- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
عزات جمال يكتب: إقالة المحافظين قراءة في الدوافع والتداعيات
عزات جمال يكتب: إقالة المحافظين قراءة في الدوافع والتداعيات
- 12 أغسطس 2023, 6:44:40 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
توجه رئيس السلطة محمود عباس نحو إقالة المحافظين دون سابق إنذار وطلبه ترشيح آخرين لاعتمادهم محافظين جددد بدل المحافظين المقالين، أعتقد أنه يحمل في طياته بعدين مهمين:
الأول هو يرسل رسالة عبر الإقالة لكل مفاصل السلطة بأنه غير راضٍ عن ما يبذلونه من جهود خاصة في تطبيق مخرجات قمتي شرم الشيخ والعقبة الأمنيتين في الضفة والتي تهدف لإنهاء الحالات العسكرية المتمثلة بكتيبة جنين وباقي التشكيلات؛ أما البعد الثاني فهو يحمل رسالة للأطراف الدولية والإقليمية مفادها بأن السلطة تبدي حيوية في عملها وبأن الرئيس مهتم بالإصلاحات وتجديد شرعية المؤسسات من خلال ضخ دماء جديدة، خاصة بعد التراجع الواضح لشعبية السلطة وتزايد مظاهر الغضب الشعبي من تصرفاتها وسلوكها في مصادرة الحريات وعلى رأسها حرية اختيار ممثلين منتخبين للمؤسسات المختلفة، سواء على صعيد مؤسسات منظمة التحرير أو في مؤسسات وهيئات ودوائر السلطة الفلسطينية.
وبالتالي أتوقع ذهاب رئيس السلطة نحو المزيد من التفرد خاصة بعد فشل لقاء العلمين في إحداث اختراق في أي من الملفات العالقة في ظل تمسك السلطة بالاعتقال السياسي، ورفضها للإفراج عن المعتقلين في سجونها على الرغم من دعوات كل القوى الوطنية والمؤسسات الحقوقية. وعليه أتوقع التوجه نحو إختيار محافظين أكثر ولاءً لنهج الرئيس الخاص، على أن يضع أمامهم هدف وحيد وهو القضاء على الحالات العسكرية المقاومة وقمع المعارضين لنهج السلطة، وإعادة الأوضاع في الضفة لما كانت عليه قبيل ظهور التشكيلات العسكرية المقاومة، إضافة لتكليفهم للعمل على إظهار صورة جديدة تعكس الحالة الإيجابية لهذه التغيرات، وانهاء حالة الاحتقان المتصاعدة في الشارع.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل يحتمل شعبنا الفلسطيني المزيد من الضغط الأمني في ظل تصاعد إجرام المستوطنين؟ باعتقادي اليوم شعبنا الفلسطيني حدد أولوياته بشكل واضح، فهو ضج من سلوك السلطة المتمثل بالتفرد والاقصاء والقمع، وتعطيلها لأي توجه نحو إصلاحات جذرية كما حدث من تأجيل رئيس السلطة الانتخابات التشريعية بشكل مفاجئ، فالشعب يريد حلول حقيقية بعيداً عن الحل الأمني خاصة في ظل تصاعد المخاطر التي يشكلها المستوطنون المدعومون من حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة، وقد أرسل شعبنا للسلطة وقيادتها إشارات واضحة سواء في خسارة السلطة وحركة فتح في الاستحقاقات الانتخابية في البلديات أو الجامعات أو النقابات، على الرغم من كل مساعي حركة فتح والسلطة للفوز في هذه الاستحقاقات، إضافة لتصاعد الاحتجاجات والاضرابات المطلبية كما حصل مع المعلمين والمحامين الذين يشعرون بالتمييز والخذلان، وصولا للتصدي الشعبي لأجهزة الأمن التي زادت من اعتقال وملاحقة المقاومين كما حصل إبان اعتقال المطارد مصعب اشتية في مدينة نابلس، فهذه المظاهر مجتمعة تشير إلى رغبة شعبية وفصائلية، تضغط لإجراء تغيير جذري في سياسة السلطة في التعامل مع قوى ونخب وجماهير شعبنا، هم ينشدون علاقة قائمة على مبدأ سيادة القانون وإعلاء المصلحة الوطنية الفلسطينية والتوجه نحو تجديد الشرعيات كافة وفق عملية ديمقراطية.
