عاموس هرئيل يكتب: حادثة القتل الجماعي في غزة تثبت: نتنياهو لا يقرأ الخارطة بشكل صحيح

profile
  • clock 2 مارس 2024, 4:38:34 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

منذ بداية الحرب في قطاع غزة، يحلق الخطر الذي تحقق، أمس (أول من أمس)، حادثة القتل الجماعي بالخطأ في مواجهة بين الجيش الإسرائيلي والمواطنين الفلسطينيين، التي ستؤثر على استمرار القتال وستقلص الإمكانيات المتاحة أمام إسرائيل. هذا سيناريو "كفر قانا" الذي أدى في 1996 إلى نهاية مبكرة اكثر مما تم التخطيط لعملية عناقيد الغضب في جنوب لبنان. بعد مرور عشر سنوات، في حرب لبنان الثانية، حاول "حزب الله" تضخيم حدث له خصائص مشابهة، الذي حدث في القرية نفسها. في هذه الحالة تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار مدته 48 ساعة، ولكن بعد ذلك تم استئناف المعارك مدة أسبوعين آخرين إلى أن تم التوصل إلى اتفاق أدى إلى إنهاء الحرب.


في بداية الحرب الحالية في القطاع، حاولت "حماس" القيام بمناورة كهذه حول حادثة قصف مستشفى في مدينة غزة. بعد بضع ساعات تبين بيقين أن الحدث كان نتيجة خطأ إطلاق صاروخ فلسطيني سقط على المستشفى وأن عدد القتلى يبدو أنه اقل من عشر العدد الذي تم الإبلاغ عنه في البداية. الاهتمام الدولي فيما حدث خفت تقريبا على الفور.
 

الحادثة، صباح أمس (أول من أمس)، هي في المقابل حادثة حقيقية. فقد حدثت في إحدى النقاط الضعيفة الأكثر عرضة لحدوث أعمال الفوضى، وهي احد الأماكن القليلة التي يمكن للمساعدات الإنسانية من الوصول إليها في شمال القطاع. وحسب تقديرات مختلفة فإنه هناك الآن تقريبا ربع مليون شخص في الشمال الذين ينتقلون بين البيوت والمباني العامة التي تم تدميرها في الحرب في محاولة للعثور، بطريقة ما، على مأوى آمن والحصول على الغذاء لهم ولأبناء عائلاتهم. خلافا لما يحدث في جنوب القطاع فإنه في الشمال سيطرة "حماس" ضعيفة وتعم هناك الفوضى. في الأسابيع الأخيرة، جرت اتصالات محمومة بين إسرائيل والمجتمع الدولي في محاولة للتخفيف من الضائقة وترتيب حماية لتوزيع المساعدات. يوجد هنا تناقض معين: في المناطق التي تسيطر عليها "حماس" التوزيع منظم اكثر، لكنها أيضا تقوم بسرقة المساعدات وإسرائيل (بدعم الولايات المتحدة) لا تريد أن تبقى "حماس" في السلطة. لكن بدون "حماس" فإن الفوضى فقط ستكون اكبر.
 

إسرائيل أيضا لا يمكنها المساعدة في ذلك كما تبين. حسب الجيش الإسرائيلي فإن الكارثة حدثت عندما انقض الفلسطينيون على شاحنات المساعدة في منطقة المرسى على شاطئ مدينة غزة، والعشرات تم سحقهم حتى الموت في ظل الاكتظاظ والتدافع. بعد ذلك تم تطويق قوة صغيرة للجيش الإسرائيلي من قبل الجمهور، وقام طاقم دبابة بفتح النار من اجل النجاة بأنفسهم.
 

حسب الفلسطينيين فإن اكثر من 100 فلسطيني قتلوا في سلسلة الأحداث التي نبعت من الاكتظاظ واليأس في القطاع، التي حدثت أثناء محاولة توزيع المساعدات على السكان. هذا الوضع قد يتكرر، بل وربما يتسع، مع ازدياد الفوضى في القطاع وعدم التوصل إلى تسوية سياسية تعمل على تهدئة النفوس أثناء محاولة استعادة بعض النظام.
في الجيش، قالوا استنادا إلى تحقيق أولي، إن معظم القتلى والجرحى أصيبوا بسبب الاكتظاظ، وفقط عدد صغير من المصابين كان نتيجة إطلاق النار من قبل الجنود. يصعب أن نلوم قادة صغارا في الميدان، الذين وجدوا انفسهم حسب رأيهم في وضع يعرض حياة الجنود للخطر. فيلم فيديو للحادثة، الذي تم تصويره من الجو، يظهر حقا جمهورا يتجمع حول الشاحنات. رواية إسرائيل عن الأحداث نشرت في وقت متأخر، بعد عشر ساعات على إطلاق النار.
 

