صلاح زكي أحمد : قواعد العشق الأربعون ١

profile
  • clock 29 أبريل 2021, 5:26:41 م
  • eye 812
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الجزء الأول : 

*********

 نتذكر جميعاً المسلسل البديع الذي اُذيع منذ بضع سنوات وكان عنوانه " الخواجة عبد القادر " والذي قام ببطولته الفنان الكبير " يحيى الفخراني " وكان موضوعه 

قصة حبّ صوفية ، جعلت مواطن بريطاني يعيش في بلاده في وضع انساني طيب ومعقول ، بأن يترك تلك الحياة والبحث عن بديل ، 

عن خلاص للروح وانقاذ للنفس ،اذ وجدّ في داخله  ما يناديه  الى ترك الحياة في تلك البلاد ، بعد أن عاش على أرضها  وقائع الحرب العالمية الثانية

 وكابد مخاطر الموت من ويلات تلك الحرب والغارات الألمانية المتلاحقة على عاصمة بلاده ، فضلاً عن الحياة وسط ظروف عائلية كئيبة وكارثية ، مما جعله مُدمناً للخمر الى حد مُعانقة  الموت ومعايشة العّدم  في كل لحظة .... 

غير أنهُ ، وبرغم تلك الحياة البائسة كان يناجي نفسه الطيبة  ،  هاتف سماوي يدعوه الى ترك هذه  الأرض والتوجه الى بلاد بعيدة ، ليبدأ فيها حياة جديدة ، طاهرة مُبرأة من كل فساد وضلال وخيبة أمل ووهدة إنكسار وفشل ....  

كانت أرض مصر والسودان هي تلك الأرض الجديدة ، التي وجد فيها نفسه ،  ففيها لبّى  النداء ، وتحول الى مواطن مُسلم ، حاملاً اسماً جديداً هو " عبد القادر " وهو اسم شيخه السوداني ،

 شيخ الطريقة الصوفية ، الشيخ الورع النبيل ، الزاهد في مغانم الدنيا الزائلة وحساباتها الخاسرة ، فقد دخل على يديه الى عالم التصوف ، عالم الزُهد والحبّ  والورع والإخلاص في محبة الناس والتوق الى دنيا الله :  اخلاصاً وطاعةّ وشوقاً وعشقاً ....

غير ان اسمه الجديد لم يفارق أصله ، فقد لُقب باسم " الخواجة عبد القادر " فهو بريطاني الأصل ، وصاحب اللكنة الأعجمية  في الحديث ، فرغم إمتلاء قلبه بالإيمان ،

 وحفظه للقليل من سور القرآن الكريم ، لم  تكن تلك التغيرات الظاهرية والملموسة من الناس الذين أحاطوا به وعاشوا معه ،  هو الأمر المهم بالنسبة له ،

 أو بالنسبة لمن يعرفونه على حقيقته ، فلم يكن كل هذا هو المُهم  ، ولكن كان " قلبه النقي الطيب المُحِب لكل ماهو جميل ، هو المُهم ، كان حبه الى الله ، هو السبيل الوحيد الذي جعله مُحباً للناس " ... 

تلك القصة الجميلة والبديعة ، فناً وتمثيلاً وإخراجاً وتأريخاً ، هي واحدة من أهم الأعمال الفنية التي تناولت حالة التصوف والأدب الصوفي في تاريخنا الحديث ، 

 ولم يسبقها في الريادة سوىّ رائعة " مأساة الحلاج " لشاعرنا الكبير الأستاذ " صلاح عبد الصبور " والتي مُثلت على مسرح الدولة في منتصف الستينيات من القرن الماضي ،

 كانت صوتاً جديداً في المسرح الشعري العربي ، لم ينافسها في الجمال والإبداع سوى رائعة " ثأر الله : الحسين ثائراً والحسين شهيداً " لزميله الكبير " عبد الرحمن الشرقاوي " 

والتي صدرت في جزئها الأول " الحسين ثائراً " في الفترة نفسها من عقد الستينيات ، وتحديداً في عام ١٩٦٩ ، لكنها لم تّرىّ النور على مسرح الدولة ، 

حيث إعترض بعض شيوخ الأزهر الشريف في عقد السبعينيات من القرن الماضي على تجسيدها على خشبة المسرح القومي ، ومن يومها ظلت حبيسة النص المنشور ، والصادر آنذاك عن دار الهلال المصرية !...... 

هذه الأعمال الإبداعية الرائدة ، والتي تناولت التاريخ الإسلامي في جوانبه الثورية والتقدمية والطليعية هي جوهرة التاج في تاريخ الفكر والإبداع العربي والإسلامي ،

 أعمال رائدة بحق لا يفخر بها مبدعوها ، سواء نثراً  أو شعراً أو تمثيلاً أو اخراجاً فقط ، ولكن يفخر بها أيضاً ،

 كل من أسّعدهُ الحّظ بأن شاهدها ، فبقدر مابقيت كلمات " الحلاج " في مأساته عن تعريف الفقر "... بأنه ليس الجوع الى المأكل أو العُريّ ، ولكن هو قتل الحبّ وزرع البغضاء وحصد الكراهية وإزهاق النفس وقتل الروح ..." ... 

