- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
عبود مصطفى عبود يكتب: للوطنية وجوه كثيره
عبود مصطفى عبود يكتب: للوطنية وجوه كثيره
- 8 أبريل 2021, 4:46:54 م
- 998
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
للوطنية وجوه كثيرة
---------------------------
في السنة النهائية في كلية دار العلوم، حدث أن كلفنا الدكتور أحمد هيكل -رحمه الله- بعمل بحث صفي، وترك لنا حرية اختيار الموضوع، فاختار صديق لي عنوان (الشعر الوطني عند حافظ إبراهيم)، وأخذ يجمع في المادة العلمية للبحث فكان أن عثر على أبيات يمتدح فيها حافظ إبراهيم اللورد كرومر، وهو المندوب السامي البريطاني في مصر والحاكم الحقيقي لها في تلك الحقبة وكان شخصا كريها جدا عند المصريين خاصة بعد حادث دنشواي الشهير، وفي المقابل وجد صديقي هذا قصائد حافظ الشهيرة في حب الوطن مثل مصر تتحدث عن نفسها والتي تغنت بها أم كلثوم، والقائل فيها:
أنا إن قدر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
لكن هذا لم يشفع لشاعر النيل عند صديقي هذا، فنزع عنه صفة الوطنية ووصمه بالعار بسبب أبياته التي مدح فيها كرومر.
وعند مناقشة البحث قال الدكتور هيكل للباحث: "يا بني من قال لك أن الوطنية درجة واحدة مثل الكفر، الوطنية مثل الإيمان درجات متعددة وكل إنسان يسكن في درجة من هذه الدرجات، هو بالتأكيد وطني بامتياز، ثم أسهب في الشرح رحمه الله قائلاً: "من ناضل ضد الإنجليز حاملاً السلاح من الفدائيين يقع في الدرجة الأولى من الوطنية، ومن ناضل بالكلمة في الدرجة الثانية، ومن أدى عمله لصالح الوطن دون نضال في درجة تالية وهكذا، وحافظ إبراهيم رجل عانى من الفاقة كثيرًا منذ كان طفلاً وإذا كان مدح كرومر في بيت أو بيتين ليحفظ وظيفته ومصدر رزقه فليس معنى هذا أن ننزع عنه هذه الصفة الكريمة ولكن نضعه في درجة أقل من التي نضع فيها مصطفى كامل.
منذ سمعت هذا الكلام من أستاذي في النصف الثاني من تسعينييات القرن الماضي وأنا أحرص أشد الحرص على عدم تخوين أي مصري أو التشكيك في وطنيته، قد أضعه في درجة أقل من غيره لكني أبدًا لا أخونه، وأتذكر وأذكر دوما أنه ربما مواطن يكون في الدرجة الرابعة مثلاً من الوطنية تدفعه الظروف ليقف في الصف الأول أو الدرجة الأولى من الوطنية، ولعل أوضح مثال على ذلك من دنيا الأدب:
الموظف المصري البسيط في رائعة إحسان عبد القدوس (في بيتنا رجل)، حيث كان يحرص هذا المواطن هو وعائلته عن الابتعاد عن كل ما يثير المشاكل لكن في لحظة اختبار حقيقية قبلَ أن يأوي فدائي هارب من البوليس السياسي، رغم ما يعرضه هذا الموقف لمخاطر جمة، هو بتصرفه هذا انتقل من الترسو إلى العربة الأولى في قطار الوطنية.
ومن دنيا الواقع، ما حدث في ثورة يناير العظيمة فملايين المصريين الذي خرجوا إلى الميادين، وإلى مواجهات عنيفة ضد الظلم، وطلبا للعدالة والحياة الكريمة والديمقراطية، أثبتوا أنهم وطنيون درجة أولى بامتياز ومن وقفوا ليحموا البيوت والمتاجر والأعراض كانوا على الدرجة نفسها من الوطنية.