كذلك من المهم معرفة ما هو موقف حركة فتح من ما يجري وهي التي تدفع تبعات سياسة الرئيس وأجهزته الأمنية من رصيدها وشعبيتها في الشارع؟ والى أي مدى ستستمر فتح في الصمت على ما يجري من تهميش لقيادتها وأطرها التنظيمية وقاعدتها الشعبية؟ بمعنى هل ستسمح فتح باستمرار تفرد أقطاب النفوذ الأمني المقربين من الرئيس في المشهد السياسي وبالتالي تعزيز حضورهم من خلال تعيين محافظين يدينون لهم بالولاء مما يعزز من فرصهم بوراثة رئيس السلطة بعد ذلك، أم ستتدخل أقطاب وقيادات حركة فتح الذين يستندون لإرث تنظيمي ولهم قواعد جماهيرية، من أجل الضغط على الرئيس لتعيين محافظين على درجة قريبة منهم ومن فتح وبالتالي قطع الطريق على الفريق المتنفذ في السلطة، أعتقد أن هذا يمكن أن تكشفه أسماء المحافظين الجدد الذين سيجري تكليفهم، وعلى كل الأحوال صعب التكهن إلى أي الفريقين سترجح الكفة، ففي كل سيناريو وخيار هناك مقاربات مختلفة تفرضها حالة التنافس الدائرة على وراثة الرئيس، والتي تدور رحاها منذ زمن بين أقطاب وازنة في حركة فتح وبين تيار الرئيس الذي يستقوي بالاحتلال وأجهزته الأمنية دون وجود تاريخ نضالي أو تنظيمي له أو حتى قاعدة جماهيرية يستند عليها.
كما أنه من المهم معرفة كيف ستنعكس هذه التغيرات على المشهد السياسي الفلسطيني الداخلي وما هو رد فعل الفصائل الفلسطينية والنخب؟ فهل ستذهب الأمور نحو المزيد من التأزيم في ظل فشل المساعي باستعادة الوحدة الوطنية، أم أنها ستظفي جو إيجابي يردم هوة التفرد ويذهب نحو تعزيز العمل المشترك!
وللإجابة على ذلك وبرؤية واقعية أميل لترجيح الأمر الأول وهو أن هذه التغييرات ستكرس التفرد وذلك استناداً لشكل وطريقة إقالة المحافظين، فلو كان رئيس السلطة لديه النية لإشراك الكل الوطني وجعل هذه الخطوة نقطة إلتقاء؛ لأعلن عنها في لقاء العلمين كمبادرة إيجابية أو على أقل تقدير لكان اتخذ قرار الإقالة بتشاور مع بعض القوى والفصائل الفلسطينية، لذلك أجد أنها خطوة يسعى من خلالها رئيس السلطة للمزيد من التفرد والاقصاء، وبتقديري ستتبع هذه الخطوة بخطوات أخرى تشمل تغييرات في مناصب ومفاصل إدارية قد تصل لتغيير جوهري في حكومة السيد محمد اشتية الحالية، لتعزيز فرص وصول الرسالة الموجهة للقوى الدولية والمجتمع الغربي بأن السلطة الفلسطينية جادة في الإصلاحات الداخلية وبأنها تستعيد زمام المبادرة، وذلك قبيل توجه رئيس السلطة لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن هل يقنع الأطراف الغربية التغيير الشكلي الذي أجرته السلطة في ظل تعطيلها لأي إصلاح حقيقي أو تجديد شرعية المؤسسات؟ وماذا عن الإرادة الشعبية وعدم رضا الفصائل والنخب من تفرد السلطة الفلسطينية في ظل ازدياد اعتمادها على القمع الأمني ومصادرة الحريات، في ظل فشلها في مواجهة حكومة الاحتلال الفاشية ووقف مساعيها الهادفة لإنهاء الصراع والسيطرة على المسجد الأقصى المبارك وتحويله لمعبد يهودي، وشرعنتها لمصادرة الأراضي الفلسطينية على نحو واسع وبناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، في ظل مسلسل القتل اليومي للشباب الفلسطيني الذي ينتهجه جيش الاحتلال عبر الاجتياحات التي تستهدف المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.
ختاماً أرى أن أي إصلاح سياسي لا يستند لتوافق وطني و لا يراعي مصالح الشعب الفلسطيني ولا يستند لاحترام إرادته، لا يعدو قفزة في الهواء ولن يكتب له النجاح. المطلوب تفعيل التواصل والتنسيق بين كل القوى السياسية والفصائل الوطنية والسلطة للخروج برؤية وطنية شاملة للإصلاح والتغيير وفق جدول زمني، لمواجهة الحكومة الفاشية الصهيونية التي لا ترى في شعبنا الفلسطيني إلا عائق يجب إزالته ليستطيعوا تنفيذ مشروعهم الاحلالي الاستعماري، والذي باتوا ينفذونه بقوة السلاح غير آبهين بالمواقف الدولية أو الادانات الأممية.