- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
عادل صبري يكتب: كيف بدأت الحرب الباردة بين الصين وأمريكا من القاهرة؟!
عادل صبري يكتب: كيف بدأت الحرب الباردة بين الصين وأمريكا من القاهرة؟!
- 2 يوليو 2023, 6:58:32 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تُوسع الصين نفوذها الإعلامي على المستوى الدولي بخطوات سريعة، تفوق معدلات نمو اقتصادها القوي، وتسابق قدراتها العسكرية التي تتعاظم بنسبة 15% سنويا. اختبر الصينيون دور الإعلام كقوة ناعمة، خلال السنوات العشر الماضية، فحولوه من أداة للتواصل بين الشعوب إلى سلاح للتأثير “الجيوسياسي”.
يعلم الصينيون أن الأمريكيين هم سادة الإعلام، لذلك لم يتركوا طريقا ساروا عليه إلا واتبعوهم، ولو استدرجوهم إلى جحر الأفاعي. أجّج الأمريكيون لسنوات، حملات إعلامية لتشكيل الرأي العام في الحرب الباردة. استهدفوا تعزيز المشاعر المعادية للشيوعية على مستوى العالم. الآن، يسير الصينيون على النهج نفسه، مع ارتداد عكسي للرسالة الإعلامية، حيث تسعى بيجين إلى تشكيل العالم وصورته وفق رؤية زعيمها شي جين بينغ، المؤمن بأن الصين تمتلك نموذجا لـ”تطوير الرأسمالية الاستبدادية” عبر تعميم “نظام اشتراكي يحقق الازدهار والرخاء للشعوب”.
دراسة مصرية
جذب التنافس الإعلامي بين الصين والولايات المتحدة، نظر الزميل الإعلامي هاني الجمل، خريج الدفعة الأولى بكلية الإعلام جامعة القاهرة عام 1975، لإجراء دراسة بحثيه لنيل درجة الدكتوراه، بعد أن تجاوز السبعين عاما. وضع الإعلامي دراسة عميقة حول (معالجة قناتي “الصين الدولية” و”الحرة” الأمريكية للقضايا العربية واتجاهات الجمهور المصري نحوها). تناولت الدراسة التي أشرف عليها حسن عماد مكاوي عميد كلية الإعلام الأسبق، وهويدا مصطفى عميد الكلية السابقة، ومحمد معوض إبراهيم أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس، كيفية معالجة القناتين للقضايا العربية، وأوجه الاختلاف بينهما، في تغطيتهما للشأن العربي، ومدى ترجمة كل منهما لسياسة المالكين لهما، في ظل التنافس الأمريكي الصيني على قيادة العالم، وتزايد اهتمامهما بالمنطقة العربية.
أجرى الباحث السبعينى مسحا كميا وكيفيا، على عينات لتحليل النشرات الإخبارية المقدمة بالقناتين، لدورتين متتاليتين من إبريل/نيسان 2022 حتى سبتمبر/أيلول 2022. أظهرت النتائج أن اهتمام “الحرة” جاء شاملا لكل القضايا العربية، خاصة المتعلقة بحقوق الإنسان والمظاهرات والاضطرابات، بينما تبتعد قناة الصين عن الأخبار التي تعكس المواجهات بين السلطة والشعب، وخاصة المتعلقة بالربيع العربي، باعتبار ذلك حدثا داخليا وترجمة لتعليمات الحزب الشيوعي، الكاره للثورات العربية.
المسؤولون أولا
رصد الباحث ظهور أخبار الشأن العربي، وسط النشرات بالقناة الصينية، التي تبدأ عادة بأخبار محلية عن الرئيس الصيني والوزراء والمسؤولين، وإن كانت غير مهمة للمشاهد العربي. أظهرت نتائج الدراسة التي استمرت عامين ونصف العام، اهتمام الصين بإبراز كل الأخبار التي تحمل قيما سلبية عن الولايات المتحدة، منها سرقة قواتها للنفط السوري، والوضع المتدهور في العراق، وانعدام الدور الإيجابي للمنظمات التابعة للأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، في حل الأزمات الدولية.
استخلصت الدراسة أن الجانبين الأمريكي والصيني يهتمان بأخبار العرب لأهمية المنطقة الاستراتيجية لصانعي القرار في البلدين، وأن تفوّق الأمريكيين في تتبّع الأخبار، مع عزوف الصين عن ذلك، يجسد حرص قناة الحرة على تطبيق معايير” الآنية” في نقل الخبر، بينما الصينيون يفضلون انتظار التعليمات.
