسية وإصابة سفينة الإنقاذ «فاسيلي بيك»، بصواريخ «هاربين» الغربية المضادة للسفن.
وعقب الهجوم صرح رئيس المخابرات الدفاعية الأوكرانية، «كيريلو بودانوف»، أنّ من يسيطر على جزيرة الأفعى يسيطر على «السطح وإلى حد ما الوضع الجوي في جنوب أوكرانيا، مؤكدًا استمرار المعركة» وأشار بودانوف أيضًا إلى أنّ جزيرة الأفعى يمكن أن تكون مفيدة أيضًا للروس إذا كانوا يرغبون في تعزيز وجودهم في منطقة «ترانسنيستريا» الانفصالية في مولدوفا، والتي تديرها إدارة موالية لروسيا، والتي يتمركز فيها حوالي 1500 جندي روسي. مؤكدًا أنّ «هذه المرة، من غير المحتمل أن يجري تحديد مصير جزيرة الأفعى في محكمة».
ما هي أهمية تلك جزيرة الأفعى؟
تعود أهمية الجزيرة لأهمية البحر الأسود، ذلك المسطح المائي الشهير المتصل بأوكرانيا من الشمال والشمال الغربي، وروسيا وجورجيا من الشرق، وتركيا من الجنوب، وبلغاريا ورومانيا من الغرب، والذي يرتبط ببحر مرمرة عبر مضيق البوسفور، ثم إلى بحر إيجة.
وقد سلبت الطبيعة الجغرافية روسيا، قدرة الوصول للمياه الدافئة إلا عن طريق البحر الأسود فقط، بل يعد منفذها البحري الوحيد، فبالنسبة لروسيا يعد البحر الأسود نقطة انطلاق إلى البحر الأبيض المتوسط، وكذلك منطقة عازلة إستراتيجية بين «الناتو» وموسكو.
وتعد الهيمنة على منطقة البحر الأسود ضرورة جغرافية إستراتيجية لموسكو، سواء لإبراز القوة الروسية في البحر الأبيض المتوسط، أو لتأمين البوابة الاقتصادية للأسواق الرئيسة في جنوب أوروبا، وتبذل روسيا جهودًا للسيطرة الكاملة على البحر الأسود منذ أزمة القرم عام 2014.
إذ كانت الهيمنة على البحر الأسود هدفًا روسيًا رَئِيسًا للحرب المستمرة هناك منذ ثماني سنوات، إلى جانب الجسر البري الذي يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم، بينما سيؤدي قطع وصول أوكرانيا إلى البحر الأسود إلى تحويلها إلى دولة غير ساحلية وتوجيه ضربة قاصمة لوجستياتها التجارية.
وتدرك موسكو أهمية الجزيرة في صراعها العسكري الآني والمستقبلي مع الغرب، في ظل توسع حلف «الناتو» شرقًا، فكان الاستحواذ على الجزيرة على رأس خطط مع الاستحواذ على إقليم للدونباس، فالجزيرة تقدم منصة غير قابلة للغرق للدفاع الجوي الروسية، بما في ذلك أنظمة بعيدة المدى قادرة على توسيع المظلة الجوية المضادة في المجال الجوي فوق أوكرانيا.
كما يمكن أن تؤدي تلك المنصة إلى ردع «طائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع العسكرية الأمريكية (ISR)»، وكذلك طائرات الدول الأعضاء الأخرى في «الناتو»، والتي كانت تعمل في منطقة البحر الأسود وحولها، كما ستحرم أوكرانيا وحلفائها من المعلومات التي تجمعها تلك الطائرات، للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع.
الحرب الأوكرانية
ويمكن لأسلحة أخرى قائمة على الجزيرة، بما في ذلك صواريخ أرض – أرض، ضرب أوكرانيا نفسها، بعد تحييد القدرات الدفاعية لأوكرانيا منذ الأيام الأولى للحرب، كما أنّ بقاء الجزيرة في أيدي الروس يقدم موقعًا آخر يفرض الجيش الروسي من خلاله حصاره المُنهِك لموانئ أوكرانيا على البحر الأسود.
ومن ناحية أخرى تؤثر معركة السيطرة على الجزيرة، في قدرة أوكرانيا على استقبال التعزيزات العسكرية من تجاه البحر، فموقع الجزيرة الجغرافي يسمح للمسيطر عليها بوضع اليد على جميع الخطوط البحرية العسكرية والتجارية، المتجهة إلى أوكرانيا، بالإضافة إلى أنها قد تشكل نقطة إمداد رئيسة، في حال مضت روسيا قدمًا في مشروعها للسيطرة على كل الساحل الأوكراني.
وورد في تقرير صدر عن «معهد دراسات الحرب (ISW)» أنّ روسيا تستخدم جزيرة الأفعى لمحاولة إعاقة الاتصالات البحرية الأوكرانية في المنطقة، وخاصة حول مدينة أوديسا الساحلية الرئيسية، وبالإضافة إلى ذلك، وفي تقرير جديد صادر عن «مديرية المخابرات الأوكرانية (GUR)»، لوحظ أيضًا أنّ جزيرة الأفعى ضرورية لقدرة روسيا على الهبوط البحري التكتيكي.
لذا تعد استعادة جزيرة الأفعى بالنسبة لأوكرانيا والغرب انتصارًا إستراتيجيًا مهمًا، بالتزامن مع تهديد القوات الأوكرانية للسفن البحرية الروسية في غرب البحر الأسود؛ مما قد يقوض تحركها، ويضفي أفضلية لخطط أوكرانيا وحلفائها في مستقبل الحرب.