هناك شك في أن التفسيرات الإسرائيلية ستغير رأي أحد. المشاهد الصعبة من الحادثة في غزة تندمج مع المعطيات التي نشرتها، أمس، وزارة الصحة في القطاع، التي تسيطر عليها "حماس"، والتي تفيد بأن نحو 30 ألف فلسطيني، بينهم 12500 طفل وفتى، قتلوا منذ اندلاع الحرب. إسرائيل ينظر إليها في العالم كمسؤولة رئيسة عن هذه الكارثة، رغم أن "حماس" هي التي بادرت إلى الهجوم الإرهابي القاتل في 7 تشرين الأول وأسلوبها ومواقفها لا يثيران أي تعاطف كبير في الدول الغربية.
 

الخطر الآن اكبر. الفوضى واليأس في القطاع تزداد وشهر رمضان يقترب والأعمال الفظيعة، أمس، من شأنها أن تشعل الأجواء في ساحات أخرى مثل الضفة الغربية. تأثير كل ذلك يمكن أن يتوسع اكثر ويصل إلى دول إسلامية وعربية مختلفة، التي أصبحت الآن تتهم إسرائيل بارتكاب مذبحة ضد المدنيين. إسرائيل في الحقيقة هزمت "حماس" عسكريا في أجزاء كبيرة في القطاع، وأضرت بشكل كبير بقدرتها العملياتية والتنظيمية، لكنها لا تسيطر حقا على حالة الفوضى الناتجة عن هجومها. الجيش لا يوجد لديه ما يكفي من القوات من اجل السيطرة على النشاطات المدنية في أرجاء القطاع، وأي احتكاك طويل مع السكان يمكن أن يؤدي إلى مأساة أخرى.


أحداث، أمس، حدثت في ذروة جهود أميركية لإخراج إلى حيز التنفيذ صفقة تبادل جديدة، تتكون من مرحلتين والتي يرافق المرحلة الأولى فيها حوالى ستة أسابيع من وقف إطلاق النار. إذا دخلت هذه الصفقة إلى حيز التنفيذ فإنه سيتم فحص خطتين لإرسال المساعدات الإنسانية، الأولى عبر شمال القطاع بصورة من شأنها تقليص سرقة المساعدات التي تمر من مصر ومعظم البضائع التي يتم نقلها فيها تختفي قبل وصول الشاحنات إلى الشمال (رغم أن حادثة أمس كانت في الشمال). الثانية عبر البحر من قبرص.
من المحتمل أن تلجأ الولايات المتحدة الآن إلى استغلال الكارثة لزيادة الضغط على إسرائيل من اجل كبح نشاطاتها العسكرية والموافقة على تسوية سريعة. لكن هناك لاعبا آخر في القصة وهو "حماس"، التي لا تجد صعوبة في الإدراك بأنها أصبحت تتمتع بقدر نادر من القوة على طاولة المفاوضات. في السيناريو المتشائم اكثر من وجهة نظر إسرائيل فإنها قد تواجه طلبا دوليا شاملا وحاسما لوقف إطلاق النار دون التوصل إلى حل، حتى لو جزئيا، لمشكلة المخطوفين.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يواجه الآن صعوبة مزدوجة، بل ربما مضاعفة، في ساحة الحرب وجد نفسه في زاوية فيها ربما يستخدم عليه ضغط كبير لوقف العمليات الهجومية في القطاع. في الساحة السياسية الداخلية وزير الدفاع يوآف غالانت انضم لوزراء المعسكر الرسمي من اجل نصب كمين لنتنياهو في مسألة قانون التجنيد. هذا من شأنه، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، أن يجعل الرياح تهب في أشرعة حركة الاحتجاج على خلفية القمع الصارخ لمن يتحملون عبء الخدمة مقارنة مع المتهربين المعفون من الحريديين. بطريقة أو بأخرى تبدو وعود نتنياهو في نهاية الأسبوع بتحقيق النصر الكامل والسريع جوفاء اكثر من أي وقت مضى.

من الذي يهدد هنا؟


روح اليأس، التي يصاحبها القلق الشديد، تسود كل حديث يجري في هذه الفترة في العاصمة الأميركية ويتعلق بمستقبل الشرق الأوسط. ما زال الرئيس الأميركي، جو بايدن، مؤيدا قويا للصهيونية، لكن إدارته معادية للحكومة الإسرائيلية الحالية كما لم تكن أي إدارة أميركية أخرى معادية لحكومة إسرائيلية في الماضي. لا شك أن الولايات المتحدة وقفت إلى جانب إسرائيل بعد 7 تشرين الأول، لكن مرت خمسة اشهر تقريبا منذ اندلاع الحرب في القطاع، والآن الأميركيون يجدون صعوبة متزايدة في فهم التوجه الذي يسير إليه نتنياهو.
الهجمات على تصرفات رئيس الحكومة وسياسته هي تقريبا موضوع يومي، جزء منه بالتسريب لوسائل الإعلام الأميركية، وجزء منه بالتصريحات العلنية. الأسبوعان القادمان سيكرسان لجهد آخر من اجل التوصل إلى استكمال صفقة جديدة لإطلاق سراح المخطوفين، تقريبا في بداية شهر رمضان في 10 آذار. ولكن إذا لم يتم تحقيق أي تقدم فإنه ربما يوجه اصبع الاتهام إلى إسرائيل أيضا. إذا كانت إسرائيل هي التي تصمم على وضع العقبات أمام إنهاء الصفقة فإن هذا الأمر يمكن أن يتمثل بتصريح صريح للرئيس الأميركي يفيد بأن نتنياهو هو الذي افشل المفاوضات. يجب عدم استبعاد أيضا إمكانية أن يقرر الأميركيون وقف استخدام "الفيتو" على قرارات ضد إسرائيل في مجلس الأمن. بايدن حذر في هذا الأسبوع علنا بأنه إذا واصلت الحكومة الخط الصقوري الحالي فإن إسرائيل يمكن أن تفقد الدعم في أرجاء العالم.