وأوضحت الدراسة أن الصين تركز على مناقشة قضايا التنمية، والترويج بأنها دولة نامية، لتزيل أي رباط بينها وبين القوى السياسية الكبرى وتاريخها الاستعماري، فلا تبدي اهتماما بقضايا التحول الديمقراطي. وبيّنت الدراسة تحيز القناتين في الدعاية لوجهة نظر مالكيها، وإن اختلفت الدوافع وطريقة التعرض للقضايا العربية المختلفة، مع ندرة الأخبار عن مصر، مع اتفاق المبحوثين على أن القناتين ليستا مصدرا موثوقا للمعلومات، وتشكُك الجمهور في الأهداف الحقيقية من وراء إطلاق “الحرة” عام 2004، وقناة الصين العربية عام 2009.
تجاهل صيني
قبل اجتماع لجنة مناقشة رسالة الدكتوراه، التي نال عنها الدرجة العلمية بمرتبة الشرف، الأسبوع الماضي، رأيت الباحث يوجه نداء عبر تجمّع للمركز الثقافي الصيني على “واتساب” يضم نخبة من الكتّاب والأكاديميين والدبلوماسيين الصينيين والمصريين، بطلب مساعدته في تقديم أي معلومات عن القناة الصينية. خشيت أن أعرض ما عندي للزميل، إذ كنت من الشاهدين على إطلاق البث العربي، من فوق باخرة نيلية جنوبي العاصمة، وضيفا على برامجها بين بيجين والقاهرة لسنوات، إلى أن توقفت عن الظهور بها، مع تحوّل صيني يدعم الأنظمة الاستبدادية بالمنطقة. يقول الباحث: حاولت على مدار عامين ونصف العام، إقناع المستشار الثقافي وأي مسؤول في السفارة، بتقديم أي معلومات عن القناة، والهدف منها وكيف يُتخذ القرار فيها، وأسس المفاضلة بين الأخبار وصياغة الموضوعات، فلم أحصل على نتيجة!
رفض المسؤولون الصينيون إرسال ممثل عنهم لحضور المناقشة العلمية بجامعة القاهرة، التي وضعت يدها على نقاط مهمة، تساعدهم على النجاح إذا ما أرادوا بحق التواصل مع الجمهور العربي.
أموال تثير الجروح
وضع الباحث يده على الجرح دون أن يدري عمقه، فالصين لم تعد بحاجة إلى النصيحة، بل تحاول ممارسة دبلوماسية القوة الناعمة، لفرض وجهة نظرها في ما تسميه “قوة الخطاب” بمنافذ الأخبار حول العالم. تدعم رؤيتها عبر برامج مساعدات اقتصادية ضخمة، حتى يكون نموذجها جذابا، يتبعه توظيف الإعلام في أن تصبح لاعبا قويا في الشؤون الدولية.
تمول الصين صفحات مدفوعة الأجر بصحف مصرية وعربية ومواقع بالإنترنت، تفرض بمالها سياسات تحريرية على الموضوعات المتعلقة بها، تدعمها سيطرة قوية على مواقع بالإنترنت عبر “وي شات” و”تك توك” وشبكات هواتف وكابلات بحرية تربط بين القارات.
استطاعت الصين خلال السنوات العشر الماضية، بناء شبكة إعلامية واسعة تضم التلفزيون الدولي، التي غيرت اسمه من CCTV إلى CGTN، حيث يطلَق مصطلح CCTV على أجهزة المراقبة بالشوارع، وأصبح مثار سخرية، فعدلته السلطات منذ 6 سنوات. تضم الشبكة إذاعة الصين الدولية CRI التي تذيع بـ36 لغة، وشبكة الأخبار “شنخوا” التي تديرها وزارة خاصة، تتحكم بأكبر عدد من المراسلين في عواصم الدول، وتشارك المحتوى مع وكالات وصحف محلية بالمنطقة العربية وكل القارات. سيطرت الحكومة على جميع الإصدارات باللغة الصينية حول العالم، وأقامت محطات إذاعية، وتشتري وقتا بمحطات عربية، مثل إذاعة القاهرة، للترويج لمعلومات عن الصين للتأثير في الرأي العام، وإدارة حرب باردة، بينما الأنظمة تحظر أو تحارب الإعلام الحر، وترفض تعزيز المهنية وحرية الرأي وتداول المعلومات، بما يحافظ على الهوية الوطنية وعقول المواطنين.