بقدر مابقيت تلك الكلمات مشاعل نور في كل نفس ...

كذلك  بقيت كلمات " الحسين " في مأساته ، سواء أكان ثائراً أو شهيداً ، هادية لوجدان ونفس من قرأها وعاش معانيها وتمّثل أفكارها وقيمها ،

 فالشّرقاوي يقول على لسان بطله " الإمام الحسين بن على "رضي الله عنه وأرضاه ،  سيد شهداء شباب أهل  الجنة ،

  عندما أرادوا انتزاع صوته ليبايع " يزيد بن معاوية بن أبي سفيان " خليفةً على المسلمين ، مُهونّين  عليه الأمر بأنه غير مُطالَب سوى بكلمة ، يبايع فيها الخليفة المُغتٍصب وينتهي الأمر ! ....

إلا أنه يُسمع مُطالبي البيعة الزائفة معني الكلمة وقيمتها ، فيقول : 

" أتعرفون معنى الكلمة ؟

مُفْتاح الجنة في كلمة ، ودخول النار على كلمة ، وقضاء الله هو الكلمة ...

الكلمة نور ، وبعض الكلمات قبور ، بعض الكلمات قلاع  شامخة ، يعتصم بها النُبل البشري ... الكلمة فرقان بين نّبي وبّغي ، بالكلمة تنكشف الغُمة ، الكلمة نور تتبعه الأمة ..."

مسلسل " الخواجة عبد القادر " و " ماسأة الحلاج " و " ثأر الله : الحسين ثائراً والحسين شهيداً " جميعها تتحدث عن موضوع واحد ، 

هو " حبّ الله ، وحب الناس " فالحلاج يتحدث عن الفقر والقهر ، والحسين يجسد الموقف الإنساني بمعنى الكلمة ، وكذلك " الخواجة عبد القادر " يتحدث عن الظُّلم والتضليل والطمع والغُلو والتشدد والكذب ...

غير أنهم جميعاً ماكان بمقدورهم مواجهة الفقر والقهر والضلالة سوى ب " الحبّ " ... فبالحب وحده ، يمكن مواجهة الطغيان  ، وقهر الفقر ، وبناء النفس، ومعالجة الروح إذا اختلت الموازين وضاعت  في متاهات الضلال ... 

*********

" قواعد العشق الأربعون " ... هي واحدة من أهم ألأعمال الإبداعية التي تناولت هذا الموضوع ، الذي يربط على نحو رائع وجميل ومُدهش مابين " حب الله ، وحب الناس " 

 " ... فمن السهل أن تحبّ الله ، الذي يتصف بالكمال ، والنقاء ، والجمال ، والعٍصمة ... لكن من الأصعب من ذلك أن تُحب إخوانك من البشر بكل نقائصهُم وعيوبهم ....

تذكر أن المرء لا يعرف إلاّ ماهو قادر على أن يحبّ ، فلاٌ حكمة من دون حبّ  .....  

ما لم نتعلم كيف نحبّ الله  ، فلن نستطيع أن نحبّ الله حقاً ، ولن نعرف الله حقاً ..." 

تلك الرواية الرائعة عن مولانا " جلال الدين الرومي " وصديقه " شمس التبريزي " هي من أجمل وأعذب ما تقع عليه عينيك ويسعد بها عقلك وتسمو بها روحك ، 

هي قطعة من الأدب الصوفي الجميل ، الذي يّٰرقى الى حدود الأدب الإنساني النادر  ، فهي في مصاف الأعمال الأدبية الخالدة القادرة على تحويل المسار الأخلاقي والتربوي والديني والثقافي لمن يقرأ هذا العمل

 ، بعقل واعٍ وقلب طيب نبيل ، ونفس طيبة ،  واستعداد فطري لأن يكون أفضل وأجمل وأرقى ... ) 

ملاحظة : 

سبق أن نُشرت هذه المعالجة النقدية لتلك الراوية البديعة لمؤلفتها التركية " إليف شافاق " خلال شهر رمضان من العام الماضي ،

 ووجدت نفسي مع الشهر المبارك لعامنا هذا مسوقاً الى اعادة النشر ، محبة في تلك الرواية من ناحية ، ومحبة لأصدقاء جُدد ، من ناحية أخرى ، جاء بهم هذا العام المُمتد من رمضان الماضي الى الشهر الكريم لهذا العام ... 

ورمضان كريم ، وكل عام وحضراتكم بألف خير وصحة وسعادة .

التعليقات (0)