- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
عادل صابر : السبْع مات !!
فى العهد القديم ، وفى قرى صعيد مصر العتيق الخالد ، كان لكل عائلة من عائلات بلادنا سبع ، والسبع كلمة اطلقتها الجماعة الشعبية على كبير العائلة ، القوى ، المسموع الكلمة ، الآمر الناهى ، كلمته سيف على رقاب الجميع ولابد من تنفيذها ، فى المعركة يكون فى المقدمة ببندقيته أو هراوته الغليظة وشاربه الغليط وعمته الكبيرة وعباءته الصوف الامبريالى ، ووراءه شباب العائلة كبيراً وصغيراً ، وفى الصُلح يكون هو الذى يملك الكلمة والمشورة ، وكل العائلة تختزل فى هذا السبع قيمتها ومقامها الإجتماعى ، ولم تقتصر وظيفة السبع فى المعارك والصُلح بين العائلات فقط ، ولكن فى جميع أمور العائلة الإجتماعية والإقتصادية ، كزواج شباب العائلة بنات وأولاد ، واختيار الزوجة المناسبة لإبن العائلة المقبل على الزواج ، إعادة "الزمقانة" الى بيت زوجها ،اعانة فقراء العائلة عن طريق جمع المال من بقية العائلة وإعانة هذا المحتاج .. إذا مَر السبع وقف الشباب احتراماً وخوفاً ، واختفت النساء داخل منازلهن خوفاً وخجلاً ، يعاقب الجبان منهم ، ويثنى على الشجاع ، كان السبع كما يقول المثل الشعبى " القولة ليه والشورى ليه " ، وقد تطرق الفن الشعبى فى الجنوب الى قيمة السبع ولم يغفل ذلك ، فهو رمانة ميزان العائلة ، والعائلة تستلهم قوتها من قوته ، وكلمتها من كلمته ، ورأيهم من رأيه وحكمته . ومن ضروب الفن الشعبى الذى تطرق الى مفردة السبع ، العدودة مثلاً عن قيمة السبع ، فتقول أمى رضى الله عنها :-
يامين رعاله جاى من قُبلى
يقول للعيال المايلة اتعِدلى
يامين رعالة جاى من غَربة
يرمى العيال المايلة بالحربة
واالمقصود بالعيال المايلة هنا التى مرقت من العائلة وحادت عن طريقها المرسوم لها ، إلى طرق أخرى مائلة . ثم تتطرق المعدِّدة الى السبع لتذكر محاسنه وافعاله فتقول :-
ربط الركوبة تحت رمانة
رايح يصالح ناس زعلانة
ربط الركوبة تحت لمّونة
رايح يصالح ناس مغبونة
أما فن الواو والموّال ، فقد تطرّق ايضاً الى مفردة السبع وقيمته الأجتماعية ، فيقول المربع التراثى الخالد :-
عصاية السبع خنِّت
ونزلت شرايخ شرايخ
وشوف الزمان المخنِّت
خلاّ علوقها مشايخ !!
وأقول فى السبع أيضاً :-
السبع محبوس فى قفصه
بس الخلايق تهابه
والكلب مطلوق بجَرسه
ولا حد عامل حسابه !!
أمّا مانعوِّل عليه هذه الأيام ، ومانعانى منه ، هو موت السبع ، كبير العائلة ، وخروج فئران من جحورها لتحل محل هذا السبع الراحل العظيم ، فتجد العائلات هذه الأيام ، تكبِّر أتفه من فيها لتجعله سبعاً ، ولكنه سبع من ورق ، فلاكلمة له ، ولاوزن ، ولاقيمة أجتماعية ، وبدلاً من أن يرتقى بالعائلة ، يهبط بها إلى أسفل السافلين ، وتكون أختيار العائلة لسبعها هذه الأيام بصوته العالى فى معاركها مع العائلات الأخرى ، فيكبروه ، ويوقروه ، ، وفى أغلب الأحيان يكون هذا السبع المقدَّس" شُرّابة خُرج " ولاقيمة له فى بيته ، وعاجز حتى ان يفرض كلمته حتى على امرأته ، فكيف يفرضها على العائلة ؟! وفى أغلب الاحيان يكون كبير العائلة هو مدمرها ، ومضيِّع شبابها ، مستغلاً نفوذه الأجوف المزيف فى تدمير ها !! والمفارقة الغريبة إنك إذا أردت طلباً من أكبر العائلة سناً لايستطيع أن يلبيه لك فى الحال حتى يعرض طلبك على سبع العائلة الأهطل التافه ، وأغلب الأشياء التى دمرت العائلات العريقة وذهبت بقيمتها فى هذا العصر هو الإنفتاح الأجتماعى ، والمدنية والعولمة التى هجمت على الريف المصرى بكل فتنها وإغراءتها ، والفهم الخاطئ للقيم الإجتماعية ، وعمليات التهجين التى حدثت بالعلائلات المحافظة وهكذا وجد السبع بغيته فى هذا التغيير الجديد الذى فكك أواصر العائلة ، فصار سبع أرعن ليس حكيم ، سبع فارغ ، ولم يعد سبع العائلة بل صار مأساة العائلة ، وعرِّتها المقدَّس .