تكبير الخط تصغير الخط

حينما يحرمك من كان حريّ به أن يكون في ظهرك، وحينما يحول بينك وبين استثمار ما يملك من قوة لديه  ليمنعك بدلا من أن يمنحك أوراقاً للضغط في معاركك السياسية والحربية أثناء مواجهتك للعدو المشترك معه -المفترض أنه عدوه!-، ستصبح الأثمان التي ستدفعها كبيرة خاصة إن كان عدوك متسلح بكل أوراق الضغط التي تمكِّنه من ايقاع الخسائر بك حتى وإن كنت تبلى بلاءاً حسناً في المواجهة!

هذا هو حال غزة مع جيرانها وأشقاءها من العرب ممن بخلوا على اخوانهم في القطاع بكافة أدوات القوة التي أفاء الله عليهم ، والقوة ليست عتاداً حربياً رُصدت من أجلها الميزانيات الفلكية، أو جُهزت في سبيلها الجيوش النظامية تلك التي لا تحسن  -في بلاد العُرْب- سوى العروض الإستعراضية حاملة للأعلام والبيارق مشيرة بالتحية العسكرية أثناء مرورها أمام منصة الحفل الكريم والذي شُرف بالحضور المهيب لأصحاب الجلالة والفخامة في أعياد جلوسهم الميمون على العرش!..

لقد كانت غزة في غير حاجة إلى جيوشهم المتخمة بالتجهيزات والمعدات أن يشاركوها في معركة الأقصى -لا سمح الله-! وإن كانت نصرتهم للقطاع جزءاً لا يتجزء عن ما وقّعوا عليه في ميثاق جامعتهم العربية صاحبة الموقف الكبير والذي يتسع لعدد من السيارات الرابضة داخله!، فالأمر لم يعدو أكثر من تفعيل إتفاقية التعاون المشترك في الدفاع والمنصوص عليها للتصدي لأي عدوان يستهدف أيا من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، لكنه لم يحدث إلا ما كان على هوى القوى الكبرى وعلى رأسها أمريكا راعية الإحتلال الصهيوني في قلب المنطقة العربية..

ولربما كان عليهم أن يفعلوا مثلما فعلوه ابان الحرب الروسية على أوكرانيا ورفضهم للطلب الأمريكي الذي دفع  رئيسها لحضوره مؤتمر التعاون الخليجي من أجل حثهم وحملهم على ضخ الكميات الكبيرة من النفط والغاز لمحاصرة روسيا وحرمانها من التحكم في أسعار الوقود عقاباً لأوروبا على دعمها أوكرانيا..

لم يكن مطلوبا منهم اكثر من ذلك لإيقاف السحق والتدمير للشعب الفلسطيني، حتى مجرد إمداد المقاومة بما تحتاجه  من أسلحة الدفاع الجوي التي كانت كفيلة بمنع تلك العربدة السافرة لطائرات العدو الصهويني وهي ترمح في سماء غزة ذهاباً وإياباً لم يحدث ولم تطلبه المقاومة حتى!، على الأقل موقفاً كموقفكم من الحرب الروسية الأوكرانية على غير إرادة البيت الأبيض!، ولماذا تحركتم لمصلحة إيراداتكم من الطاقة ولم تحركوا ساكناً لشركائكم في الملة والعروبة والجوار بل والمصاهرة والدم!، ولقد كان في استطاعتكم -إن توفرت الإرادة!- أن تنتصروا لغزة بأقل مما سبق ويكفيكم منع إستخدام الموانىء والممرات البحرية للسفن الأمريكية والاوربية كورقة ضغط من أجل ايقاف الدعم السافر للإحتلال الصهيوني، لكنكم لم تفعلوا بل أفشل بعضكم سعي بعضكم! حينما دعا لذلك في مؤتمر القمة العربية الإسلامية..

كان لذلك الخذلان المشين والتخلي الفاضح عن أبسط أدوات النصرة دوره في تحريك بعض التنظيمات والجماعات ذات الثقل الديموغرافي والعسكري في المنطقة العربية كالمقاومة الإسلامية بالعراق وحزب الله بلبنان، وجماعة الحوثي باليمن، وحاولت تلك الجماعات والتنظيمات الإضرار بالمصالح الغربية بما فيها القواعد العسكرية الأمريكية الرابضة في بعض دول المنطقة، وما قامت به المقاومة الإسلامية بالعراق من إطلاق المسيرات التابعة لها على القاعدة الأمريكية في عين الأسد ببغداد وعلى ميناء أسدود الإسرائيلي والجولان السوري المحتل، وكما فعل حزب الله اللبناني بصواريخه على قوات الإحتلال قبالة المنطقة الجنوبية للبنان نحو الجليل الأعلى ومزارع شبعا المحتلة وعدداً من المواقع العسكرية للإحتلال الصهيوني، وكما فعلت جماعة أنصار الله الحوثي باليمن من استهداف سفن الشحن التجارية المملوكة للصهاينة ولداعميهم في أوروبا وأمريكا..

مما كان له اثره في تعطيل الملاحة التجارية في باب المندب بمدخل البحر الأحمر وتاثيره على رفع أسعار السلع والبضائع المتجهة إلى أوروبا وأمريكا وقبلهما إسرائيل والإتجاه إلى استخدام طريق رأس الرجاء الصالح حول إفريقيا للهروب من استهداف الحوثي للسفن بالزوراق المطاطية وبالصواريخ المحمولة، حتى اتحذت الولايات المتحدة الأمريكية ومن بعدها بريطانيا خطوات لقصف تجمعات الحوثي وقوته بالأرض اليمينية..

والسؤال الذي يطرح نفسه ويحتاج للإجابة: عليه هل استطاعت تلك الجماعات والتنظيمات القيام بالفريضة الغائبة التي تخلت عنها جميع الدول العربية التي أدارت ظهرها لكافة أوراق الضغط المملوكة لديها من أجل التخفيف على غزة المحاصرة ولحمل أمريكا وأوروبا على ترك الدعم السافر للإحتلال الصهويني الإجرامي؟!

خاتمة..لا أحد يقول لي -وهذا ما يعرضه الإعلام العربي- أن ما تقوم به تلك التنظيمات ليس إلا للضوء الأخضر الذي أعطته لهم إيران من أجل مصالحها، وليس حباً في فلسطين وأن تلك الأعمال لا يجب أن تخدعنا عن المستفيد الحقيقي الذي يقف خلف ما تقوم  به تلك الجماعات والتنظيمات المسلحة ويقصدون إيران بالطبع.

وأجيب بالقول: حقاً ما تقولون، فلا يجب أن ندع الدولة الإيرانية تستفيد من ممارسة الضغط على الغرب الأوروبي والأمريكي  لمصلحتها لا لمصلحة غزة وأهلها، ولتتحركوا أنتم أيها المخلصون ممن تريدون وجه الله ونصرة للسنة ولغزة..

وإلا فلتسكتوا إلى الابد!.