- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
عبد المنعم سعيد يكتب: هجوم الربيع الذي لا يأتي!
عبد المنعم سعيد يكتب: هجوم الربيع الذي لا يأتي!
- 3 مايو 2023, 4:51:53 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا أدري عما إذا كان «هجوم الربيع» المتوقع في الحرب الأوكرانية سوف يكون قد حل وقت نشر هذا المقال، أم أن التعبير ذاته لم يعد له معنى، وأن خيالات المتابعين والمراقبين لا تكف عن مطاردة شبح ليس له نصيب من الحقيقة في المستقبل القريب.
ستيفن والت، أستاذ العلوم السياسية والاستراتيجية في جامعة هارفارد، نشر مقالاً في دورية «السياسة الخارجية» الأميركية، بتاريخ 18 أبريل (نيسان) 2023، بعنوان «أوكرانيا وروسيا في حاجة إلى خطة سلام من القوى العظمى». المقال يبدأ بمطالبة الإدارة الأميركية بأن تكون لديها خطة بديلة (Plan B) للتعامل مع الأزمة الأوكرانية، مقللاً من شأن جاهزية وتدريب القوات الأوكرانية لشن هجوم ربيعي يحقق إنجازات واسعة ضد الدفاعات الروسية.
قال البروفسور والت: «إن وعود الإدارة الجريئة بالتوصل إلى نصر أوكراني ربما لن تتحقق، وإنما سوف تقاسي أوكرانيا من خسائر إضافية.
ما تحتاجه أوكرانيا هو السلام وليس حرباً متشعبة للاستنزاف ضد خصم أكثر سكاناً، ويقوده قائد (بوتين) لا يعنيه كثيراً الأرواح التي تجري التضحية بها على مذبح الحرب».
«هجوم الربيع» تعبير أصبح ذائعاً في قاموس الحرب الروسية– الأوكرانية، بعد أكثر من عام على الحرب. التعبير يستعار من ذكريات مضت عندما كان الشتاء عائقاً أمام العمليات الحربية خلال الحرب العالمية الثانية، بعد أن أصبحت الثلوج والوحل والطين تشكل عائقاً أمام حركة الدبابات والعربات الثقيلة في عمومها.
لم تكن هناك معرفة بما بات يسمى «الاحتباس الحراري» الذي يجعل الشتاء دافئاً، والربيع حاراً، أما الصيف فممتد وساخن حتى الخريف. هذا العام كما في كل الأعوام، بدأ الربيع زمنياً في 22 مارس (آذار) الماضي، بعد شتاء دافئ غير معهود، ومرت الأيام بعدها والشهور كذلك، والأحوال في الجبهة العسكرية باقية على حالها الثابتة، كما كانت منذ نهاية العام الماضي.
وبالتأكيد منذ عام من اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية. ما كان يقال في بداية العام في الصحافة الغربية أن «هجوم الربيع» سوف يأتي من جانب روسيا التي حققت تعبئتها العسكرية، وتمكنت من تدريب جنودها، وساعتها سوف يمكنها أن تشن هجوماً يحقق من أهداف إخضاع أوكرانيا ما لم ينجح من قبل. الآن تغيرت اللهجة بين المراقبين، وأصبح الهجوم المنتظر أوكرانياً لتحرير الأراضي المحتلة، بعد أن وصلت المساعدات والدبابات والذخائر الموعودة؛ وأصبح السؤال هو عما إذا كان الهجوم الأوكراني سوف يشمل القرم أم لا، أم أن ذلك يعد نوعاً من المزايدة المستحيلة أو الطموحات التي تلبَّست القادة الأوكرانيين، وتدفعهم نحو أهداف خيالية؟
الحقيقة هي أنه على الرغم من الاستعدادات والتنويهات والتلميحات، ونشر الأسلحة النووية التكتيكية من جانب روسيا في بيلاروسيا، فإن الموقف على جبهات القتال المختلفة يبدو ساكناً، ليس فيه إلا أنواع من الشغب العسكري في مدينة مثل باخموت، ولكنه لا يخلق معارك استراتيجية حاسمة. الطرفان يبدوان في حالة استقرار وقبول لخطوط القتال عند تلك التي استقرت عليها في مطلع العام الحالي.
كلا الطرفين في انتظار معجزة حل من نوع أو آخر، وربما يكون ذلك قبولاً بالأمر الواقع؛ كما جرى واستمر منذ توقف القتال عند الحدود الراهنة بين الكوريتين، عند انتهاء الحرب الكورية قبل سبعة عقود تقريباً.