خيبة أمل أميركا تنبع مما اعتبر في الإدارة الأميركية مزيجا من الغطرسة ونكران الجميل من قبل إسرائيل، ليس فقط أن الرئيس بايدن وقف إلى جانب إسرائيل على الفور بعد البدء في المعركة، بل ارسل على الفور تهديدا لإيران و"حزب الله" بعدم الانضمام للهجوم الذي بدأه رئيس "حماس" يحيى السنوار. في الوقت نفسه، اهتم بايدن بأن يعيد ملء مخازن السلاح للجيش الإسرائيلي بضع مرات بواسطة القطار الجوي والبحري للإرساليات.
 

حتى الآن بعض كبار القادة في إسرائيل يكثرون من التذمر من الأميركيين الذين يتدخلون في شؤونهم ويزعجون الجيش الإسرائيلي في استكمال احتلال القطاع، وخلال ذلك قاموا بالتشويش على نية إسرائيل شن هجوم مفاجئ على "حزب الله" في 11 تشرين الأول. أحيانا عندما نصغي للمتحدثين الإسرائيليين يظهر أنه لو أن الأميركيين لم يبدؤوا في التصرف بشكل جيد، فإنهم في إسرائيل سيفحصون وقف المساعدات العسكرية بمبلغ 3.8 مليار دولار في السنة.
 

يبدو أيضا للأميركيين أنهم في إسرائيل لا يقدرون بما فيه الكفاية المخاطرة السياسية التي يأخذها الرئيس على مسؤوليته بدعمه للحرب رغم الدمار والقتل الكبير الذي تركته خلفها عملية الجيش الإسرائيلي في غزة. هذه الانعطافة ما زالت غير واضحة بشكل كاف في استطلاعات الرأي العام. ولكن في الحزب الديمقراطي يحذرون من تآكل دعم إسرائيل في أوساط الشباب على خلفية فظائع الحرب.
 

من المثير للاهتمام أن هذا التوجه يمكن الشعور به أيضا بين بعض الناخبين الجمهوريين. مسألة المساعدات العسكرية السخية (التي تأتي بالطبع من الولايات المتحدة لإسرائيل وليس العكس) تفلت بالتدريج إلى خارج الحضن الدافئ للإجماع. وإذا تم انتخاب دونالد ترامب كرئيس في تشرين الثاني القادم فليس من الواضح أبدا إذا كان سيوقع على اتفاقية مساعدات جديدة في غضون سنتين (الاتفاق القادم يمكن أن يدخل إلى حيز التنفيذ بعد سنتين، في 2028، ويكون ساري المفعول عشر سنوات). التحرك الجمهوري لتأخير نقل المساعدات الأمنية الإضافية المقدمة لأوكرانيا، والذي تضررت إسرائيل أيضا منه لأن إجراءات التشريع المطلوبة متشابكة – هو إشارة مثيرة للقلق بشأن ما سيأتي.
 

في الولايات المتحدة، يدركون عقلية إسرائيل التي تتخيل أن جيوب دول الخليج العميقة ستكون دائما موجودة لإصلاح الأضرار التي خلفتها الحرب في قطاع غزة والاهتمام بالفلسطينيين. وهذا الافتراض مقرون بالأمل الذي لم يتنازل نتنياهو عنه حتى الآن، وهو أن يسخر التطبيع المخطط له مع السعودية لإنهاء الحرب في المستقبل. عمليا، السعودية فقدت حماستها للدفع قدما بالمبادرة.
 

المواجهة بين إسرائيل و"حماس" قلصت هامش مناورة ولي العهد السعودي وأجبرته على تعميق التزامه بنضال الفلسطينيين. وهو سيجد صعوبة في إطلاق التطبيع في الظروف التي نشأت، دون أن يشمل على الأقل ضريبة كلامية من إسرائيل في صالح حلم مستقبلي لحل الدولتين.
 

بنظرة شاملة فإن الإسرائيليين الذين يصلون في هذه الفترة إلى واشنطن، حتى لو لم يكونوا مؤيدين لسياسة الحكومة، يعملون من خلال الشعور بالذعر على خلفية تهديد المذبحة. القلق في واشنطن هو قلق حقيقي، سواء على سلامة إسرائيل أو إزاء الخطر في أن تتدهور المواجهة مع "حماس" و"حزب الله" إلى حرب إقليمية تعرض للخطر المصالح الأميركية وحياة الأميركيين أيضا.

كلمات دليلية
التعليقات (0)