عبود مصطفى عبود يكتب رمضان كريم

profile
عبود مصطفى عبود كاتب وناشر
  • clock 16 أبريل 2021, 7:56:10 م
  • eye 861
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

رمضان كريم
(من حيث لا يحتسب)



هو رجل بسيط جدا، فقير جدا، خمسيني العمر، لدية ثلاث بنات في مراحل مختلفة من التعليم، الكبرى في السنة النهائية في دبلوم التجارة، يتمنى أن تجد فرصة عمل لتساعده في تحمل نفقات البيت،

 الوسطى في الإبتدائية والصغرى رضيعة، يعيشون جميعا في غرفة صغيرة فوق أسطح أحد البيوت القديمة التي بنيت في مطلع القرن التاسع عشر،

 أسرة قوامها خمسة أفراد والفقر والمرض ضيفين دائمين على هذه الأسرة، ومع ذلك تجدهم لا يكفون عن الابتسام والحمد.
فجأة وقع زلزال 92 المروع وتهدم البيت العتيق، مات البعض ونجا البعض ومنهم هذه الأسرة،

 فأصبح عددهم تسعة بعد إضافة التشرد وعدم المأوى لحياتهم، استقر بهم الحال في مخيم للإيواء،

 وبسرعة عادت الابتسامات تعلو الوجوه والأمل في الحصول على شقة سكنية في الوحدات التي أعلنت عنها الدولة، 

وتوجه الأب إلى مجمع التحرير يقدم الطلبات ويأخذ التوقيعات والتأشيرات ويضع الدمغات، عاش في هذا المسلسل عاما كاملا، ولم يحصل على شيء، 

سوى تعرفه على موظفين المجمع، وإمام مسجد عمر مكرم الذي كان يؤدي فيه الصلاة كلما زار المجمع.
وفي أحد الأيام سأل إمام المسجد قائلا: متعرفش يا شيخنا حد مهم في مجمع التحرير يساعدني آخد شقة تلمني أنا ومراتي وبناتي؟
أجابه الشيخ في ثقة: أيوة أعرف.
انفرجت أسارير الرجل وهتف في لهفة: طيب دلني عليه الله يكرمك.
قال الشيخ في جدية: بشرط تذهب إليه ومعك مراتك وبناتك، مش لوحدك.
قال الرجل في لهفة: ماشي ماشي.
هنا اعتدل الشيخ وقال: هو كمان مش هيتعبك مش هيخليك تروح ولا تيجي، مطلوب منك بس تصحى في نص الليل ومعاك عيلتك وتصلي وتطلب منه بثقة وإخلاص،

أن يقضي لك حاجتك، فهمت هتكلم مين.. هتكلم ربنا هتقول: يارب بس بإخلاص و حالك كله هيتصلح.
وبالفعل نفذ الرجل كل ما أمره به الشيخ، وبات ليلته متهجدا داعيا الله عز وجل أن يوفقه،

 وفي الصباح ذهب إلى مجمع التحرير، فوجد الموظف المسئول أكثر تجهما، وخشونة، هبط الرجل درج المجمع باكيا محطما كسير النفس، ولم يدخل المسجد ورجع إلى أسرته التي فقد كل أفرادها الابتسامة،

 ومرت عدة أيام، ثم ذهب الرجل إلى المسجد.
فقابله الإمام قائلا: أنت فين يا راجل، غبت فين كل ده؟ مشكلتك اتحلت، تاني يوم كنت عندي، فاكر لما قلت لك صلي في الليل وادعي ربنا.
أجاب الرجل مذهولا: أيوة فاكر وعملت كدة فعلا.
الشيخ: تاني يوم، صلى معانا مجموعة شباب، وبعد الصلاة سألوني عن حد يكون محتاج شقة ضروري،

لأنهم عملوا مشروع وربنا وسع عليهم ووهبوا الشقة دي لله، وقلتلهم عليك والشقة في انتظارك. مش قلتلك قول يا رب.
سقط الرجل مغشيا عليه وأفاق وهو يسمع أحد الناس يدعو قائلا: اللهم ارزقنا من حيث لا نحتسب.

التعليقات (0)