- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
عبود مصطفى عبود يكتب : اليوجينيا تعود من جديد
عبود مصطفى عبود يكتب : اليوجينيا تعود من جديد
- 14 أبريل 2021, 9:32:38 ص
- 930
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عاشت الإنسانية انتكاسات كثيرة، وظهرت أفكار عنصرية، أدت إلى التخلص من ملايين البشر، ويبدو أننا بكل أسف، مقبلون على انتكاسة جديدة بسبب فيروس كورونا فقد عاد الحديث مجددا عن اليوجينيا، فهيا بنا نعرف القصة من أولها.
ماذا تعني اليوجينيا؟
يعرف البيولوجيون اليوجينيا: بأنها تطبيق علم الوراثة البشرية على المشاكل الاجتماعية. فهي نوع من الانتخاب الصناعي، وهو أيضًا:علم تحسين الإنسان عن طريق منح السلالات الأكثر صلاحية فرصة أفضل للتكاثر السريع مقارنة بالسلالات الأقل صلاحية.
بدايات اليوجينيا
يعتبر أفلاطون هو صاحب أول رؤية لتربية أناس فضلاء وتحسين السلالات في دولته المثالية.
أما في العصر الحديث، فقد كان جالتون هو أول من اقترح برنامج تحسين البشر (اليوجينيا) في أواخر القرن التاسع عشر. وقد اشتق الكلمة من أصل إغريقي يعني (نبيل المحتد) أو (طيب الأرومة).
وقد كان يهدف من خلال اليوجينيا إلى تحسين سلالة الإنسان بالتخلص من الصفات غير المرغوبة وبإكثار الصفات المرغوبة.
ولقد ذاعت هذه الآراء اليوجينية لجالتون مع بداية القرن العشرين وأصبح لها أتباع كثيرون في أمريكا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول الأوربية.
شاعت اليوجينيا وتدخلت في تكاثر البشر بشكلين، أحدهما إيجابي هو اليوجينيا الإيجابية التي تهتم بمعالجة البشر وراثيا، لتوليد أناس أفضل، والأخرى سلبية عرفت باليوجينيا السلبية التي تهتم بتحسين نوعية السلالة البشرية بتخليص العشيرة من المنحطين بيولوجيا، ويتم هذا بمنع (المتخلفين) عن الإنجاب. ومن الناحية العملية لم يحدث الكثير بالنسبة لليوجينيا الإيجابية، وإن تكن ثمة ادّعاءات يوجينية قد ظهرت عند بدء سياسات الدعم العائلي في بريطانيا وألمانيا في الثلاثينييات من القرن الماضي، كما كانت مسائل اليوجينيا الإيجابية حاضرة بالتأكيد في منافسات أفضل العائلات التي كانت تقام بأمريكا في العشرينيات من القرن الماضي.
لكن مخاطر اليوجينيا السلبية المرعبة، ظهرت بوضوح مع أواخر عشرينيات القرن العشرين، وعلى وجه الخصوص حينما تم تمرير قوانين التعقيم اليوجيني، فقد سُنت العديد من القوانين اليوجينية، وأعلن عن دستوريتها في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1927م في حكم المحكمة العليا في قضية «باك ضد بيل» عندما أعلن القاضي أوليفر وينديل هولمز أن من رأيه أن ثلاثة أجيال من البلهاء تكفي، وقد عالجت السينما المصرية هذه القضية بصورة مشابهة في فيلم الحكم آخر الجلسة لنور الشريف وحمدي غيث، حيث تقررزوجة نور الشريف التخلص من جنينها منه لإحتمال ولادته متخلفا عقليا بسبب جينات وراثية من ناحية الجد.
وفي أمريكا قامت ولاية كاليفورنيا بالتعقيم اليوجيني عام 1933 لأكبر عدد من الناس، فاق، كل ما عقمته الولايات الأخرى مجتمعة.
وفي ألمانيا النازية كان أقوى التحام بين البحث اليوجيني والسياسة العامة، حيث حذت ألمانيا حذو الولايات المتحدة واستلهمت قوانين ومعايير التعقيم فيها، وحثت على تعقيم بضع مئات آلاف من الناس، وساعدت - بالطبع - في التمهيد لمعسكرات الموت.
لقد شهد مطلع القرن العشرين إذن أبشع صور اليوجينيا السلبية، فقد كان المناخ الفكري مهيأً لتحول اليوجينيا إلى سياسة،، وبدأت الحرب اليوجينية حقًا في أمريكا وألمانيا وإنجلترا والسويد والدانمارك وفنلندة، وكان العدد الأكثر فيها هم المتخلفين وراثيًا، الفقراء، المعتوهين والمجانين، مرضى الصرع والدرن الرئوي، المقعدين، المنحلين، الشواذ والمومسات المحترفات، المجرمين بالفطرة ثم الملونين والمهاجرين. وكان السلاح في هذه الحرب هو التعقيم القسري والحد من زواج المتخلفين أو منعه، ومنع الحمل والإجهاض، بل والقتل إذا لزم الأمر. فالأقوى - كما يقول هتلر - لابد أن يسود على الأضعف ولا يمتزج معه حتى لا يضحي بعظمته ولن يجد في هذا قسوة إلا الضعاف.
وللأسف الشديد يبدو أن هذه الانتكاسة قابلة للعودة بعد أزمة كورونا.