الصين قدمت مبادرتها، وعلى الرغم من أنها تصر على تعاون «غير محدود» مع روسيا، فإنها لا تضع الدعم العسكري في هذا التعاون. ماكرون الفرنسي حاول دفع المبادرة إلى الأمام، واقترح الاستراتيجي الأميركي ستيفن والت أن تولد مبادرة أميركية روسية صينية مشتركة لحل النزاع!
التقدير هنا أن الأطراف الثلاثة لديهم مصلحة في وضع نهاية للحرب؛ حيث نزيف الحرب المالي والتسليحي مع تكاليف اللجوء البشري الأوكراني أصبح ضاغطاً على واشنطن وحلفائها في أوروبا، وعلى الرئيس بايدن شخصياً، وهو يستعد للدخول في معركة انتخابية يحتاج فيها لإعلان انتصار في حرب منعت روسيا من ابتلاع أوكرانيا، وسلام بالتوصل إلى تسوية؛ ليس فقط مع روسيا، وإنما الأهم مع الصين أيضاً. هذه الأخيرة من ناحيتها تعرف جيداً ما حققته من مكاسب في الحرب، بما اغترفت من مكاسب اقتصادية بالحصول على النفط الروسي بأسعار منخفضة؛ ورفع درجة التعاون الروسي الصيني إلى مستوى «اللامحدود Unlimited» بما يعزز موقفها من «مراجعة» النظام الدولي حينما يأتي وقت البناء من جديد.
الصين أكثر من ذلك، من ناحية تريد تجنب حرب بسبب تايوان، بينما تصر وتحصل بالفعل على تأييد وجود «صين واحدة»؛ ومن ناحية أخرى فإنها وقد حققت توافقاً بين إيران والمملكة العربية السعودية، وأبدت استعداداً لتحقيق السلام الفلسطيني الإسرائيلي، فإنها من ناحية ثالثة سوف تتوج وجودها كقوة عظمى ساعية للسلام والرخاء في العالم، بالمشاركة في صنع السلام في أوكرانيا.
روسيا من ناحيتها تبدو وكأنها حققت أهدافها الأساسية من الحرب، وهي إضفاء صفة الشرعية الدولية، ولو بالصمت، على احتلالها لشبه جزيرة القرم؛ فضلاً عن ضم إقليم الدونباس، وهو ما يعني تقليم أظافر أوكرانيا، ومنعها من اللحاق بحلف الأطلنطي. أوكرانيا هنا تبدو عقبة رئيسية أمام هذا السيناريو القائم على توافق القوى العظمى في العالم، استناداً إلى طموحات القيادة الأوكرانية وتعبئتها للرأي العام الأوكراني بطريقة حماسية، تسد الطريق على القيادة لتحقيق سلام معقول.
هنا فإن الولايات المتحدة سوف يكون لديها ما يقنع أوكرانيا بأنها حققت نصراً كبيراً بالبقاء كدولة مستقلة، يمكنها أن تحصل على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن إعادة البناء وحصاد مجد الصمود أمام روسيا في الحرب.
ستيفن والت قدم أمثلة تاريخية للتعاون الممكن بين القوى العظمى، حتى في الأجواء عالية التوتر للحرب الباردة، عندما تعاونت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لإصدار قرار مجلس الأمن بوقف القتال في حرب يونيو (حزيران) 1967 في الشرق الأوسط؛ وكذلك قرار وقف القتال الآخر في عام 1973. ما لم يقله والت أن القرار الأول جرى في ظل ظروف حرب فيتنام، وما تبعها من رغبة الولايات المتحدة في تحقيق وفاق مع الاتحاد السوفياتي والصين، والتي نجمت عنها زيارة نيكسون الشهيرة لبكين، وتوقيع اتفاقية الحد من الأسلحة النووية بين البلدين.
التعاون الذي جرى بعد ذلك في تسعينات القرن الماضي في عقد مؤتمر مدريد للسلام، كان في ظل انهيار الاتحاد السوفياتي والهيمنة الأميركية على العالم.
مثل هذه الظروف غير مواتية للواقع الخاص بالحرب الأوكرانية التي سوف يكون وقف إطلاق النار فيها معقداً وواضعاً كل طرف تحت مظلة الهزيمة أمام مواطنيه. أوكرانيا سوف تكون خاسرة لكثير من الأراضي، أما روسيا فإن خسائرها الكبيرة في الحرب والمقاطعة لا يمكن تعويضها بإنهاء حرب لم تغير نظام الحكم في أوكرانيا، وتترك حلف الأطلنطي وهو أكثر اتساعاً.
الظروف تغيرت كثيراً، والعالم أصبح مختلفاً عما كان، واستخدام المشابهات التاريخية ربما يساهم في إيضاح الصورة، ولكنه يزيد الواقع الحالي للحرب تعقيداً.