- ℃ 11 تركيا
- 18 نوفمبر 2024
عبدالجبار سلمان يكتب: "المولد النبوي كأداة للهيمنة: كيف يوظف الحوثيون المناسبات الدينية لتعميق الطائفية في اليمن؟
عبدالجبار سلمان يكتب: "المولد النبوي كأداة للهيمنة: كيف يوظف الحوثيون المناسبات الدينية لتعميق الطائفية في اليمن؟
- 26 سبتمبر 2024, 9:43:48 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في اليمن، تلعب المناسبات الدينية والثقافية دورًا هامًا في توحيد المجتمع وتكريس الروابط الاجتماعية. ومع ذلك، فقد شهدت السنوات الأخيرة تحولاً في هذه المناسبات إلى أدوات لخدمة أهداف سياسية وطائفية، ولا سيما من قبل مليشيا الحوثيين. استخدم الحوثيون مناسبات مثل المولد النبوي في إطار مشروعهم لفرض الهيمنة والإقصاء، في محاولة لترسيخ السيطرة السياسية والثقافية والاجتماعية على المجتمع اليمني. لطالما احتُفل بالمولد النبوي في اليمن كواحدة من المناسبات الدينية التي تجمع المسلمين على اختلاف مذاهبهم. إلا أن الحوثيين، كجماعة شيعية، عملوا على استغلال هذه المناسبة لفرض رؤيتهم الخاصة للدين الإسلامي، وتحويلها من مناسبة جامعة إلى حدث يعزز الهوية الطائفية الشيعية.
فبدلاً من أن يكون الاحتفال بذكرى مولد النبي محمد ﷺ مناسبة توحد المسلمين وتدفعهم نحو تعزيز قيم التسامح والتعايش، استخدم الحوثيون هذا الاحتفال كمنصة لنشر أفكارهم السياسية والدينية. يستغل الحوثيون المناسبات الدينية مثل المولد النبوي كأداة لتعزيز الهيمنة السياسية والثقافية في المناطق التي يسيطرون عليها. من خلال السيطرة على المساجد، والمدارس الدينية، ووسائل الإعلام، يُفرض سردٌ معين على المجتمع اليمني يُعلي من شأن المذهب الشيعي، ويهمش المذاهب الأخرى، ولا سيما المذهب السني. يترافق هذا مع محاولة إعادة تشكيل الهوية الوطنية والدينية بما يتناسب مع مشروعهم السياسي.
كما يُفرض على اليمنيين المشاركة في هذه المناسبات بطريقة تظهر الولاء للحوثيين، وغالبًا ما تُرافق الاحتفالات حملات إعلامية مكثفة تشدد على أهمية الولاء للميلشيا وزعيمها. وتشير التقارير إلى أن الحوثيين ينفقون مبالغ طائلة على تنظيم هذه الاحتفالات، في حين يعاني اليمن من أوضاع اقتصادية وإنسانية كارثية. هذا التوظيف المناسباتي للدين يُظهر تناقضًا واضحًا بين خطاب المليشيا حول العدالة والحقوق، وبين ممارساتها العملية التي تسعى إلى تعزيز سلطتها على حساب الأغلبية الساحقة من الشعب اليمني. إلى جانب محاولة الهيمنة الثقافية والدينية،
يأتي استغلال الحوثيين للمناسبات الدينية كوسيلة لإقصاء وتهميش المجتمعات التي لا تتبنى نفس الأفكار الطائفية التي يروجون لها. إذ يتعرض المخالفون، سواء من أهل السنة أو من الطوائف الأخرى، لضغوط متزايدة للامتثال إلى الأفكار والقيم التي يفرضها الحوثيون. يعتبر استغلال الحوثيين للمولد النبوي جزءًا من إستراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة صياغة التركيبة الدينية والاجتماعية في اليمن. وبدلاً من الاحتفاء بتنوع المجتمع اليمني الديني والثقافي، يعمل الحوثيون على استبدال هذه التعددية بتركيبة اجتماعية تتماشى مع مذهبهم ومصالحهم السياسية. هذا يخلق بيئة من الاستقطاب الطائفي، حيث يُنظر إلى المخالفين على أنهم أعداء أو خونة. أحد الأدوات الرئيسية التي يستخدمها الحوثيون في خدمة مشروعهم الطائفي هو السيطرة على الرموز الدينية والتاريخية. عبر إعادة تفسير التاريخ الديني والإسلامي بما يتناسب مع رؤيتهم الأيديولوجية،
يحاول الحوثيون تعزيز شرعيتهم وتبرير هيمنتهم. يتم استغلال المولد النبوي، على سبيل المثال، ليس فقط للاحتفال الديني، بل لترويج رموز الحوثيين وربطها بالشرعية الدينية. لا شك أن السياسات الطائفية التي ينتهجها الحوثيون من خلال استغلال المناسبات الدينية كالمولد النبوي تزيد من حدة الانقسامات في المجتمع اليمني. بدلاً من أن تكون هذه المناسبات فرصة لتعزيز الوحدة والتضامن بين أفراد المجتمع، أصبحت أدوات لتعزيز الانقسام وتأجيج الصراع الطائفي. يؤدي هذا الوضع إلى تعميق الأزمة الاجتماعية والسياسية في اليمن، حيث يشعر الكثير من اليمنيين بالإقصاء والتمييز على أساس المذهب الديني أو التوجه السياسي.
في هذا السياق، يمكن أن تتحول المناسبات الدينية التي كانت في السابق رموزًا للسلام والوحدة إلى نقاط توتر وصراع في ظل الاستغلال الطائفي الذي يقوم به الحوثيون. إن استغلال الحوثيين للمناسبات الدينية والثقافية مثل المولد النبوي يعكس إستراتيجيتهم الرامية إلى فرض الهيمنة والإقصاء في اليمن. بدلاً من تعزيز قيم التسامح والتعددية، يستخدم الحوثيون هذه المناسبات كأدوات لبناء سلطة طائفية على حساب وحدة المجتمع اليمني. هذا النهج يؤدي إلى تفاقم الانقسامات الطائفية، ويزيد من تعقيد الصراع اليمني، ويعكس الحاجة إلى تدخلات تُعزز من قيم التعايش السلمي والتعددية في المجتمع اليمني، بعيدًا عن استغلال الدين لتحقيق مصالح سياسية ضيقة.